مستقبل مصر مع السيسي: روسيا أم أميركا أولاً؟

ستحدد مسؤوليات المشير عبد الفتاح السيسي الأولى كرئيس لجمهورية مصر العربية الطريق الذي سيسير فيه والأهداف التي سيسعى الى تحقيقها. وسيحدد المشير السيسي ماذا ستكون مسؤولياته الأولى، واضعا في اعتباره وفي حسابه أن مسؤولياته الأولى تجاه الذين انتخـبوه رئيـسا لمصر ستكون هي نفسها مسؤولياته الاولى تجاه المنطقة العربية والاقليمية والعالمية. ذلك بحكم أن تلك المسؤوليـات التاليـة لمسؤولياته تـجاه مصـر هي التي ستحدد دور مصـر العربي والاقليمي والعالمي. فهل استطـاع المشير السيـسي التفـكير في هـذه المسؤوليـات المركبة منذ ان اتخـذ قـراره بأن ينحاز للرؤية الشعبية المصرية عندمـا اتخذ قرار تحدي سلطة «الإخوان» وأن يقف في صف الجماهير المصرية لإقصاء هذه السلـطة وهو التحدي الذي أوصله الى رئاسـة مصر بعـدما لم يكن اسمه مطروحا فيها لتولي هذه المسؤولية عندما كان وزيرا للدفاع قائدا عاما للقوات المسلحة المصرية؟
لقد قرر الملايين من المصريين، الإجابة عن هذا السؤال في ما يخص مسؤوليات المشير السيسي الأولى، عن طريق التشبيه بين دوره ودور جمال عبد الناصر في بداية ثورة «23 يوليو» 1952. وبعض من اختار هذا الطريق اعتبر أن رد الاعتبار لـ«ثورة يوليو»، بعد السنوات الطويلة من حكم السادات ومبارك ثم السنة التي انقض فيها «الإخوان» على الحكم، قد آن أوانه، وأن ظهور المشير السيسي هو بحد ذاته مؤشر واضح الى ان «ثورة يوليو» وجدت قائدا جديدا، أقرب ما يكون الى شخصية عبد الناصر ليقود البلاد والمنطقة في الطريق نفسه الذي قادهما فيه عبد الناصر في زمانه. لكن بعضا آخر قرر أن اختلاف الظروف بين «يوليو 1952» والوقت الراهن لا يجعل هناك إمكانية لرؤية من هذا النوع. ومن ثم رأى في شخصية المشير السيسي رئيسا جديدا، من خلق ظروف هذا الزمان، وان التشبيه مع شخصية عبد الناصر لا يجدي ولا يفيد. ولم يكن هذا الاختلاف قاصراً على بعضنا من المصريين والعرب. بل الحقيقة ان الصحافة الاجنبية ـ الاميركية والاوروبية والآسيوية وحتى الأسترالية ـ ذهبت في أحد هذين الاتجاهين في رؤية شخصية المشير السيسي في ضوء شخصية عبد الناصر. وعلى سبيل المثال، فإن صحيفة «دي فيلت» الألمانية كتبت تحت عنوان «فرعون مصر الجديد» متسائلة «ماذا سيقدم السيسي أثناء رئاسته لمصر؟» وأجابت على تساؤلها قائلة «ان السيسي يرى في نفسه والداً للجميع وقائداً لأمة ومصححاً لأخطائها بيد قوية اذا لزم الأمر». وأضافت «دي فيلت» قائلة انه في المرات التي تحدث فيها ببرامج تلفزيونية «لم تتضمن إجاباته مزيدا من الحريات الشخصية أو مزيدا من الاعتماد على قطاعات الشعب بل تضمنت مزيدا من السلطة الحكومية وتوسيع قبضتها ومسؤولياتها … السيسي رجل قضى عمره في العسكرية يريد أن يصدر أوامر… انه رجل يؤمن بالدولة ولن يتسامح مع الإسلاميين».
صحيفة «واشنطن بوست» سايرت الخط الرسمي للحكومة الأميركية، فقالت «ان العديد من مراكز الاقتراع كانت مهجورة، الأمر الذي يسلّط الضوء على عدم وجود قاعدة سياسية للسيسي، والذي يهدد رغبته في الحصول على تفويض واسع من المصريين… لم تكن هناك آلية انتخابيـة موحـدة لمنح السيسي الأصوات التي يحتاجها لتحقيق نصر كاسح». وأضافت «واشنطن بوست» محذرة إدارة الرئيس الأميركي أوباما من «اندلاع ثورة جديدة في مصر… ان نسبة الإقبال كانت منخفضة انخفاضا كارثيا، ما أكد خطأ الدعاية المستمرة للمشير عبد الفتاح السيسي بأنه يتمتع بتأييد ساحق بين المصريين. إن نسبة الإقبال تدهش أنصار السيسي في الغرب، بمن في ذلك العديد من المسؤولين في إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما المقتنعين بقدرة المشير على إعادة الاستقرار الى مصر».
