حقق عبدالفتاح سعيد السيسي حلمه، ولكن!

عبدالفتاح السيسي

“بكرا حيكون حلو أوي”، وعد المشير عبدالفتاح السيسي مواطنيه وهو يدلي بصوته في الانتخابات المثيرة للجدل التي تتوجه، بنسبة تسعينية وإن بمشاركة هزيلة، رئيساً لبلاد منقسمة وتائهة ومنهكة. وحلقات الرقص والمظاهر الاحتفالية في مراكز الاقتراع لم تحجب صفعة عزوف كثيرين عن الاقتراع إلى حد تجنيد إعلاميين أنفسهم لحض “الشعب” على الاقتراع لـ”مصر”، وبها يقصدون الرجل لا البلاد.
في الداخل كما في الخارج، يبقى السيسي لغزاً، إذ حرص على تغليف كل ما يتجاوز مسيرته العسكرية بالكتمان. وكما هي العادة، يصعب بناء سيرة لأي حاكم عربي لا تتضمن هالات البطولة والقداسة وتعداد الإنجازات الأكاديمية والسياسية والعسكرية والاقتصادية من دون الاستعانة بالصحف الغربية.
وليس السيسي باستثناء. وفي ما يوفره الإعلام المصري عنه أنه كان أصغر أعضاء المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد ثورة “25 يناير” 2011. وتخرج من الأكاديمية العسكرية عام 1977 وخدم في سلاح المشاة ثم اضطلع بقيادته. واختير للدراسة في كلية الحرب التابعة للجيش الأميركي في بنسلفانيا عام 2006، وكان تلقى تدريباً في بريطانيا عام 1992. وفي سجله العمل ملحقاً عسكرياً في السعودية، وقيادة المنطقة الشمالية العسكرية في الاسكندرية، ورئاسة الاستخبارات الحربية والاستطلاع في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، قبل أن يختاره الرئيس المعزول محمد مرسي لوزارة الدفاع.

ابن الجمالية

وُلد عبدالفتاح سعيد السيسي في 19 تشرين الثاني 1954. أبوه الحاج سعيد حسين خليل السيسي، وقد توفي عام 2002، وهو من قرية طليا في محافظة المنوفية التي يتحدر منها مبارك وسلفه أنور السادات، والرئيس الموقت السابق عدلي منصور.

كان الحاج سعيد انتقل إلى القاهرة واستقر في حي الجمالية الذي جعله الأديب نجيب محفوظ مسرحاً لثلاثيته الشهيرة، فافتتح متجراً لتجارة الحبوب وبازاراً في خان الخليلي لبيع التحف الخشبية المنحوتة بدقة والمزخرفة بالصدف، والكثير منها من صنعه، وهي حرفة ورثها عن والده حسين. وحاز عمل أسرة السيسي تقدير وزارة الثقافة في سبعينات القرن الماضي باعتباره الأفضل على مستوى البلاد.
تزوج سعيد السيسي الحاجة سعاد وأنجب منها أحمد وعبدالفتاح ورضا وفريدة وحسين وأسماء ومنى وزينب وجيهان ومحمد وبوسي. واقترن بعد سنوات بامرأة أخرى تُدعى حُسنية، ولهما إيمان وسحر وعبدالله وعلاء.
إلى خان الخليلي، إلى المتجر الذي يحمل اسم العائلة، اتجهت مجلة “نيوزويك” الأميركية في آب 2013 ونشرت تحقيقاً مطولاً عن جذور “الجنرال الهادئ”. هناك التقى مراسلها مدير المتجر حسين علي الذي قال إنه طُلب منه عدم الحديث عن السيسي، لذلك قرر الكلام عن والده، لأن “أبناءه نسخة منه”. كان يحب مطالعة كتب التاريخ والقانون وعشق الاستماع إلى صوت أم كلثوم، وصادق العديد من المشايخ والرجال الدين. و”استهوته التجارة، فحذا نجله حسين حذوه، واحترم القانون فصار ابنه أحمد قاضياً، وكان صارماً كجنرال، كل شيء يجب أن يكون منظماً وله مواقيت، فكان نجله (عبدالفتاح) عسكرياً”.
وقصدت “نيوزويك” أحمد السيسي الذي “تحدث إلينا على مضض”، وقال إن شقيقات المشير، كما زوجته، لا يملكن حياة مهنية، فـ”نساؤنا لا يعملن، يمكثن في المنزل ويربين الأولاد”. أما الذكور في الأسرة فلهم مسيرات عملية مثيرة للإعجاب، إذ “نتحدر من أسرة تقود ولا تُقاد”.

