القصة الكاملة لسلسلة الرتب والرواتب

مجلس النواب

ذكرت صحيفة “الديار” ان كل الدلائل والمؤشرات حتى الآن لا توحي بأن سلسلة الرتب والرواتب ستبصر النور في جلسة 10 حزيران.. لا بل ان المفاوضات الجارية منذ ايام على اكثر من محور تؤشر الى ان ذهنية البعض في التعاطي معها ما زالت هي هي، واننا نشهد فصلا جديدا من فصول هذه الازمة المتفاقمة منذ فترة طويلة.
وعلى الرغم من تحذيرات هيئة التنسيق النقابية ولجوئها الى استخدام اقصى درجات الضغط (الاضراب ومقاطعة الامتحانات الرسمية) فان هناك من يتعاطى مع هذا الموضوع بالطريقة نفسها، دافعا باتجاه تكريس هذا المأزق الذي بات يهدد الجميع.
ووفق المعلومات المتوافرة حول حركة المشاورات والمداولات التي سجلت في الايام الاخيرة، فان العوائق التي حالت دون اقرار السلسلة ما زالت على حالها… لا بل ان كل ما جرى حتى الان لم ينقل النقاش من دائرة الخلاف على الارقام والتوجهات والحقوق والواجبات، بحيث تبقى كتلة نار ملتهبة مرشحة الى التوسع لتحرق اصابع الجميع.
وتقو المعلومات ان سلسلة الاتصالات والاجتماعات التي عقدت مؤخرا، اكان على محور الكتل او على محور ما قام به وزير المال علي حسن خليل مؤخرا من محاولات للخروج بنتائج ايجابية، لم تسفر عن تقدم يذكر، مع العلم ان المعضلة الاساسية تكمن في رفض الرئيس فؤاد السنيورة الاقرار باعطاء الدرجات الست للمعلمين وتحسين ما توصلت اليه اللجنة الفرعية الاخيرة (لجنة عدوان) بشأن العسكريين، اضافة الى الخلاف حول بعض العناصر والبنود المتعلقة بزيادة الايرادات.
ويقوم عضو كتلة «المستقبل» النائب جمال الجراح بدور «المندوب المتجول» مع الكتل الاخرى في محاولة لتسوية الخلافات، لكن مسعاه يصطدم بالدرجة الاولى بالسقف الذي حدده اصلا الرئيس السنيورة، والذي لا يتلاءم اولا مع مبدإ التفاوض، وثانيا مع مطالب وحقوق هيئة التنسيق النقابية والعسكريين، حيث يتهمه الطرف الاخر بتصعيب وتقليل فرص الوصول الى الحل.
ويتمسك السنيورة ومن يؤيده بابقاء كلفة السلسلة ما دون الالفي مليار ليرة من جهة الامر الذي ينتقص من مطالب وحقوق القطاعات المعنية، وبوضع الفيتو على بعض بنود الايرادات من جهة ثانية ما يجعل التوازن بين الايرادات والكلفة مفقوداً، ما يقطع الطريق على اي تسوية او مخرج.
وكما هو معلوم فقد اقرت الهيئة العامة للمجلس العديد من مواد السلسلة في الجلسة الماضية، وتوقف الناش عند بعض النقاط الاساسية والجوهرية المتعلقة بالزيادات للمعلمين (الدرجات الست) وللعسكرين (عدم مساواة اساس الراتب مع الادارات الاخرى).
عدا تلك المتعلقة بتوفير التغطية المالية للسلسلة اكان بالنسبة لموضوع الضريبة على القيمة المضافة (t.v.a) او تسوية مخالفات البناء، او البناء المستدام، او ضرائب اخرى على الافراد (المهن الحرة فوق المئتي مليار ليرة).
