العلامة محمد حسن الأمين: أخطر ما نواجهه اليوم سلطة تتحدث باسم الدين

العلامة محمد حسن الامين

استضاف “منتدى الأربعاء” في مؤسسة الإمام الحكيم العلامة السيد محمد حسن الأمين في حوار حول “الدين والدولة: رؤية جديدة” بحضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والدبلوماسية والثقافية..

قدّم اللقاء المحامي الأستاذ بلال الحسيني الذي عرض مجموعة من الأسئلة والإِشكالات حول العلاقة بين الدين والدولة، وتساءل: هل يقبل الإسلام العلمانية؟.. وهل تقبل العلمانية الإسلام؟.. فالدولة ليست أمراً إلهياً بل حاجة اجتماعية.. والدين الإسلامي قدم للمؤمنين مجموعة من الإرشادات لكنه لم يقدّم نموذجاً ناجزاً عن الدولة.. فما هي العلاقة بين الدين والدولة وأين حقوق المواطن والمواطنة في المنظور الإسلامي؟..

وتحدث المستشار العلامة السيد محمد حسن الأمين ومما قاله: أريد أن ألفت النظر أولاً إلى أنني سأحاول تقديم رؤية مغايرة عما قدّمه بعض الإحيائيين الإسلاميين عن العلاقة بين الدين والدولة رغم احترامنا لهم ولدورهم التحولي في الفكر الإسلامي كأمثال أبو الأعلى المودوي وسيد قطب.. وما أريد أن ألق النظر إليه هو أن بيننا نخبة من العلماء والمفكرين والباحثين وما سأقدمه ليس محاضرة، وإنما أريد أن أعرض بعض الأفكار من أجل النقاش والحوار..

وسأذهب في الحديث إلى تقديم مقاربة لبعض المفاهيم والأفكار الفلسفية وليس الدينية فيما يتعلق بالدولة مؤمناً أن كل فكرة قانونية أو اجتماعية أو دينية لا بد أن تستند إلى فهم أولي أو رؤية حول الدين والإنسان والكون والحضارة وكل ما يتعلق بهذه المسميات الكبيرة..

وأضاف السيد الأمين: ولا بد أن أطرح بعض المفاهيم التي قد يبدو طرحها عملية استعادية، لكن الهدف من ذلك الاستفادة منها للوصول إلى فهم جديد للدين والدولة ومنها الحرية والعلمانية والأيديولوجيا.. وهذه موضوعات قد تبدو غير لصيقة بمفهوم الدين والدولة ولكنها مترابطة في موضوعات بحثنا اليوم..

أعتقد أن الصراع الذي شهده التاريخ منذ آدم إلى اليوم هو صراع في فلك الحرية وكان يتخذ أشكالاً من التعدد والالتباس والسعي الإنساني كان يتعلق بالحرية.. وهذا هو فهمنا لرسالة الأديان والتوحيد والتوحيد بوصفه دعوة إلى عبادة إله واحد، وهذه ليست مسألة لا هوتية كي ندرسها في البيئة الدينية فقط، فالوحدانية تلخيص عميق حول ارتباط الإنسان بالمطلق أو بالله، فلا يوجد أي حاجز أو أي فعل مصادر للحرية، فالحرية الإنسانية ليس لها حدود على الإطلاق، والحرية مرتبطة بالسعي الأساسي للإنسان للوصول إلى غايته الحقيقية، والآية القرآنية “يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه”  تؤكد أن المصير الإنساني الأسمى هو هذا الامتزاج بالذات الإلهية وللوصول إلى الله وسعي الإنسان للوصول إلى الله وزاده هو الحرية والذهاب إلى الحرية..

