الجامعة أم الجامعيون؟

محمد علي مقلد

يحق للجامعيين أيضاً ، وهم المسكونون، مثل سواهم من الموظفين في التعليم وفي الإدارة وفي الجيش والقوى الأمنية ، بالقلق على مستقبلهم الوظيفي ، أن يرفعوا الصوت ولائحة المطالب . ويحق لنا أن نسألهم ضد من يرفعون الصوت وأمام من يرفعون المطالب؟ ويحق لنا أن نسألهم ماذا لو تم تعيين العمداء والمدراء وتم إدخال المتفرغين إلى الملاك ،الخ ألخ ، ثم تفاجأوا في أول العام الدراسي بانهيار الدولة والمالية العامة واحتلال الأبنية الجامعية وتحويلها على أيدي الميليشيات المسلحة إلى ثكنات عسكرية، وتجنيد طلاب الجامعات وأساتذتها وقوداً في الحرب الأهلية؟

لا تقولوا إنه خيار المحبطين والمحبطين ( بالفتح والكسر). بل هو الخيار الوحيد الذي تدفع البلاد كلها إليه ، ولن تكون الجامعة ضحيته الوحيدة في ظل سياسة التدمير الممنهج الذي تمعن الطبقة السياسية في اقترافه من غير أن يرف لها جفن ، والذي يستهدف أجهزة الدولة ومؤسساتها وقوانينها ودستورها كخطوة ضرورية على طريق تدمير الوطن وإلغاء الكيان.

الطبقة السياسية ،كان نظام الوصاية مثالها الأعلى، وأوحى إليها كيف تبتكر صيغة لبنانية لتعليق الدستور، أي لتطبيق الأحكام العرفية من غير إعلانها ، فكانت الترويكا التي خلطت حابل السلطة التشريعية بنابل التنفيذية ، ثم هجوم صاعق على السلطة القضائية بغية تدميرها، ثم إلغاء أجهزة الرقابة أو تعطيل عملها ( مجلس الخدمة المدنية ، التفتيش المركزي ومجلس التأديب العام ، ومصلحة المناقصات في وزارة المالية ، الخ . الخ .) ، ثم تخريب الجامعة والإطاحة بكل تاريخها الناصع ،  وصولا إلى تعطيل المؤسسة التشريعية ، وإلغاء مؤسسة رئاسة الجمهورية ، وتحكم حفنة من مخلفات العقل الميليشوي بمقدرات الدولة .

بين إضراب المساجين في رومية طالبين الخروج من السجن و تقصير محكومية المحكومين خلافاً لكل القوانين أو تطويعا لها ، وإضراب المياومين الدوري في شركة الكهرباء لتثبيتهم ، وإضراب الراسبين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية لتوظيفهم أو لتجديد عقودهم ، والتهديد بخطف العام الدراسي والعام الجامعي من قبل رابطة المتفرغين في الجامعة وهيئة التنسيق النقابية ، وجه شبه كبير لا يحتمل الاعتذار، بسببه ، ممن نقدرهم ونتضامن مع قضاياهم المحقة في العيش الكريم ، ولا يحتمل التستر عليه ، لإنه هو الخطر الداهم ذاته الناجم عن انتهاك القانون وتهديد بنية الدولة ومصير الوطن .

الإشارة إلى الخطر على الوطن والدولة ليست لإخفاء الخطر على المطالب المحقة نفسها خصوصا وأن “الخصم والحكم” في هذه القضية يستخدم الجامعة والجامعيين والتعليم والمعلمين والإدارة والموظفين أدوات لتخريب الدولة ، وما أكثر الأدلة على الطرق المستخدمة لزعزعة الأسس التي قامت عليها ويمكن أن تقوم عليها دولة القانون والمؤسسات .

“الخصم والحكم ” ألغى مجلس الخدمة المدنية أو تحايل على قوانينه وأفرغ الإدارة العامة من الكفاءات وملأ الشواغر بالإنابة أو بالوكالة ممن لا تتوافر فيهم شروط التوظيف الواردة في قانون الموظفين ، ثم راح يوظف بالتعاقد بانتظار تحرك المتعاقدين لتثبيتهم . وهو نفسه رفض إلغاء الجمرك ( تطبيقا لفلسفة مالية معينة متبعة في كثير من البلدان) وأصر على إبقائه مصدرا لتمويل قوى الأمر الواقع ، إلى جانب إيرادات النفط والمشتقات النفطية التي حول مجراها من خزينة الدولة إلى سواها. وهو نفسه الذي ألغى النقابات والعمل النقابي في الاتحاد العمالي العام ، وطوع ما تبقى في الجامعة والتعليم ، فصارت رابطات التعليم الجامعي والثانوي والأبتدائي نسخة طبق الأصل عن التشكيلات الحكومية والنيابية والمحاصصات ، ما حال دون ممارسة دورها المستقل ، بالرغم من وجود نقابيين أكفاء في صفوفها . وهو نفسه الذي دمر القيم الجامعية ، العلمية والأكاديمية ، وجعل التوظيف فيها سبيلا للاستزلام ، ولم تعد الكفاءة ( وهي شرط أساسي لا من شروط العمل الجامعي فحسب ، بل من شروط قيام الدولة الحديثة ) ، بل صارت الانتهازية معيارا لتعيين الأساتذة والعمداء والمدراء ورئيس الجامعة . ونتيجة لكل ذلك ، هو نفسه الذي يضعكم أمام خيار الجامعة أم الجامعيين .

لم يعد ممكنا إنقاذ حقوق الجامعيين من دون إنقاذ الجامعة، ولا حقوق المعلمين من غير إنقاذ التعليم الرسمي ، ولا الإداريين من غيرالإدارة، ولا الجميع من غير إنقاذ الدولة والوطن . ما تبقى من العمل النقابي والنقابيين ، إضافة إلى الحريصين على حماية الوطن من الانهيار ، هو خط الدفاع الأخير عما تبقى من الدولة . فهل يزهر ربيعنا النقابي ليثمر ربيع الوطن ؟

لن يكون ربيع من دون لقاء الحريصين على بقاء الوطن ومؤسساته الجامعية والتربوية والعلمية والإدارية ، من دون تجميع جهودهم في جبهة عريضة لتشكيل كتلة ضغط فاعلة للانقاذ . الظروف الموضوعية ناضجة لقيام هذه الجبهة ، وهي بانتظاركم .

السابق
زهرا: ما حصل في السفارة السورية إهانة للنظام ولحزب الله
التالي
مريم المتهمة بالردّة والزنا تنتظر الاعدام بعد إنجاب طفلها