نقاش أميركي حول تسليح مصر

أظهرت وثائق حديثة أن الحكومة الأميركية تستمرّ بتسليح النظام العسكري غير المنتخب في مصر، بالرغم من تأكيد وزارة الخارجية الأميركية وقف شحنات الأسلحة «بانتظار تطوّر حقيقي نحو حكم شامل، وديموقراطي منتخب».
وبالرغم من أن إعلان تجميد المساعدات العسكرية، الصادر في تشرين الثاني الماضي، فقد واصلت الولايات المتحدة إرسال أسلحة بقيمة ملايين الدولارات من قطع للدبابات والمروحيات والطائرات المقاتلة والصواريخ الموجّهة إلى القوات المسلّحة المصرية.
وفي تشرين الأول الماضي، أرسلت الإدارة الأميركية صواريخ موجّهة بقيمة نحو 44 مليون دولار من بينها قطع أساسية خاصة بعربات القتال المدرّعة، كالمدافع والرشاشات الخاصة بدبابة «أم1 أبرامز» (دبابة قتال رئيسية أميركية من الجيل الثالث) بقيمة 24,9 مليون دولار، بالإضافة إلى قطع خاصة بالطائرات المقاتلة من نوع «أباتشي» و «أف 16» بقيمة 5 مليون دولار، فيما أعلن بيان الخارجية الأميركية صراحة وقف المساعدات المتعلّقة بالدبابة «أم1 أبرامز» وطائرتي «أباتشي» و «أف 16».
أما في تشرين الثاني، فقد سلّمت الولايات المتحدة سفينة حربية من نوع «أمبسادور 4» (وتنوي إرسال 3 سفن أخرى)، مصممة لإطلاق صواريخ من نوع «بوينغ هاربون» (المضادة للسفن)، وهي أسلحة سعت الخارجية الأميركية إلى وقف شحناتها إلى مصر. كما أن الولايات المتحدة استأنفت شحنة طائرات «أباتشي» في نيسان الماضي، وهو تراجع في القرار الذي اتخذته الخارجية لوقف هذه الشحنات.
وقد واصلت وزارة الدفاع إبرامها العقود، خلال فترة تجميد المساعدات الأميركية لمصر، حيث تلقت القوات المسلّحة المصرية صواريخ أرض – جو من نوع «هوك» بقيمة 7 ملايين دولار من إنتاج شركة «ايروجيت روكيتداين»، وطائرات مقاتلة من انتاج «لوكهيد مارتن» بقيمة 6,9 مليون دولار، فضلا عن صواريخ من نوع «بوينغ هاربون» بقيمة 400 ألف دولار.
وتأتي هذه المساعدات في الوقت الذي يُحاط فيه النظام المصري بتساؤلات، بعد تعرّضه لانتقادات حادّة من قبل منظمات حقوقية والبيت الأبيض على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان. وقد انتُقد النظام المصري على خلفية إسقاط حكومة الرئيس المنتخب محمد مرسي بالإضافة إلى إعلان جماعة «الإخوان المسلمين» تنظيماً إرهابياً، بالرغم من أن «الإخوان» حصلوا على نسبة 51 في المئة من الأصوات لدى انتخاب مرسي رئيساً، فضلاً عن سجن صحافيين يعملون ضمن الأطر القانونية بتهم زائفة، وإصدار أحكام الإعدام الجماعية من دون مراعاة الأصول القانونية.
وقد عبّر أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين عن قلقهم إزاء انتهاكات الجيش المصري لحقوق الإنسان. وقال عضو مجلس الشيوخ الأميركي السناتور جون ماكين: «في حال أرادت مصر أن تصبح جزءاً من المجتمع الدولي وتتعاون معنا وتحظى بمساعدتنا، لا يمكنها القيام بممارسات كالسجن التعسفي للصحافيين». أما السيناتور الديموقراطي باتريك ليهي، فأشار إلى أنه «في حال استمر الجيش المصري في نهجه القمعي فسيتم قطع المساعدات».
وقد دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى «إعادة السلطة الكاملة لحكومة مدنية منتخبة ديموقراطياً في أقرب وقت ممكن»، بالرغم من أن البيت الأبيض ظل صامتاً إزاء إعلان المشير عبد الفتاح السيسي ترشّحه لانتخابات رئاسة الجمهورية المصرية، الذي أشرف على إسقاط حكم «الإخوان المسلمين» في «30 يونيو».
