عن لامنطقية مشهد الانتخابات السورية في لبنان

انتخابات السورية لبنان
لا يمكن التسليم أيضاً أنّ هذا المشهد حقيقي وأنّه سيسود إلى الأبد. لا يمكن أن نصدّق أنّ المصري الّذي يطمح بحياةٍ أفضل يعوّل على السيسي ولا أن نصدّق أنّ السوريين يختارون الأسد. لا يمكننا أيضاً أن نصدّق الأخ "ميشال كيلو" حين يرمي بإخفاقات ما يسمّى المعارضة السورية على "حزب الله" فقط ويستثني نفسه وأمثاله من المعادلة. ربما المشهد السوري الّذي نراه اليوم لا يجب أن يثير تعجّبنا، ربما هو الأقرب إلى لامنطقية الواقع. ربما الحق فقط هذه الأيّام هو ما قد يثير التعجب.

أن تستيقظ يوماً ما لتجد “طوابير” المنتخبين يهرولون إلى التصويت لصالح الرجل الّذي دمّر بلادهم وأن تنظر إلى المصريين يعيدون انتخاب مرشّحين مبهمين لم يقدّما لهم برنامجاً واضحاً وسط جهل شعبي مروّع، فهذا ليس أمراً مطمئناً على الإطلاق. ولكن لا يمكن التسليم أيضاً أنّ هذا المشهد حقيقي وأنّه سيسود إلى الأبد. لا يمكن أن نصدّق أنّ المصري الّذي يطمح بحياةٍ أفضل يعوّل على هذه الخيارات ولا أن نصدّق أنّ السوريين يختارون الأسد. لا يمكننا أيضاً أن نصدّق الأخ “ميشال كيلو” حين يرمي بإخفاقات ما يسمّى المعارضة السورية على “حزب الله” فقط ويستثني نفسه وأمثاله من المعادلة.

انتخابات السورية لبنان

المشهد السوري ليس مؤلّفا من طرفين كما تعمّم وسائل الإعلام، ليس “داعش” مقابل “الأسد” ولا “الأسد” مقابل المعارضة. هناك فئة ثالثة وإن صرت أؤمن أنّها أقلية في البلدان العربية، سواءً في مصر أو سوريا أو لبنان أو العراق، تحلم بمصير آخر لأوطانها. ربما ليس لهذه الفئة منبر بعد وربما قد تظهر مع الوقت وربما هي مكبّلة بالخسائر وربما هي لا تغري أحداً ولكن لا بدّ أنّها موجودة وسط كل هذا الزحام.

مشهد الانتخابات السورية مجتزأ من مسلسل دموي طويل وعقود من الذل آخر صورها منازل تقع على رؤوس قاطنيها وشعب مرمي على أطراف البلدان المضيفة، مثقل بالخسارات والخيبة، بينما العالم يغضّ النظر عن المأساة. شرعية كرسي في عالم فاقد الشرعية لن يكون أمراً مستغرباً.

ما يثير الألم في داخلي أن أتخيّل وجوه أفرادٍ مهزومين لا يستطيعون شيئاً حيال عجزهم غير أن ينبشوا التراب ويرمونه في صدورهم ليخمدوا النار. الحياة، في المقلب الآخر، تصمّ أذنيها لعويلهم، توصد أبوابها أمامهم وتفتحها لمن يريد أن يستثمر أصواتهم. يا إلهي كم هي موجعة الأصوات المبحوحة الّتي تحدث خدوشاً في حناجرهم ولا تصدح. إنّهم هكذا، يتفرّجون على المهزلة وفائض القوة، بينما الدّم يسيل من رقابهم ولا يعرفون إن كانوا أحياء أم أموات.

عبارات “يحيا الأسد” تثير في نفوسهم الاشمئزاز وصورة رجل دين بقرب “السيسي” لتشجّع على انتخابه تخبرهم كم هؤلاء “القوّاد” يستخفّون بعقولنا. الأعذار القائلة “لقد حمى بلده من الإرهاب” تدفعهم إلى الضحك عالياً. لم يختبر أحد مأساتهم وموت أولادهم ولم يخترق أحد سجون التعذيب المظلمة الّتي قضى فيها أحبّاؤهم.

يمكننا نحن أن نعلّق على المشهد ونبدي الاستغراب ونسأل: “لماذا لا يرحلون إلى بلادهم” وننسى أنّنا نحن أيضاً رعاع نصّبنا أمراء الحرب ملوكاً علينا. ننسى أنّ مسؤولين لبنانيين لا يزالون لا يحلفون بغير “حياة الأسد”. ننسى أنّ هذا النظام استعبد وطننا أيضاً.

ننسى أنّنا جميعاً نكاد نكون رهينة نظام عالمي يحكم علينا بالتخلّف ويحاربنا من كلّ الجهات. ننسى أنّنا محاصرون من كلّ الجهات وأنّنا لا نتكلّم سوى بالحسابات الإقليمية ولا نثير همومنا وقضايانا خارج إطار هذه التحليلات. لا أعرف إن كنّا فعلاً نستحق نهايات كذلك. ولكن ما أعرفه هو أنّ هذا العالم “مقلوب” وآخر إبداعاته صورة “البابا” الكاثوليكي يقبل يد “آخر الناجين” من “الهولوكوست” اليهودي. وأنّنا مثلاً اعتدنا مع الأيام وجود “اسرائيل” بيننا واعتدنا الموت المجاني بينما قيادات عربية منشغلة بفتاوى عن “النكاح” وتعدد الأزواج. ربما المشهد السوري الّذي نراه اليوم لا يجب أن يثير تعجّبنا، ربما هو الأقرب إلى لامنطقية الواقع. ربما الحق فقط هذه الأيّام هو ما قد يثير التعجب.

السابق
مقلّد: هئية التنسيق النقابية تتحالف مع اللصوص
التالي
المافيا أقوى من الدولة: لا بنزين 92 أوكتان لسائقي الأجرة