مصر ولبنان وسوريا ثلاثة انتخابات في واحد

ثلاثة انتخابات رئاسية، تجمع بين لبنان ومصر وسوريا. العنوان واحد. المضمون مختلف. المستقبل متداخل. هذا الواقع ليس جديداً. الوقائع هي الجديدة والمتميزة. تاريخياً، العلاقة كانت دائماً متميّزة بين لبنان وسوريا ومصر. تعدّدت الأسباب، وتغيّرت الظروف، لكن عامل الجغرافيا والمصير المشترك، فرضاً دائماً معادلاتهما.

لبنان دخل في الفراغ الرئاسي. الأمل ألاّ يطول هذا الفراغ، حتى لا ينتج فجأة تغييراً لا يمكن ضبط مفاعيله وتردّداته. غياب «الصناعة» اللبنانية عن الانتخابات، يفرض كما كان الأمر دائماً، «رسم» الرئيس الذي سينتخب في العواصم الكبرى. الطارئ في هذه المعادلة، دخول «الناخب» الايراني بقوة الى غرفة الاقتراع السرية. كان للناخب السوري منذ أربعين عاماً الكلمة الأولى والحاسمة. في هذه الانتخابات السوري ما زال موجوداً، لكن عليه التفاهم والاستماع جيداً للإيراني الذي لم يبخل عليه بالمال والرجال والعتاد لإنقاذه.

«العراضة» السورية، للبصم على صورة الأسد، كانت رسالة قوية من «الأحزاب الأسدية» في لبنان، ان دمشق ما زالت حاضرة. في الظاهر هذا صحيح، لكن في الباطن، «حزب الله» الذي نظم وقاد «العراضة» وحماها أصبح «ناخباً» داخلياً. باختصار طهران هي الموجودة. توجد حالياً مصلحة اقليمية ودولية لتحييد لبنان عن «كرة» النار» السورية. لكن من الأفضل للبنانيين التعجيل بشطب الفراغ حتى لو كانت الكلفة رئيساً يدير الأزمة.

في ظل ما يجري في سوريا والمنطقة، من الخطر جداً الدخول في متاهة اجراء تعديلات جذرية على «الطائف»، ما لم تستقر موازين القوى الاقليمية والدولية، أي خطوة تعتبر مغامرة غير محسوبة، وتشكل خطراً على المصير. ما يزيد من الأخطار، أن عملية رسم خرائط جديدة للمنطقة على الطاولة. دائماً الضعيف يذهب ضحية معادلات الأقوياء وتفاهمهم على تقاسم المصالح فيما بينهم.

سورياً، «عراضة» بيروت مثال على «العراضة» الكبرى التي اسمها «انتخابات« في سوريا. يوجد حالياً عشرة ملايين نازح ومهجر سوري ومئات الآلاف من القتلى والجرحى المعوقين، ومدن وقرى بكاملها مدمرة، ومع ذلك سيتم «التجديد« لبشار الأسد. هو يريد أن يرفع في وجه العالم «شرعيته«. طهران وموسكو تريدان رفع سقف مطالبهما عندما تدق ساعة المفاوضات الحقيقية حول سوريا والمنطقة وأوكرانيا وغيرهما.

المأساة، أن الحل النهائي لسوريا ما زال بعيداً. سوريا الملعب، تحوّلت أيضاً بفعل الموقف الأوبامي الى «مطحنة» للقوى التكفيرية والمتطرفة ولإنهاك خصوم واشنطن سواء كانت طهران أو موسكو أو «حزب الله». يستطيع أن يسعد الأسد ببقائه رئيساً فوق أطلال سوريا حتى اشعار آخر.

أما مصر، فإن حصول المشير السيسي على الأغلبية المطلقة، ليس تفويضاً على بياض. امتناع أكثر من 60 بالمئة من الناخبين المصريين رغم تمديد الاقتراع ثلاثة أيام يشكل ضوءاً أصفر للرئيس السيسي: سياسته ستبلور الموقف الشعبي منه، وستقرر ما اذا كان الضوء القادم سيكون أخضر أم أحمر. المصريون الذين اقترعوا للسيسي، اقترعوا للأمن والاستقرار ورغيف الخبز بكرامة. الشباب الذين امتنعوا على الاقتراع وجهوا «رسالة» واضحة، بأنهم هم «حراس» الديموقراطية. مهمة السيسي ضخمة وصعبة ودقيقة. أيضاً حان الوقت للاخوان المسلمين أن يقرروا ماذا يريدون، العمل السياسي واستثمار دروس ما حدث أم الغرق في مستنقع الارهاب.

كل هذا لا يحول دون أن يتمنى العرب النجاح لمصر لكي تعود المركز الذي يرسم المسارات ويصنع الأحداث. السيسي قال كثيراً انه يريد وحدة سوريا. وهذا يبشر بالخير. المهم بعد أن يتسلّم الرئاسة أن يقول ماذا عن وحدة سوريا: كيف ومع من؟. وكيف سيبنى مستقبل التحالف مع السعودية للتحول معاً الى سفينة الانقاذ للعرب.

نجاح الرئيس السيسي، ونجاح القوى المعتدلة في «العسكرة» السورية، والاسراع بكسر الفراغ الرئاسي في لبنان «ثلاثة في واحد» و»واحد في ثلاثة».

السابق
هل تبقى الصيغة بعد الفراغ كما قبله؟ سؤال كان هاجساً… ولا يزال!
التالي
رجل لبناني محترم!