مكاري: الفراغ الرئاسي مسؤولية المسيحيين والخارج مهتم بالأمن لا الانتخابات

نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري

كتبت “الشرق الأوسط” : يلاحظ نائب رئيس البرلمان اللبناني فريد مكاري “خمولا” لافتا لدى القيادات اللبنانية حيال الفراغ الحاصل في منصب رئاسة الجمهورية منذ 25 مايو (أيار) الماضي، متخوفا من أن ينعكس الأمر مزيدا من التأجيل لعملية الانتخاب، وإمكانية أن يدهم موعد الانتخابات النيابية، فتسبق الانتخابات الرئاسية.

ويعد مكاري واحدا من أبرز رفاق درب الرئيس الراحل رفيق الحريري، عاش معه 18 سنة خارج الحكم حيث عملا معا، و13 سنة أخرى معه في الحكم والسياسة معا منذ عام 1992 حتى اغتياله في عام 2005، فتقلد أكثر من منصب وزاري لأكثر من 20 سنة حتى الآن، ويشغل منصب نائب رئيس البرلمان منذ اغتيال الحريري وحتى اليوم.

ويحمل مكاري بوضوح شديد، مسؤولية الفراغ للمسيحيين، لا المسلمين، آخذا على فريق النائب ميشال عون عدم نزوله إلى البرلمان للمشاركة في الانتخابات، ومتوقعا أن يكون الفراغ طويلا إذا استمر التعاطي مع هذا الملف بنفس العقلية من قبل المسيحيين، منبها إياهم بإمكانية إخراج أنفسهم من معادلة التشريع في البرلمان، بعدما أخرجوا أنفسهم من معادلة انتخاب الرئيس.

وإذ أكد أن ترشيح رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع “ليس موضوع عناد”، قال إن جعجع يعرف أن وصوله إلى الرئاسة ليس سهلا، لكن الوضع لن يختلف سواء كان جعجع هو المرشح أو أي شخص آخر من فريق “14 آذار”، ففكرة مرشح من “14 آذار” غير مقبولة من الطرف الآخر. ودعا الفريق المسيحي في البلاد إلى التوافق على شخصية مقبولة من الجميع والذهاب بها إلى البرلمان لانتخابها، محذرا من أن عدم القيام بذلك معناه أن الفراغ سيطول لأن انتخاب الرئيس “ليس أولوية الخارج اليوم، بل الاستقرار الأمني”.

وانتقد مكاري بشدة عملية “الاستعراض” التي جرت في انتخابات الرئاسة السورية في السفارة السورية في بيروت الأسبوع الماضي، عادا أنه لم يكن هناك احترام للدولة اللبنانية ولا لمشاعر اللبنانيين، واصفا الانتخابات السورية عامة بأنها “مهزلة وضحك على العقول”، ساخرا منها بالقول إنه متأكد من أن المرشحين الآخرين للانتخابات السورية صوتا للرئيس السوري بشار الأسد أيضا. وفيما يلي نص الحوار:

* إلى متى تتوقعون استمرار الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية؟
– كان هناك حماس واهتمام داخلي كبير بإجراء الانتخابات قبل 25 من مايو الماضي، وهو الموعد الدستوري الأخير لانتخاب الرئيس، لكنني أشعر اليوم بأننا نمر بفترة من الخمول السياسي ونوع من الركود، والسبب أنه أصبح هناك مجال أوسع لإعادة النظر بأمور متعددة، وهذا ليس لمصلحة البلد بالتأكيد. إذا استمررنا في التفكير الحالي لدى الفرقاء اللبنانيين على الساحة اللبنانية ويبقى التفكير نفس مكان عليه قبل 25 من الشهر، فأعتقد أن موضوع الشغور بموقع رئاسة الجمهورية سيكون شغورا طويلا. لأن بعض الفرقاء ترشحوا (للرئاسة) لإلغاء ترشيح فريق آخر. في الوقت نفسه، هناك فريق يعد أن رئيس الجمهورية لا يقدر على أن يكون إلا صنيع أيديهم وليس صنيع كل اللبنانيين.
نحن اليوم نقف على مفترق مهم كثيرا، إما أن نرجع إلى عقولنا كلبنانيين، وخصوصا القسم المسيحي من اللبنانيين المعني بالدرجة الأولى بانتخابات الرئاسة، ونبحث عن شخص مقبول من كل الأطراف وقادر على التواصل معهم، وننتخبه، أو أن تطول هذه الفترة ستطول لأن الخارج لديه اهتمامات أكبر، ونحن لسنا من الأولويات عنده. هناك أولوية في الخارج أن يكون هناك استقرار أمني واقتصادي في لبنان. وحتى الآن يبدو أن هاتين النقطتين ساريتا المفعول.