وتابع السيد الأمين، أما مسألة الأيديولوجيا والحديث عنها فبهدف ربط القضايا العامة للإنسان وعلاقته بالكون، وكلنا يعلم بأن الأيديولوجيا هي منظومة فكرية إما أن تكون مبتدعة وغير مسبوقة يعتقد بها الناس أو فريق من الناس، وإما أن تكون رؤية داخل منظومة كبيرة كالأيديولجيا القومية أو الدينية أو الماركسية.. أود أن أقول بشيء من التواضع فمنذ أكثر من 20 سنة تحدثت في محاضرة عن ضرورة سقوط الأيديولوجيا وعن بؤس الأيديولوجيا الدينية التي يقاتل البعض من أجلها، لأن الأيديولوجيا حاجب مانع للرؤية الإنسانية الحرة والمطلوب اليوم العودة إلى العقل، وأنا مهتم بانهيار الأيديولوجيا لأن تاريخ المسلمين هو تاريخ أيديولوجيات مستمرة ومتصارعة وإن هذا تاريخ المسلمين لم يكن تاريخياً مشرفاً، وإن هذا التاريخ تاريخ المسلمين لم يكن تاريخاً مشرفاً على الإطلاق بالمقارنة مع المبادئ التي حملها الإسلام وقضية الحرية التي هي في جوهر قضية الإنسان في الإسلام.. وكل أيديولوجيا هي عدوات على الفكر الإنساني المتمرد على قيوده.. والحضارة الإسلامية حققت هذا التمرد لكنها لاحقاً أصبحت أسيرة له.. لذا ننادي بسقوط الأيديولوجيا ومنها الأيديولجيا الدينية وهي مجموعة الأفكار التي نفهمها من الدين ونحولها إلى ما يشبه العقيدة بحيث يصبح تجاوز هذه العقيدة أمر مقدس ولا يمكن اختراقها.. وهذا بعض ما يبتلى به الفكر الإسلامي القديم أو الحديث اليوم..

والأيديولوجيا تنبثق من التطلعات السياسية وليس من الفكر الحقيقي وهي تصادر الدين نفسه، والدين أول المتضريين من الايديولوجيا..

وتابع السيد الأمين: وبالانتقال إلى مفهوم آخر انتشر كثيراً منذ أكثر من قرن وهو أن “الإسلام دين ودولة” وخصوصاً على لسان الإحيائيين الذين نقدرهم ونفهم أسباب حماسهم لربط فكرة الدول بالإسلام خصوصاً بعد انهيار الدولة العثمانية، وكان من الطبيعي أن يشعر البعض أن الإسلام أصيب بكارثة ولذا يجب مواجهة ذلك عبر ربط عودة الإسلام بعودة الدولة، والإسلام إذن “دين ودولة”، وإذا كانت الظروف السابقة تبرر هذا الشعار فإن العودة إلى العقل والتحرر من الأيديولوجيا يجعلنا تقول “إن الإسلام دين فحسب والدولة دولة ولا علاقة للدين ببالدولة”.. الدين هو منظومة القيم والعقائد والشرائع التي يتضمنها الإسلام أو تتضمنها المسيحية أو أي دين آخر، وهي علاقة مباشرة بين الإنسان والله عز وجل، وهذه العلاقة العامودية قد تفرض علاقة أفقية في ثنايا المجتمع أو بين أبناء المجتمع، ولا بد لهذه العلاقة العامودية أن يكون لها نتائج أفقية واجتماعية، لكن مع ذلك فالدولة شأن آخر.. ومنذ انتهاء الخلافة الراشدة وبداية العهود الأخرى (أموي، عباسي…) هو تاريخ الدولة الإسلامية أي أنها الدولة التي تقول أنها تطبق أحكام الإسلام، وأنا المسلم أرفض أن يكون الإسلام هو ما يقدمه هذا التاريخ من العهود والحكومات والسلاطين، وكل عهد من هذه العهود كان يقول أنه يطبق الإسلام (دولة أموية، عباسية، مماليك…) وصحيح أنها كانت دول تحكم باسم الإسلام وبغض النظر أنها تطبق ذلك بشكل صحيح أم لا.. فبالنتيجة إن أسوأ قطاع في تاريخنا الإسلامي هو قطاع السلطة وقطاع الدولة، وفي عصر النهضة الأولى التي حصلت، بما فيها العلوم البحثة والمادية بقي فرع من العلوم لم يقترب منه أحد إلا قليلاً وهو فرع العلوم السياسية (الأحكام السلطانية) فلم يتم الاقتراب منه وابتعد المفكرون عن هذا النوع واقتصر الحديث عنه في الدواوين السلطانية فقط..