وفي مقابل صمت البيت الأبيض، ندّد المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق بترشيح السيسي، معتبراً أن «الانتخابات ستكون مهزلة».
واعتقلت الحكومة المصرية الموقتة أكثر من ألف شخص لانتهاكهم قانون حظر التظاهرات. كما أطلقت حملة ضد الإعلام، حيث يستمرّ اعتقال صحافيين من قناة «الجزيرة» الانجليزية منذ 29 كانون الأول الماضي. ويحاكم صحافيو «الجزيرة» بتهمة الانتماء إلى «منظمة إرهابية وتهديد الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي». وقد اعتبر رئيس «منظمة العفو الدولية» سهيل شيتي أن سجن صحافيي «الجزيرة» هو «جزء من محاولة شاملة لقمع حرية التعبير».
من جهته، انتقد المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرار المحكمة المصرية القاضي بإعدام 528 شخصاً في آذار الماضي، واصفاً إياه بأنه «خرق للقانون الدولي» (وقد استأنفت المحكمة قرارها وخففت الحكم بحق 491 من المسجونين من الإعدام إلى السجن المؤبّد). وقد حكمت محكمة مصرية، الشهر الماضي، بإعدام 683 شخصاً من أنصار «الإخوان المسلمين» من بينهم المرشد العام للجماعة محمد بديع. أما المديرة التنفيذية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» سارة ليا ويتسن، فقد وصفت الأحكام القضائية المصرية بأنها «قد تكون أكبر أحكام الإعدام في التاريخ».
من جهته، أشار الباحث في «منظمة العفو الدولية» محمد المسيري إلى أنه «في كل محاكمة، لم يكن فريق الدفاع قادراً على عرض قضيته، كما لم يتم الاستماع إلى الشهود، فيما لم يحضر العديد من المتهمين إلى قاعة المحكمة».
وقد عبّر البيت الأبيض عن «قلق عميق» تجاه النظام الحاكم في مصر، مشيراً إلى أنه «يتحدى حتى أبسط معايير العدالة الدولية»، داعياً الحكومة المصرية إلى «القيام بالإجراءات القانونية المناسبة وضمان حق السجين بمحاكمة عادلة تُقدّم خلالها أدلة واضحة، ويمكن عبرها الوصول إلى محام».
وقد قال عضو اللجنة الفرعية المسؤولة عن المساعدات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السناتور الجمهوري ليندسي غراهام: «لن أذهب للاستثمار في بلد يعيش حالة من الفوضى».
من جهتها، رأت مديرة معهد أبحاث الشرق الأوسط في جامعة «جورج واشنطن» شانا مارشال، أنه «إذا رغبت إدارة أوباما بمعاقبة مسؤولين في الحكومة المصرية، فستفرض حظراً شاملاً على صادرات الأسلحة إلى القاهرة».
وبالرغم من حجم المعارضة لنظام الحكم الجديد في مصر، فقد رفض وزير الخارجية الأميركي جون كيري اعتبار استيلاء الجيش المصري على السلطة انقلاباً، واصفاً الإجراءات المتخذة بأنها «استعادة للديموقراطية». وفي كانون الثاني الماضي، ناقش الكونغرس قانوناً يستثني مصر من التشريعات المتعلّقة بتجميد المساعدات الأميركية بعد الانقلاب.
إضافة إلى ذلك، وبالرغم من المخاوف التي أعلنت عنها الخارجية الأميركية على «مناخ حرية التعبير وحرية التجمع وتأسيس الجمعيات في مصر»، فقد أرسلت إدارة باراك أوباما، في نيسان الماضي، مساعدات عسكرية لمصر بقيمة 650 مليون دولار بهدف «مكافحة الإرهاب وضمان أمن الحدود»، فيما يمكن لواشنطن زيادة المساعدات العسكرية للقاهرة بقيمة 577 مليون دولار، في حال أكد جون كيري للكونغرس التزام مصر بتنفيذ «خريطة الطريق» نحو الديموقراطية.

السابق
أميمة الخليل الجمعة في «الاونيسكو»
التالي
فتفت: من صوت للأسد من السوريين عليه العودة الى سوريا