المرشح الرسمي لقوى “14 آذار” حتى الآن هو الدكتور سمير جعجع، إلى متى سيستمر هذا الترشيح؟
– ترشيح الدكتور سمير جعجع ليس موضوع عناد، وهو اليوم يعرف أن وصوله إلى الرئاسة ليس سهلا، لكن الوضع لن يختلف، سواء كان الدكتور سمير جعجع هو المرشح أو أي شخص آخر من فريق “14 آذار”. فكرة مرشح من “14 آذار” غير مقبولة من الطرف الآخر. وأيضا إذا أعدت قراءة موقف الفريق الثاني، تجد أنه حتى الشخص المقبول من كل الأطراف هو ليس موضوع قبول عندهم، هم يريدون رئيس جمهورية يكون صنيعتهم. لذلك أنا أعتقد أن ترشيح الدكتور سمير جعجع باق حاليا إلى أن يتفهم الطرف الثاني أن مخططه غير ساري المفعول.

هناك كلام عن أن ترشيح الدكتور سمير جعجع هو فقط لمنع وصول انتخاب العماد ميشال عون؟
– يمكن أن يكون جزءا من هذا الكلام صحيحا، لكن هذا ليس كل الواقع. فالواقع أكبر من ذلك وأنا متأكد مما أقوله، فليس من المؤكد أن فريق “8 آذار” يريد الجنرال ميشال عون، وإن كان هناك إمكانية لوصول ميشال عون، ففريق “8 آذار” مجبر على انتخابه لكن ليس هو خياره.

عندما تقول فريق “8 آذار” تقصد “حزب الله” تحديدا؟
– أقصد “حزب الله” وحركة أمل وكل مكونات “8 آذار”، أنا لست على قناعة أن مرشحهم الأول هو الجنرال ميشال عون. لكن لديه ميزة أنه في حال كانت هناك إمكانية لوصوله لا يستطيعون أن يكونوا ضده.

لقد شاهدنا لفترة نوعا من الغزل أو الحوار المعلن بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، هل يمكن أن يوصل هذا في يوم ما أو لحظة ما، إلى عد عون مرشحا توافقيا؟
– أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال يعود للعماد عون أكثر مما يعتمد على موقف الرئيس سعد الحريري الذي يعد موقفه واضحا، وأنا من أكثر الناس الذين قاموا بتوضيحه، فليس لدى الحريري “فيتو” على أي مرشح مسيحي شرط أن تكون هناك موافقة مسيحية عليه وأن يكون متصالحا مع بيئته قبل أن يكون موضوع إجماع لبناني، هذه المهمة “منوطة” بالجنرال عون وصاحب الغبطة البطريرك الراعي.

هل تختلف مواصفات الرئيس ما قبل الفراغ عما هي مواصفات الرئيس ما بعد الفراغ؟ عادة يقال إنه إذا لم يكن هناك فراغ يمكن أن يأتي رئيس تسوية أما بعد الفراغ فيجب أن يكون رئيسا مسيحيا قويا!! – أنا أعتقد أنه في جميع الأحوال يجب أن يأتي رئيس مسيحي قوي، لأن الرئيس المسيحي القوي لا يعزز فقط الوضع المسيحي في لبنان، فالرئيس القوي يستطيع أيضا أن يحاور للوصول إلى حلول بطريقة أقوى.

ما تعريفك لكلمة قوي؟
– كلمة قوي هي باعتقاد الكثيرين أنه الذي الرئيس الذي يملك شعبية انتخابية، لا شك أن الرئيس القوي يجب أن يرضى عنه وأن يكون مقبولا، لكن الرئيس القوي هو الذي يعرف ما يحتاج إليه البلد.