وفي وقت يفضل وزير المال علي حسن خليل الاستمرار في العمل لتوفير عناصر الحل قبل جلسة 10 حزيران، وعدم الكلام عن سير المفاوضات وما وصلت اليه، يقول احد المشاركين في هذه الحركة القائمة انه بعد ان ثبت في الهيئة العامة وقوع اللجنة الفرعية الاخيرة (لجنة عدوان) في اخطاء عديدة، واصبح النقاش في هذه الهيئة لم يعد هناك من دور للجنة المذكورة كما اكد مؤخرا وزير المال ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان.
لذلك انطلق التفاوض الاخير مما وصلت اليه الهيئة العامة، وجرت محاولات لتحقيق مقاربة ايجابية بين الكتل، خصوصاً ان الكتل المسيحية اعلنت في ظل الشغور الرئاسي انها لنتحضر الجلسة او بالاحرى تشدد على التوافق على السلسلة قبل الجلسة العامة المقررة في 10 حزيران.
وحسب المصدر ايضا فان الخلاف كما هو معلوم يتمحور حول النقاط التي ذكرت انفا اي اعطاء الدرجات الست للمعلمين وانصاف العسكرين نسبة الى ترير اللجنة ااخيرة.
ويضيف ان ما جرى حتى الان لا يبعث كثيرا على التفاؤل وان كان لا يزال بعض الوقت الذي يمكن ان يشكل فرصة لتسوية الخلافات والوصول الى تفاهم يخرج السلسلة من عنق الزجاجة.
واذا كانت هيئة التنسيق قد وضعت الكرة في مرمى النواب وحملتهم مسؤولية ما قررته مؤخراً لجهة الاضراب العام والامتناع او مقاطعة الامتحانات الرسمية، فانه لا بدّ من وضع الاصبع على الجرح وعدم التعميم.. فما هي رواية السلسلة؟
تبدأ الرواية قبل مشروع حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي بسنوات وسنوات.. لا بل ان نشوءها يمتد من العام 1996 عندما امتنعت او تجاهلت الحكومات المتعاقبة معالجة ازمة رواتب القطاع العام رغم الارتفاع المطرد لمؤشر التضخم، مع العلم انه يجب النظر وزيادة الرواتب كل سنتين.
ومع مرور السنوات والتراكمات وصلت الازمة الازمة الى ذروتها في عهد حكومة ميقاتي التي اقرت مشروعها بعد نقاش طويل ومفاوضات مع الهيئات الاقتصادية وهيئة التنسيق النقابية وتوصلت الى رقم نظري بكلفة بلغت 1669 مليار ليرة، ممع العلم ان وزير المال انذاك محمد الصفدي اعلن عدم موافقته على المشروع. وقد وتبين لاحقا في اللجنة الفرعية النيابية ان هناك خطأ في حسابات مشروع الحكومة بلغ ما يقارب الاربعمئة مليار ليرة بحيث بلغت الكلفة عمليا 2010 مليار ليرة.
وفي فصل الايرادات بلغ رقم مشروع الحكومة حوالى 1339 مليار ليرة، وتبين ايضاً في اللجنة المالية بعد مراجعة لجنة المال في جلسات عديدة ان هذه الايرادات لا تزيد على الـ900 مليار ليرة.
وحينها وجدت اللجنة الفرعية انها امام مأزق حقيقي، وان مشروع الحكومة ليس سوى كرة نار القيت الى المجلس النيابي الذي ليس معنيا بالتفتيش عن الارقام والحسابات، بل هو واجب السلطة التنفيذية التي يفترض ان تدقق في حساباتها وان لا تقع في مثل هذه الاخطاء. وقد حرص الوزير الصفدي على اعفاء نفسه من مسؤولية المشروع المذكور.
اما عوامل كتلة النار التي وجهت اللجنة الفرعية وبالتالي المجلس فهي:
أـ اعتراض هيئة التنسيق النقابية – التي حضرت اجتماعات اللجنة – الكامل على مشروع الحكومة وارقامها.
ب ـ رفض العسكريين لارقام المشروع، وقد بعثوا يومذاك للجنة بتقرير مكتوب عن ذلك.
ج ـ رفض الاداريين ممثلين برئيس رابطتهم محمود حيدر للمشروع كاملاً.
