هل يمتدّ الفراغ طيلة الصيف؟

مرّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني لغاية وقوع الفراغ في 25 الجاري بثلاث مراحل أساسية: المرحلة الأولى التي سبقت تاريخ الجلسة النيابية الأولى في 23 نيسان الفائت، هي تلك التي أقدم فيها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على خطوة الترشح للرئاسة الأولى. ويقول سياسيّ ماروني يعمل في كواليس الطائفة إنّ «خطوة جعجع أعادت الاعتبار لجميع المقاتلين المسيحيين الذين شاركوا في الحرب ودفعوا ثمنها غالياً، وقد شعروا في لحظة من اللحظات بأنّهم منبوذون». وقد فرض جعجع نفسه، في ترشيحه، «ناخباً رئيسياً في قوى 14 آذار له حق الفيتو على أيّة شخصية مارونية مرشحة لا يرضى عنها من هذا الفريق، وقد تكرّس هذا الإنجاز في اللقاء الأخير الذي جمع جعجع بالرئيس سعد الحريري مؤخراً في باريس»، بحسب هذا السياسي.
طوت جلسة 23 نيسان حظوظ جعجع لتبدأ مرحلة العماد ميشال عون، فكانت معادلة «ميشال عون أو الفراغ». في تلك المرحلة كانت صولات وجولات من المفاوضات التي بدأها عون شخصياً مع سعد الحريري. فبعد أن قصد عون إيطاليا أرسل له الحريري طائرته الخاصّة التي أقلته الى باريس حيث اجتمع بالحريري مطوّلا. في تلك الليلة اقترح عون على الحريري أن يكرّرا تجربة الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح، فأجابه الحريري: «إن مرشحنا في قوى 14 آذار هو سمير جعجع، لكننا ننظر الى ترشحك بإيجابية».
بعد هذا الاجتماع «السري»، تكررت اللقاءات بين مدير مكتب الرئيس الحريري الشيخ نادر الحريري والوزير جبران باسيل، وبين التفاوض على الرئاسة مرّت بضع «ترتيبات نفطية» تهمّ الطرفين.
في تلك المرحلة كان الحريري يبدي استعداداً لإقناع السعودية بالقبول بترشح عون، لكنّ الجواب السعودي كان حاسماً منذ البداية على عكس الليونة التي تمّ تظهيرها إعلامياً من قبل البعض، لسان حال الرياض كان دوما الآتي: «لا ثقة بميشال عون، فهو ذهب بعيداً في حلفه مع حزب الله ولا مجال لترميم العلاقة معه، خصوصاً أنهّ لم يتمكّن من أن يجترح لنفسه موقعاً وسطياً كما الجميع على غرار الرئيس ميشال سليمان».
لم يتظهر هذا الجو الى العلن، وما دعم نظرية «عون مقبول سعودياً» هو ما تردّد عن إمكانية توجيه دعوة للجنرال لزيارة السعودية، لكن سرعان ما طوي الحديث عن هذا الموضوع كلياً بعد أن تأكدت السعودية بأن لا إمكانية للتمديد للعماد ميشال سليمان بسبب رفض «حزب الله» القاطع لذلك.
أما الجنرال عون، مدعوماً من «حزب الله» ومن الولايات المتحدة الأميركية التي قبلت باسمه، فلم يتمكّن من فرض ترشحه على قوى «14 آذار» فعلياً بسبب ارتباط هذه القوى بكلمة سرّ لن تأتي قريباً على ما يبدو.
في هذا الوقت جاء من يقول للجنرال بأنه «إذا لم يكن ملكاً فسيكون صانعاً للملوك». لم يتقبل عون هذه الفكرة، وذهب به الأمر إلى حدّ التذكير بما أسماه «التخلّي» عنه عام 2008.
إزاء هذا الموقف العوني المتصلّب، وبفعل وقوف «حزب الله» وراء عون وعدم تسهيله لانعقاد النصاب بسبب الخوف من «تهريب» إسم الرئيس فجأة، وهو ما كاد يحصل في الجلسة النيابية الأخيرة عبر الاتفاق الضمني على انتخاب هنري حلو، فإنّ باب التكهنات بات مفتوحاً على مصراعيه.
يتخوّف بعض من يعرفون الجنرال عون وطباعه من أن «يقلب الطاولة» كلياً كما فعل عام 1989، خصوصاً إذا قرر الانسحاب من مجلس الوزراء.
ويقول ديبلوماسي غربي إنّ «السيناريو المحتمل بعد 25 أيار هو فراغ يمتدّ طيلة الصيف، وقد ينتهي قبل الانتخابات النيابية المقبلة ببضع توترات أمنية ترغم الجيش على التدخّل وفرض الأمن، وهذا بحدّ ذاته سيزيد من أسهم قائد الجيش العماد جان قهوجي».
بنظر هذا الديبلوماسي فإنّ «الولايات المتحدة الأميركية التي قبلت بتسمية عون للرئاسة ليست متشبثة به ولا بأية شخصية أخرى، جلّ ما يهمّها هو إجراء الاستحقاق الرئاسي وتولي الرئيس الجديد لمهامه بما يحفظ الاستقرار اللبناني وسط الزوبعة السورية». ويضيف: «أما السعودية فستتشبث بموقفها الرافض لتسمية أية شخصية للرئاسة اللبنانية الأولى واضعة الكرة عند المسيحيين».

السابق
معارضو النظام في لبنان يستعدون للرد
التالي
المؤتمر التأسيسي: اللحظة التاريخية المفقودة والمشروع المتعثّر