حاليا الفراغ هو سيد الموقف، وهناك جدل يدور في الشارع اللبناني انطلاقا من اعتبار البعض أن صلاحيات الرئيس يجب أن تستخدم بالحد الأدنى من قبل الحكومة! – الدستور يقول إن صلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل إلى الحكومة في حال شغور الموقع الرئاسي. الحكومة مجتمعة تغطي الفراغ في الرئاسة وهذا كلام دستوري لا غبار عليه.

هل الوزراء مجتمعين يتسلمون هذه الصلاحيات، أم غالبية الأصوات في الحكومة؟
– هذا يعود إلى كيفية تفسير كلمة الحكومة مجتمعة (كما نص الدستور). هناك عدة تفسيرات، منهم من يقول إنه يجب أن يوافق كل الوزراء دون استثناء على كل القرارات، لكن أعتقد أن هذا يعقد الأمور ولا يساعد في النهاية أن تعطي حق “الفيتو” لكل وزير، أمر مربك جدا للجميع، ولا يسمح بانتظام عمل الحكومة. أنا برأيي يجب أن يكون الوزراء مجتمعين أصحاب الصلاحيات، لكن يجب أن تكون هناك أغلبية هي التي توافق على موضوع ما. موضوع تفسير الدستور غير واضح، وإذا كان تفسيره أن الـ24 وزيرا يجب أن يوافقوا على كل موضوع على جدول الأعمال وعلى كل بند، فإذن يمكن أن تعد الحكومة حكومة تصريف أعمال أكثر مما هي حكومة فعلية.

بمعزل عن التفسيرات الدستورية، هناك كلام عن أن المسيحيين لم يعودوا مشاركين في السلطة بسبب غيابهم عن المنصب الأول بالدولة.. وبالتالي هذه المسألة تخلق شعورا مسيحيا بالنقص بالمشاركة!! – لا أعرف أن كان شعور نقص، لكن هناك عدم توازن عندما يكون هناك شغور بموقع الرئاسة، وهنا يجب أن نلوم من أوصلنا إلى هذا. ولنتكلم بصراحة، الخطأ لم يكن من الطوائف الإسلامية، بل أعتقد أن الخطأ كان من الجهات المسيحية المشاركة في الحكم. عدم النزول إلى مجلس النواب للانتخاب وعدم الترشح من الفريق الثاني هو السبب الأساسي للشغور. بقناعتي لا يجوز أن تخطئ وتضع اللوم على غيرك.

هل يجب أن يستمر التشريع والعمل الحكومي كما هو طبيعي؟
– أنا رأيي واضح في هذا الموضوع، الحكومة مجتمعة، لكن بالأكثرية، هي التي تحكم بغياب الرئيس، والتشريع يجوز، إنما اتخذ موقف مسيحي شبه جامع يطالب بأن يكون التشريع بالحد الأدنى وعند الضروريات، وأنا ألتزم به لأنني مسيحي، لكن أنا مقتنع بأنه يجوز التشريع.

هي بمثابة رسالة، إنه ما دام المسيحيون غير موجودين بالسلطة، فيجب ألا تمارس هذه السلطة بنفس الفعالية من قبل الجميع! – كما ألغينا أنفسنا (كمسيحيين) في عدم انتخاب رئيس، نحن نشارك في إلغاء نفسنا عن التشريع أيضا.

الانتخابات النيابية، اقترب موعدها، فنحن على بعد أشهر من دعوة الهيئات الناخبة، في 20 أغسطس (آب) تحديدا، في ظل الوضع الحالي أيهما يسبق الآخر برأيك الانتخابات الرئاسية أو النيابية؟
-الجواب واضح عن هذا السؤال، من يجب أن يسبق! نحن يجب أن ننتخب رئيس جمهورية أمس وليس اليوم، إنما لنعد أنه لم يحصل انتخابات رئاسة جمهورية من اليوم حتى موعد الانتخابات النيابية. في كل الدول عندما يكون هناك نزاع أو إشكال كبير، يعودون إلى الشعب من أجل حسم هذا الخلاف، أي إلى الانتخابات، لذلك أنا لا أرى مانعا أن تجري الانتخابات حتى – لا سمح الله – استمر الشغور في رئاسة الجمهورية والحكومة قادرة على أن تقوم بهذه الانتخابات، وإذا استمر الوضع الأمني على هذا الهدوء، يكون عنصرا مساعدا لهذا الموضوع. يبقى الخلاف على موضوع واحد وهو قانون الانتخاب، فإذا اجتمعت الأطراف وأقرت قانونا جديدا يكون ذلك ممتازا مثل “الزيت على الزيتون” وإلا إذا كان هناك قبول لإجرائه على قانون الـ60 أنا أعتقد أنه لا شيء يمنع الانتخابات.