ونلاحظ أن العلوم السياسية لم يكن لها نصيب من الاهتمام في العصر العباسي ولو قدّر للفكر الإبداعي أن يشتغل في العلوم السياسية لوصل إلى رؤية جديدة لمفهوم الدولة تشبه ما وصل إليه الفكر الغربي في عصر الأنوار (الدولة الحديثة) وكان الحاكم هو حاكم الدنيا والدين معاً، وإذا عدنا إلى توصيف الخليفة نرى أن هذا التوصيف يركز على أن الخليفة هو المسؤول والمطاع في شأن الدين والدنيا معاً.. مع أن المسلمين الأوائل فرقوا بين الدين والدولة وبين الدين والدنيا، فعندما لم يغرق الحاكم بينهما تحول إلى حاكم استبدادي وأحياناً يصل إلى رتبة “المستبد العادل” رغم تحفظنا على هذا التعبير..

وأضاف السيد الأمين: من وجهة نظري لا شرعية للسلطة عندما تكون دينية، وتصبح شرعية عندما تكون منتخبة، وتُري لو كنا أمام شكلي من أشكال السلطة، سلطة دينية وسلطة غير منتخبة، وسلطة علمانية منتخبة فأيهما شرعية؟.. السلطة الشرعية هي السلطة المنتخبة حتى لو كانت علمانية.. وإن سمة الإسلامية أو الدينية لا تمنحها الشرعية.. فلو أن مجموعة من الضباط قاموا بانقلاب وأقاموا سلطة ما وأعلنوا أنهم سيحمون باسم الإسلام فإن سلطتهم غير شرعية.. أما السلطة المنتخبة من الشعب فهي السلطة الشرعية.. وما نحتاج إليه: شرعية السلطة لا إسلاميتها، وشرعية السلطة لا تعني أنها عدوة للدين..

وأما مسألة العلمانية فأظن أن الكثيرين  من الذين يتكلمون عن العلمانية لا يعرفون حقيقة هذا المفهوم الإنساني العظيم والإسلام هو الدين دافع عن الحرية، والثورة التي جرت في أوروبا من أجل حرية الإنسان وتبنت مفهوم العلمانية هي ثورة من أجل الإنسان في مواجهة الكنيسة وسلطتها الدينية والمعرفية والمدنية والعلمانية كانت تواجه منطق من يقول أن الحقيقة منزّلة من السماء وليست من عقل الإنسان..

وهذا الاعتقاد تسرب أيضاً إلى الاجتماع الإسلامي، وكانت هناك محاولات مستمرة من أجل إيجاد من يتحدث باسم الحق الإلهي، وأخطر ما نتعرض له أن تكون دولة دينية أو سلطة دينية باسم الحق الإلهي، وهذه عودة ما قبل الإسلام نفسه وما قبل العلمانية..

ولذا فإنني كمسلم يجب أن أجاهد وأبحث لإطلاق أكبر عدد من الأفكار التنويرية للوصول إلى فهم مختلفة لموضوع الدين والدولة وأتمنى أن تكون هذه الأطروحة مدخل لنقاش وحوار عميق مع هذا اللقاء وفي غيره من اللقاءات..

وبعد ذلك جرى حوار بين السيد الأمين والمشاركين..

السابق
الأسد يفوز.. واللبنانيون يبدأون ولايته بالخوف من الرصاص
التالي
فارس كرم يفوز ببركة رسولية