هكذا، فإن الصحافة الأوروبيـة كانـت أقرب الى فهم الواقع المصري الذي عكسه صـعود شخـص السيسي سياسـيا، في حين ان الصـحافة الأميركـية (شبه الرسمية) ظهرت بعيدة عن فهم الواقع المصري كما تمثل في صعود السيسي السياسي من خلال الانتخابات العامة الى منصب الرئاسة. وهذا الاختلاف الواسـع في حد ذاتـه يعكس فهم أوروبا للواقع السياسي المصري مقابل تراجع فهم أميركا لهذا الواقع. الحقيقة أن تصريحات الأميركيين الرسميين وغير الرسميين عكست هذا الواقع، واتضح منها أن الرسميين الأميركيين ـ خاصة في وزارة الدفاع (البنتاغون) ـ كانوا أقرب الى فهم التطورات الجاريـة في مصـر من المسؤولين السياسيين، بمن فيهم الرئيس الأميركي أوباما نفسه الذي بدا في بعض تصريحاته أقرب ما يكون الى تأييد موقف «الإخوان»، سواء تنظيمهم داخل مصر أو تنظيمهم الدولي خارجها. وقد بدا التنظيم الإخواني الخارجي أقرب ما يكون الى الحصول على التأييد من قبل الحكومة الأميركية. بينما أظهرت وزارة الدفاع الأميركية اهتماما بتأييد المشير السيسي ورؤية الجانب الإيجابي في صعوده الى رئاسة مصر بطريق الانتخاب(…)
أهم ما عكسه صعود السيسي الى رئاسة مصر كان التساؤل الذي ظهر في مصر وخارج مصر، واضعاً في الاعتبار التردد الرسمي الأميركي في تأييد هذا الصعود، عما اذا كان الرئيس السيسي يعتزم السير في اتجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنسبة للعلاقات مع أميركا. وهو تساؤل بدأ ظهوره منذ أن سافر المشير السيسي الى موسكو حيث عقد صفقة أسلحة كبيرة تجاوزت قيمتها ثلاثة مليارات من الدولارات. لقد اهتمت الدوائر، بما فيها الدوائر المصرية والروسية والأميركية والأوروبية، بمحاولة معرفة ما اذا كانت هذه الخطوة تمثل ابتعادا عن واشنطن واقترابا من موسكو، أو انها مجرد إظهار «العين الحمراء» لواشنطن بسبب موقفها السابق الذي رفضت فيه رد عشر من الطائرات المروحية الأميركية الى مصر التي تملكها، وكانت قد أرسلتها الى أميركا لإصلاح أعطاب فيها. غير أن واشنطن سريعا ما أبدت تراجعا عن موقفها السابق وأعلنت عزمها على رد الطائرات المروحية الى مصر . الأمر الذي اعتبر في مصر خاصة بمثابة تراجع أميركي. وفي كل الأحوال، فإن مصر السيسي – قبل أن يصعد الى الرئاسة ـ أظهرت اهتماما بأن تحتفظ بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وأيضا مع روسيا الاتحادية.
إن تصريحات الرئيس السيسي التي أدلى بها قبيل الانتخابات الرئاسية، تدل بوضوح على ان الرئيس السيسي لا ينوي ترك مجال العلاقات مع الولايات المتحدة يتدهور. ربما يكون ذلك في حدود ما يظهر من إمكانات تحسن الموقف الرسمي الأميركي من مصر من الآن فصاعدا. كما تدل هذه التصريحات على أن الرئيس السيسي ينوي ايضا الاحتفاظ بعلاقات سوية وطبيعية مع روسيا، ليس فقط كمصدر لأسلحة لا يستطيع الحصول عليها من أميركا. وفي هذا سيكون السيسي قادرا على إدارة علاقات مصر الدولية بما يضمن صعود مركز مصر الدولي، وهو ما ينعكس بقوة على علاقاتها العربية والإقليمية. إذ لا شك بأن هذا الصعود يضمن في الاتجاه الآخر زيادة قدرة مصر على لعب دور عربي وإقليمي يعزز دورها العالمي.

السابق
رصاص على الأقدام!
التالي
باسيل رفض لقاء كيري