نتنياهو وسياسة واشنطن العقيمة

في غضون الأسابيع القليلة الماضية، لفت انتباهي عدد من التعليقات ذات الصلة بمحادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي انهارت بالفعل. وتؤصل هذه التعليقات في مجملها لأسباب فشل المحادثات، وتوضح ما يجب تغييره لكي يتم التوصل إلى تسوية تفاوضية ناجحة في المستقبل.
وبكل وضوح، تكشف هذه التعليقات أنه لن يكون هناك سلام إسرائيلي فلسطيني، طالما ظل نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وتؤكد أيضاً على أن تجاهل هذه الحقيقة المجردة يعني المخاطرة بأن تصبح الجهود الأميركية المتواصلة «مساعي عقيمة».

وكان التعليق الأول من مسؤول أميركي لم يُذكر اسمه – ولكن يعتقد على نحو واسع النطاق انه مارتين إنديك – نشر في صحيفة إسرائيلية، وفي ما يلي السبب الذي قدمه «المسؤول الأميركي» لانهيار عملية السلام:
«كان ينبغي أن تبدأ المفاوضات مع قرار تجميد بناء المستوطنات، وقد تعلمنا أنه لا يمكننا تحقيق ذلك بسبب تشكيلة الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي، ولم ندرك أن نتنياهو كان يستخدم الإعلانات عن مناقصات بناء المستوطنات كطريقة لضمان بقاء حكومته، كما أننا لم ندرك أن استمرار البناء سمح للوزراء في حكومته على نحو فعّال بتخريب نجاح المحادثات».

وأضاف: «ثمة أسباب كثيرة وراء انهيار جهود السلام، ولكن الشعب في إسرائيل لا ينبغي أن يتجاهل الحقيقة القاسية، وهي أن سبب نسف المحادثات الأساسي كان المستوطنات». وتابع: «لا يعتقد الفلسطينيون أن إسرائيل تعتزم حقاً تركهم يقيمون دولتهم، بينما تبني – في الوقت ذاته – مستوطنات على الأراضي التي يُفترض تخصيصها لتلك الدولة، لا سيما أننا نتحدث عن بناء ما لا يقل عن 14 ألف وحدة سكنية». وذكر أنه بعد انهيار المحادثات، أدركنا الآن فقط أن الأمر يتعلق أيضاً بمصادرة الأراضي على نطاق واسع، وهو أمر لا يتسق مع أي اتفاق.

وكان التعليق الثاني من نتنياهو نفسه، عندما كان يتحدث إلى مجموعة من الأعضاء الشباب في حزبه، حيث قال: «عندما دخلت مكتب رئيس الوزراء في ولايتي الثانية، تم استدعائي إلى واشنطن، وهددوني بشكل خاص، وأخبروني بأنه من غير المسموح بناء حجر واحد». وأضاف: «كان الضغط من المجتمع الدولي والأميركيين هائلاً، ولا أعتقد أن أحداً في إسرائيل تعرض لمثل ذلك الضغط».

وتابع: «وبرغم ذلك، بعد مرور خمسة أعوام في عملي، بنينا أكثر من حجر واحد، ولكن المهم أننا نفعل ذلك بطريقة ذكية وبهدوء، من دون تصريحات مثيرة، فالقائد يعلم كيف يتحمل الضغط الدولي، ولكن المهم هو أننا نواصل المضي قدماً نحو تحقيق هدفنا، حتى إن مضينا يمنة أو يسرة».
ومن الصعب أن نفهم كيف يمكن لأي شخص في الإدارة الأميركية أن يزعم أنه تفاجأ بسلوك نتنياهو، فهو مجرّب من قبل، وليس مسؤولاً جديداً لم يتم التعامل معه من قبل!
وقد تم انتخاب نتنياهو في العام 1996 على أساس برنامج مخصص لإنهاء عملية سلام «أوسلو»، ومن خلال العمل مع حلفائه في حركة المحافظين الجدد الأميركية، التي كتبت خطاباً ألقاه أمام الكونغرس تحت عنوان: «الانفصال التام والكامل»، نجح رئيس الوزراء الجديد يومها في التلاعب بالكونغرس الذي قاده الجمهوريون ضد كلينتون والقضاء على اتفاقيات «أوسلو».