د ـ رفض الهيئات الاقتصادية المشروع جملة وتفصيلا.
وفي ضوء هذا الواقع وجدت لجنة كنعان نفسها امام امتحان صعب، وكانت امام خيارين:
1ـ إما ردّ المشروع في ظل الحكومة التي استقالت وأدت استقالتها الى ازمة طويلة استمرت لأشهر.
2ـ او الشروع في اعادة مناقشة المشروع كاملا بالارقام والبنود، ووضع مشروع آخر عملياً.
واخذت اللجنة في تلك الفترة بالحساب بدء التحرك النقابي وتعاظم الازمة، فرجح الخيار الآخر الذي تبناه رئيسها .
وكما هو معلوم فقد استغرق النقاش جلسات وجلسات طويلة، فاعتمدت اللجنة مؤشر التضخم الذي تبين في حينه انه بلغ 121 % (اليوم 140 %)، وهو المعيار القانوني الواجب اعتماده، والذي يراعي الحقوق والعدالة. واقرت بوجوب اعطاء الزيادة على اساس هذه النسبة لكنها في الوقت نفسه اكدت ان هذه النسبة تعني ان كلفة السلسلة مع مطالب العسكريين تبلغ 3900 مليار، وهو رقم لا يمكن تغطيته في الواقع المالي والاقتصادي للبلد وللخزينة.
وبعد مناقشة النواقص في مشروع الحكومة، والدخول في تفاصيل الزيادات انتهت اللجنة الى رقم جديد للكلفة بلغ ما يقارب الـ2240 مليار ليرة.
غير ان هذا الرقم ارتفع بعد تعديلات ادخلت على المشروع وفق ارقام مسنودة للمعنيين في الادارات المالية لحساب هذه التعديلات، الى ما يزيد على الـ2700 مليار ليرة.
وفي الايرادات اقرت اللجنة جملة بنود لزيادة رقمها من 900 الى ما يقارب الـ1780 مليار ليرة ومنها:
ـ البناء المستدام (وفق استشارة التنظيم المدني ونقابتي المهندسين في بيروت والشمال). وتبين ان زيادة الاستثمار في هذا المجال تعطي حوالى 400 مليار ليرة.
ـ زيادة ضريبة الـ T.V.A من 10% الى 15% على الكماليات (تعطي 140 مليار ليرة).
ـ زيادة ضريبة الـ T.V.A. على بعض السلع واحداً في المئة (340 مليار ليرة).
ـ زيادة الرسوم على التبغ (تعطي حوالى مئتي مليار ليرة).
وفي حساباتها زادت اللجنة المذكورة الايرادات الى 1780 مليار باضافة ضريبة 5 % على شركات الاموال المشتركة عدا زيادة ضريبة الدخل على هذه الشركات من 15 % الى 17 %، وضريبة الدخل على الافراد (المهن الحرة) من 21 % الى 25 %.
لكن التدقيق في هذه الارقام خلال جلسات اللجان المشتركة وفقاً لتصحيح وزير المال الجديد علي حسن خليل اظهر ان هناك اخطاء وقعت فيها اللجنة الفرعية اعتماداً على مسؤولين ومعنيين في الادارات المختصة، فانخفضت ارقام البناء المستدام من 400 الى 225 مليار، عدا عدم التفاهم على ضريبة الـ TVA وغيرها. وجرى نقاش في واردات جديدة لا سيما الضريبة على المصارف التي طرحها وزير المال بتزكية من الرئيس بري الذي شرح لاحقا في الجلسة العامة ماهية واسباب اعتماد هذه الضريبة، والتي تبنتها اللجنة الفرعية اللاحقة (لجنة جورج عدوان) رغم معارضة بعض اعضائها سابقاً هذا الموضوع.