وفقا للمعطيات الموجودة لدينا، في رأيك الشخصي أيهما سيسبق الآخر الانتخابات الرئاسية أم النيابية؟
– هذا السؤال يحتاج إلى تنجيم، في الواقع لا أستطيع أن أجيب عن هذا الموضوع، لكن آمل أن يكون جوابي الوحيد أن نعي كلبنانيين خطورة ما نفعل.

هل يكون تمديد ولاية مجلس النواب مرة ثانية أحد الخيارات إذا استمر الخلاف السياسي القائم؟
– إذا كان هناك إجماع من القوى السياسية على هذا الموضوع فسوف يكون، أنا لم أصوت في المرة السابقة على التمديد، وبالطبع لن أصوت للتمديد مرة ثانية إن حصل ذلك.

* منذ فترة رأينا الانتخابات الرئاسية السورية في لبنان، كيف رأيت هذا المشهد؟
– لا أريد أن أقوم بخطابات سياسية بهذا الموضوع، لكن أنا أعتقد أن هذه مهزلة وضحك على عقول الناس، أنا أعرف كيف صارت الانتخابات في لبنان لأنني آتٍ من منطقة فيها لاجئون، فرأيت كيفية تجميعهم وكيف هددوا وكيف أتوا بهم في السيارات، وأعرف كيف جيء بهذا القسم من الأعلام، إضافة إلى أنه لم يكن هناك احترام للدولة اللبنانية، كانت هناك لافتات وأعلام سورية على الأراضي اللبنانية مما يتحدى شعور اللبنانيين. وأنا أعرف كيف تجري الانتخابات في سوريا، أولا: الطريقة، ثانيا: الفرز، ثالثا: النتائج، حتى وصلت إلى قناعة بأن المرشحين ضد بشار الأسد انتخبا بشار الأسد ولم ينتخبا نفسيهما.

هناك قرار من وزارة الداخلية بأنه كل لاجئ سوري يذهب إلى سوريا ثم يأتي فهذا ليس لاجئا..
– نعم، موقف صحيح مائة في المائة.

لكن المسألة الديموغرافية أثبت أن هناك عددا هائلا من السوريين في لبنان..
– أنا أعتقد أن هذا النزوح السوري وعدد اللاجئين، ولا سيما على الأراضي اللبنانية، هو خطر يهدد الكيان اللبناني، والكيان المسيحي بدرجة أكبر. لكن لا شك نحن على وشك أن نعيش مشكلات داخلية.

ما تقيمك لطريقة تعاطي لبنان رسميا مع هذا الملف، ما الذي يجب أن نفعله؟
– هناك حقد في هذا الموضوع، أعتقد أن وزير الشؤون الاجتماعية يقدم حلولا ممتازة لحل هذه المشكلة، لا سيما إقامة مخيمات على مقربة من الحدود السورية، وحصر اللاجئين الفعليين وضبط الأمن وضبط الدخول والخروج لأنه يجب ألا نتركهم منتشرين في هذه الطريقة في كل لبنان، لكن لا يوجد تجاوب من الدول المانحة حتى الآن لتنفيذ هذه الخطة. أتمنى بعدما تأخذ هذه الإجراءات مجراها التي تكشف عن عدد اللاجئين الصحيحين، أن تقوم الدولة اللبنانية بالإجراءات التي اقترحتها وزارة الشؤون الاجتماعية، وأن تقوم القوى الأمنية بضبط هذه المخيمات حتى لا نقع في نفس المشكلة التي وقعنا فيها بالسابق في المخيمات الفلسطينية.

السابق
القاهرة تدعو الرئيس الإيراني لحضور حفل تنصيب عبد الفتاح السيسي
التالي
’الجماعة الإسلامية’ إلى أين؟