هل تبرّر انتكاسة «الإخوان» مظلوميتهم؟

مع انطلاق ما سمّي بثورات الربيع العربي، لم يكن غريباً ولا مفاجئاً بروز الحركات الإسلامية كقوى صاعدة في هذا المشهد الانتقالي، إلا أن ما استحدثه هذا الحضور القوي من إشكاليات، افترض مزيداً من تأمل آثار الانتقال على الحركية الإسلامية، وقدرتها على الاستجابة لمقتضيات المرحلة التي تمر بها المنطقة.
لقد كانت تباشير هذه «الصحوة الإسلامية»، التي بدأت منذ أوائل الثمانينيات، تعبّر عن نفسها بمشاركة سياسية واسعة. وصعدت الحركات الإسلامية بعد الثورات العربية، صعوداً غير مسبوق. حركة «الاخوان» في جمهورية مصر العربية وحزب «النهضة» في الجمهورية التونسية وحزب «العدالة والتنمية» في المملكة المغربية. وليس هناك ما يبعث على المفاجأة في جاذبية الأحزاب الدينية، مع تراجع الخطاب القومي العربي، خصوصاً في وقت يسود فيه كثير من اللبس السياسي. والقول بسرقة الثورة والتسلق عليها وركوبها يفتقد إلى الدقة. فهم، أي الإسلاميون، جزء من مجتمعهم وبالتالي هم شركاء في تلك الثورات. وقد لجأ الناس الى الإسلام السياسي كتعبير عن احتجاجهم على وضعهم الاجتماعي. وكان طبيعياً بالتالي، أن يلفظوه حين يغدو في الموقع السلطوي المضاد.
فمع اندلاع الحراك العربي، وجد الإسلاميون، وتحديداً في مصر، أنفسهم فجأة أمام فرصة للحكم والسلطة دونما استعداد أو تأهل لها. وبسبب حرصهم المفرط على الوصول إلى الحكم، قبلوا بتولي السلطة، وشغلوا بالتمكين لأنفسهم والانتقام من خصومهم ومنافسيهم، ولم يبادروا الى حل ّ القضايا المحركة والمنشئة للربيع. كما بقي أدبهم النظري يدور حول «النموذج المثالي» للدولة، الموروث عن المنظومة التراثية المرجعية دون تطوير عملي يلائم المفاهيم السياسية المتغيرة في عالمنا المعاصر شديد التعقيد.
إن النماذج الإسلامية في الحكم ليست واحدة. فهي مثلا بالنسبة لحزب «العدالة والتنمية» في تركيا دولة مسلمين وليست دولة إسلامية. فقد تراجعت لديه فكرة الدولة الاسلامية الخالصة. ونذكر هنا نصيحة اردوغان الشهيرة لإخوان مصر أن «اقبلوا العلمانية ولا تكونوا علمانيين». بالتأكيد، لم يحقق أردوغان وحزبه هذه الانتصارات لمجرد العاطفة الاسلامية عند الناخب التركي، بل لتحقيقه نجاحا اقتصاديا باهرا أكسبه تأييدا واسعاً. وقد احتاجت تركيا الى سنين من الجدل والصراع حتى طوّرت صيغة جديدة معقولة للعمل السياسي تلائم التدين السائد في تركيا وعلاقته مع العلمانية.
في إيران، تختلف التجربة عن غيرها. نجح الاسلام السياسي، اذا صح التعبير، في إقامة ما يمكن تسميته دولة إسلامية في إطار خاص هو إطار «ولاية الفقيه». على الأقل، استطاع هذا النموذج الصمود في وجه الهجوم المتعدّد الأوجه والمصادر. أسباب نجاح الجمهورية الاسلامية في إيران عديدة. أهمها موضوع مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني، وفي مواجهة ضرورية لإضفاء المشروعية على أي نظام إسلامي، مع وجود قضية مركزية للعالمين العربي والاسلامي، عنيت بها القضية الفلسطينية.
بالمقابل، فشل «الإخوان المسلمون» في مصر في انتزاع هذه المشروعية لحكمهم، بعد عقود من منعهم من العمل السياسي. من الواضح انهم لم يستوعبوا مسألة الحكم أصالة أو شراكة ولم يستعدوا لها. فالصيغة الإخوانية المصرية بيّنت في ممارستها للسلطة عدم انسجام مع الخطاب الذي قدّمته حول التأصيل لمسألة الشورى والديموقراطية والمواطنة والتعددية وغيرها. ولم تبيّن قابليتها أو قدرتها على التحول إلى أحزاب ديموقراطية إسلامية تتعايش مع العلمانية، على غرار التجربة التركية، أو حتى التونسية، ولا إلى سلطة عقائدية قوية في مواجهة الغرب والصهيونية، على مثال الثورة الإيرانية التي نشبت بالأساس ضد السيطرة الأميركية على إيران وضد التبعية للغرب. بينما بدا المشروع الإخواني في الحكم مضطرب الخطى تجاه إسرائيل، وكان استيلاؤه على الحكم أو مشاركته فيه مرهونين بالسياق الأميركي. ما منع «الإخوان» من أية نزعات تحررية أو حتى مواجهة جدية مع العدو الإسرائيلي. وبسبب عجزهم الداخلي وافتقارهم الى رؤية وطنية اجتماعية مضادة، لم يعد أمامهم سوى التحشيد الطائفي والمذهبي.
لا بدّ من التشديد على ان فشل «الإخوان» في مصر لا يعني بأي حال فشل الإسلام السياسي برمّته، علماً أنه نجح في أماكن أخرى وبصور مختلفة في المشاركة في المشهد السياسي والحصول على قبول شعبي معقول، خصوصاً مع تطور لغة المشروع الإسلامي الحركي وتقدم خطابه نحو تبني شعارت ومقولات الحوار والتعددية والتسامح والانفتاح والدولة المدنية وحقوق الانسان والديموقراطية.
من المهم لكل الحركات السياسية الأخرى التعامل مع التيار الاسلامي كواقع اجتماعي سياسي شرعي له حق الوجود والعمل وحق الوصول الى السلطة بناء على حق الشعوب في تقرير مصيرها. والعملية الإقصائية التي يتعرّض لها «الإخوان» في مصر خصوصاً، ستعيد إنتاج «المظلومية السياسية» التي استفادوا منها للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. إن عرقلة المصالحات الوطنية التي تفتح باب المشاركة الحقيقية والمتساوية للجميع، لن تساعد على توليد تيارات مدنية وأكثر ديموقراطية داخل حركات الإسلام السياسي، بقدر ما ستؤول إلى العكس من ذلك.

السابق
تزوجت ضد إرادتهم.. فرُجِمت حتى الموت وهي حامل!
التالي
الجيش الاسرائيلي دهم مقر صحيفة فلسطينية في رام الله