وكما هو معلوم فان اللجان المشتركة توصلت الى صيغة مقبولة ومتوازنة بين الايرادات والكلفة مع ابقاء ضريبة الـ TVA لمناقشتها وحسمها في الهيئة العامة وبدت الامور انها تسير باتجاه الحل، مع العلم ان تيار المستقبل كان مع زيادة ضريبة الـ TVA واحداً في المئة على كل المواد والسلع وسط معارضة الرئيس بري واغلبية المجلس. وظهر جليا ان اعتماد مثل هذا الخيار يعني تحميل هيئة التنسيق النقابية مسؤولية ما سيترتب عن ذلك، الامر الذي رفضته ايضا الهيئة بشدة مؤكدة اعتماد الخيارات التي لا تشكل اعباء على المواطنين ولا تحدث ضرراً ماليا واقتصاديا.
وبين اللجان المشتركة وجلسة الهيئة العامة كان يدور في الخفاء سيناريو اخر مطعم «بالنكهة السياسية»، ويقوده عمليا الرئيس السنيورة اشد المعارضين للسلسلة.
وقد امتد هذا السيناريو من مفاوضات الوزير جبران باسيل ومستشار الرئيس الحريري نادر الحريري حول رئاسة الجمهورية الى السلسلة، فتلقفه السنيورة بكل اقتدار وقاد الانقلاب على السلسلة في الهيئة العامة مستعينا بفريق 14 آذار وبرضى وتعاون من التيار الوطني الحر.
وبالفعل فقد انحرف النقاش، وفق هذا السيناريو المرسوم، من السلسلة الى التأجيل او عدم التأجيل. فرجحت كفة اطرافه، وصوت المجلس بالأغلبية على تشكيل لجنة فرعية جديدة وسط معارضة الرئيس بري وكتلته ونواب كتلة الوفاء والمقاومة و8 آذار.
وجاء هذا التصويت تحت شعار اعطاء فرصة 15 يوما لاعادة درس السلسلة في اللجنة الجديدة تحت عنوان «إقامة التوازن بين الايرادات والكلفة»، لكن تبين لاحقا ان ما حذفته اللجنة المذكورة من بنود وعناصر اساسية كان كنسف للسلسلة الامر الذي زاد من ردود فعل هيئة التنسيق النقابية ومن احراج المجلس النيابي.
ورغم اخذ اللجنة الفرعية الجديد (عدوان) وقتها كاملاً في درس الموضوع فانها جاءت الى الهيئة العامة بتقرير ومشروع مشوّه يزيد من صعوبة الحل، ويشكل فصلا من فصول القضاء على السلسلة او تفريغها من مضمونها.
وتبين خلال مناقشة الهيئة العامة هذه الاخطاء فصححت في بعض موادها، وبقيت المواد الأساسية معلقة في حساب المجلس وعلى حساب حقوق القطاع العام والعسكريين.
وبمعنى آخر فان ما حصل من نقاش قبل وخلال وبعد الجلسة الاخيرة اظهر ان ليس هناك ارادة سياسية عند طرف او بعض الاطراف في التعامل الجدي لاقرار السلسلة مع الحفاظ على الحقوق… لا بل ان ما قامت به اللجنة الفرعية الاخيرة في التعامل مع الزيارات لم يستند الى اي معيار محدد ولم يأخذ في عين الاعتبار المعيار القانوني (مؤشر التضخم) بحجة الموازنة مع الايرادات.
وفي الحقيقة كما يعلم القاصي والداني فان مايسترو عمل اللجنة المذكور الحقيقي هو الرئيس السنيورة رغم تسميتها «بلجنة عدوان».
… واليوم يدور التفاوض حتى الان في شبه حلقة مفرغة بينما تقرع هيئة التنسيق النقابية طبول التصعيد بعد أن وجدت نفسها امام حائط مسدود بفعل هذا المسلسل الطويل للسلسلة منذ ما قبل حكومة ميقاتي وما بعدها الى آخر فصل منها اي فصل اللجنة الفرعية الاخيرة وملامح فشل المفاوضات النيابية حتى الساعة.

السابق
’أيلول الأسود’ ورحيل جمال عبد الناصر
التالي
ظريف: الانتخابات السورية خطوة جادة لحل الازمة