وفي الوقت المناسب، نجح نتنياهو في تشويه العملية، التي زعم بعد خمسة أعوام على تنفيذها أنه قد تلاعب بالولايات المتحدة وفاز، وفي ما يلي وصف نتنياهو في العام 2001 لكيفية تعامله مع واشنطن: «أعرف ما هي أميركا، وأعتقد أنه يمكن تحريكها بسهولة في الاتجاه الصحيح، فهم لن يضايقونا، ودعونا نفترض أنهم سيقولون شيئاً… فليقولوه، فثمانون في المئة من الأميركيين يدعموننا، وإذا كان لدينا هذا التأييد هناك، فعلينا أن نعرف كيفية استغلاله». وأضاف: «على سبيل المثال كانت تلك الإدارة بقيادة كلينتون، داعمة للفلسطينيين بشكل كبير، ولكن لم أكن أخشى المناورة هناك، ولم أشعر بالخوف من مواجهة كلينتون، ولم يساورني القلق من التصادم مع الأمم المتحدة».

وأجد صعوبة في أن أفهم كيف أمكن لأي شخص أن يعتقد أن نتنياهو سيصبح شخصاً مختلفاً عند إعادة انتخابه كرئيس للحكومة الإسرائيلية في العام 2009.
وبرغم زعمه تأييد «حل الدولتين»، فإنه قدم تحذيرات كافية لجعل هذا التأييد بلا معنى حقيقي، وفي حين وافق على تجميد الاستيطان لفترة قصيرة، ولكن الحقائق على الأرض توضح أن الاتفاق كان مليئاً بالعوار.

وبالطبع، يمكن النظر إلى نتنياهو على أنه مراوغ، ولكن الواقع أنه سياسي مؤدلج ومرن في جهوده الرامية إلى السيطرة على الضفة الغربية التي يشير إليها باسم «يهودا والسامرة». وربما أن نتنياهو سيحتال على اليمين أو اليسار، حسب الحاجة، ولكن مفتاح فهمه هو الحكم عليه من خلال أفعاله لا أقواله.
وأثناء إدارة كلينتون الثانية، تم اختبار صبر نتنياهو، عندما بدأ كلينتون ممارسة ضغوط حقيقية وذكية لإرسال رسالة للشعب الإسرائيلي مفادها أن الولايات المتحدة لم يعد يمكنها التسامح مع سلوك نتنياهو.

ولا زلت أذكر خيبة أمل كلينتون عندما استخدم نتنياهو الحجة ذاتها التي ساقها مؤخراً، حينما أعرب عن خوفه من أن حكومته ستسقط إذا وافق على ما تطلبه الولايات المتحدة، ولكن الرئيس الأميركي آنذاك كان يعلم أنه إذا تحرك نتنياهو صوب السلام فإنه سيخسر بعض المتعصبين غير أنه سينال تأييد أحزاب الوسط.
وعندئذ اختار نتنياهو، كما هي الحال في الوقت الراهن، الحفاظ على ائتلافه المتعصب وتخلى عن السلام، ومن ثم تواصلت ضغوط إدارة كلينتون إلى أن فهم الإسرائيليون الرسالة وانتخبوا رئيس وزراء جديداً.

وقد حاول الرئيس أوباما الضغط على نتنياهو أثناء فترته الأولى، ولكن بعد أن أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي الكونغرس الأميركي ضده، تراجع أوباما. وإذا كان الرئيس الأميركي لا يزال يأمل أن يحقق نجاحاً في فترته الثانية، فعليه أن يدرك أن ترك صنع السلام للأحزاب لن يجدي، لأن نتنياهو لا يريد السلام وفق أي شروط لا تحقق له بقاء ائتلافه قوياً وإذلال الشعب الفلسطيني وإبقائه أسيراً.

وإذا كانت الولايات المتحدة جادة، فإن المسار الوحيد هو ممارسة ضغوط كافية لإجبار الإسرائيليين على الاختيار بين نتنياهو والسلام، وهذا – وإن كان يمثل مجازفة سياسية – إلا أنه إن لم يتم التعامل بحزم مع نتنياهو، فإنه سيواصل التلاعب بنا، معتقداً أننا حمقى.

السابق
كيري في بيروت دعماً للاستقرار وتذكيراً بالاستحقاق
التالي
رئيس بلدية صيدا في ’مليتا’