مَن يملك الشاطئ اللبناني وفقاً للقانون؟

نادراً ما نجد منفذاً إلى شواطئ بلدنا إلا إذا دفعنا مبلغاً باهظاً للدخول! وإن تمكنّا من العبور الى شاطىء هو”مجاني” أساساً، يلاحقنا الأمن الخاص بـالمسبح المجاور، لأنه لا يفهم معنى أن الشاطئ مجاني وملك عام للجميع… ورغم أن الشواطئ الشعبية على طول الساحل اللبناني تكاد تكون معدودة، إلا أن المنتجعات السياحية قضت عليها واحتلتها لأن التعدّي بات شرعياً، ونراها تستغلها على حساب المواطن المحبط أساساً من غلاء المعيشة، فكيف اذا تناول الأمر مجالات الراحة والترفيه لديه؟ وما هي حقوق المواطن في شواطئ بلده؟

بات مؤكداً أن معظم المنتجعات السياحية المنتشرة على طول الشاطئ “مخالفة للقانون اللبناني الذي يمنح حق الدخول المجاني والحرّ الى الشواطئ لجميع المواطنين”، وفق ما يقول الباحث القانوني المحامي ميشال عيد لـ”النهار”. ومع فشل الحكومات المتعاقبة في تطبيق القوانين المتعلقة بتنظيم الأملاك العامة البحرية، تمادى أصحاب المنتجعات السياحية في استباحة الشواطئ اللبنانية، يقول عيد، مضيفاً: “ثمة من لا يملك ترخيصاً للاستثمار، أو هو تجاوز المساحات المرخصة له، وبعضهم ردم البحر واقام إنشاءات بمساحات عشوائية للمنفعة الشخصية، وثمة من لا يدفع رسوماً، والذين يدفعون إنما يفعلون بنسب متدنية جداً مقارنة مع قيمة العقارات والأرباح التي يجنونها لحسابهم الخاص”.

القانون بين النص والواقع!

إن نظام إشغال الاملاك البحرية المحدد في المرسوم الرقم 4810 الصادر بتاريخ 24/6/1966 ما يزال ساري المفعول، أكان لجهة تحديد الأملاك البحرية، أو كيفية الحصول على الترخيص الموقت لإشغال جزء منها والشروط الواجب توافرها في ذلك. ويذكّر عيد بالمادة الاولى من هذا المرسوم التي تؤكد ان الأملاك البحرية العامة يجب أن تكون في خدمة العموم ولا يجوز اقفالها لمصلحة خاصة، موضحاً أن “السماح بتخصيص جزء من الشاطئ لاستعمال أفراد أو مجموعات هو عمل استثنائي يخضع لشروط خاصة، منها أن تكون هناك مبررات سياحية، وأن لا يكون الاستثمار عائقاً لوحدة الشاطئ، فضلاً عن أنه لا يسمح بإنشاءات دائمة على الأملاك البحرية، وأن يكون طالب الترخيص مالكاً لعقار متاخم لهذه الأملاك، إضافة الى شروط أخرى يجب توافرها”. إلا أن الواقع في رأي عيد، أظهر أن من يحصل على الترخيص الموقت يستطيع الهيمنة من دون وجه حق ويتصرف خلافاً للقانون متجاوزاً حدود الترخيص، حارماً المواطن ممارسة حقوقه.
وفي ما يتعلق بتحديد بدلات الإشغال الموقت المترتبة عن الترخيص، أشار عيد إلى الأسس الواجب اعتمادها لتحديد هذه البدلات الواردة في المرسوم 2522/1992. “وعلى رغم ضآلة هذه البدلات وارتفاع أسعار العقارات وسواها، نرى المستثمرين أو المهيمنين على هذه الأملاك أو البعض منهم، يمتنعون عن دفع هذه البدلات على رغم الارباح التي يحققونها”.
وأكثر من ذلك، ومن أجل الحفاظ على حق المواطن في استثمار الأملاك العامة، تشير الفقرة السادسة من المادة الأولى من المرسوم عينه بوضوح “الى حق المواطن في هذا الاستثمار وعدم منعه من ذلك من صاحب الترخيص تحت طائلة إلزامه دفع بدلات إضافية نتيجة هذا المنع، أي أنه يعود لكل مواطن الحق في ممارسة حقوقه مجاناً في هذه الأملاك من دون ممانعة من أحد”، يوضح عيد، ويرد على سؤال بالقول: “يتذرّع المستثمرون وأصحاب التراخيص الموقتة بالمرسوم 144/1983 الذي سمح بتسوية مخالفات الأملاك البحرية وما اكثرها، لكن هذا المرسوم ألغي بالمرسوم 34/1985 بكل مفاعيله، أي انه لا يمكن التلطي أو التمسك بالمرسوم الملغى”.

استنهاض مشروع 2006 وتحديثه!
فضلاً عن حرمان المواطن حقه في الوصول إلى الملك العام، ثمة نقمة على الأملاك البحرية لغياب قانون يضع ضوابط لتنظيمها وإزالة التعديات الحاصلة عليها والتي تجاوز عددها 1068 مخالفة على الشاطئ اللبناني، وما يزيد عن 220 منتجعاً سياحياً بحسب تقرير وزارة الأشغال العامة والنقل العام المنصرم. وما يجري اليوم، بحسب عيد “هو أكثر من مسألة تعدٍ، وأقولها بالفم الملآن: هناك سلب لحق الدولة بالإيرادات من الأملاك البحرية التي تفوق قيمتها سلسلة الرتب والرواتب”.
عيد كشف أنه في عام 2006 تقدم بعض النواب بمشروع قانون يُنظم الأملاك البحرية، لكنه لا يزال قابعاً في أدراج مجلس النواب ولم يُفرج عنه بعد. لماذا؟ “لو أبصر مشروع القانون هذا النور، لكان أجبر المستثمرين والنافذين على دفع الرسوم والغرامات المتوجبة عليهم، فالخصخصة في التعديات أمر مرفوض بتاتاً، من هنا يجب إعادة النظر فيها وتحديث القوانين التي تُلزم أصحاب المنتجعات السياحية البحرية، أولاً بإزالة التعديات، ثم دفع ما يتوجب عليهم من غرامات ورسوم بحسب التخمين الرائج اليوم، أو على الأقل التعجيل في استنهاض قانون 2006، وإدخال بعض التعديلات على مواده نظراً الى الظرف الإقتصادي”.
أمام هذا الواقع، تكاد الشواطئ الشعبية في لبنان تنقرض، أما تلك المتبقية فهي اليوم قبلة التواقين للتمتع بالشمس والبحر. وإذا وُجد البعض منها في بعض المناطق فهي ملوّثة، غير نظيفة ومهملة من البلديات والدولة. فهل يأتي وقت يصبح فيه ارتياد الشواطئ محرماً على ذوي الدخل المحدود، ومحصوراً بالأغنياء فقط؟

 

السابق
إضراب اليوم وغداً في كليات اللبنانية والمتعاقدون مستمرون في تحرّكهم
التالي
لنزحفْ جميعاً إلى بعلبك