أبعد من الصورة المنمقة

وإلى الجمالية توجه كذلك مراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية الأسبوع الماضي، فالتقى فأحد أقرباء السيسي ويُدعى علي حمامة الذي قال إن “لا قصص مثيرة للاهتمام” من طفولة المشير الذي كان رياضياً، “شديد الجدية، يهتم بالشطرنج ويخلد إلى النوم باكراً”.
تُرسم هذه الصورة لعبدالفتاح الطفل الرصين لتتماشى مع وهج زعامته الذي وضعه، قبل الانتخابات على الأقل، في مكانة عصية عن الانتقادات. ويسترعي الانتباه أن الصحف والمواقع المصرية التي تسابقت على ترجمة تحقيق الـ”نيوزويك”، أغفلت ما ورد فيه من انتقادات للجيش الذي لم يعد “آلة للحرب بل للربح لضباطه” الذين يملكون عالمهم الخاص المنفصل عن باقي البلاد، فلهم شقق ونوادي ومدارس ومتاجر خاصة بهم.
أما تحقيق “الغارديان” الواقع في عشر صفحات فلم يجد من يهتم به لكونه نقدياً. يبدأه كاتبه باتريك كينغسلي بالقول إن أحمد سيف، الناشط الحقوقي، التقى السيسي في 5 شباط 2011 قبل أن يسمع به كثيرون. كان موقوفاً لدى الاستخبارات الحربية، ونقل عن السيسي، رئيسها في ذلك الحين، أن “علينا احترام حسني مبارك والقيادة العسكرية، والعودة إلى منازلنا ومغادرة ميدان التحرير”. ووفق رواية سيف، غضب السيسي و”صار وجه أحمر” حين أجابه بأن الرئيس السابق فاسد.
ويُكمل تحقيق “الغارديان” أن أسرة السيسي كانت من الأكثر ثراء في المنطقة، والأولى فيها تقتني سيارة من طراز “مرسيدس”، وهي، كما هو معلوم، رمز للترقي الاجتماعي في البلاد. ووفق “النيويورك تايمس”، تخلى والده عن لبس الجلابية واختار البذلة وربطة العنق، قبل الانتقال إلى مبنى خاص شيده للأسرة في ضاحية “مدينة نصر”.
وإذا كان جلياً أن حملة السيسي الانتخابية تمتعت بوفرة الموارد المالية، فإن التطرق إلى الوضع المالي للمشير كان من المحرمات. وقد سحبت صحيفة “الوطن” في 6 شباط من الأسواق عدداً كشفت فيه أن ثروته تصل إلى 30 مليون جنيه، تشمل قطعة أرض كبيرة في المريوطية وريعاً ضخماً في خان الخليلي، إلى عقارات وحسابت مصرفية. وتدخلت المؤسسة العسكرية لطي الموضوع بحجة أن “الثروة ميراث من والده”.

نفحة إسلامية

ومن الصفات التي أظهرها السيسي في كلية الحرب الأميركية إجادة التحكم في نفسه وعدم إظهار غضبه. وهو قدم هناك ورقة بحثية من 11 صفحة بعنوان “الديموقراطية في الشرق الأوسط”.
وجاء فيها أنه “بينما يتطلع الأميركيون إلى الآباء المؤسسين للجمهورية، يجل المسلمون ذكرى الخلفاء الراشدين”، لكن هذا لا يعني إنشاء ديكتاتورية، بل “قيام ديموقراطية استناداً إلى المبادئ الإسلامية”، فالخلافة الإسلامية هي “نظام الحكم المثالي”. وقارن بين تأثير المسيحية على الثقافة والحُكم في الولايات المتحدة، ودور الإسلام في الديموقراطيات الناشئة في الشرق الأوسط.
ونقلت وكالة “الأسوشيتد برس” عن روبرت سبرينغبورغ، الخبير في المدرسة البحرية في مونيري بكاليفورنيا، إن السيسي الحريص على الاستشهاد بآيات قرآنية في كل خطبه، سيحكم بنفخة من الالتزام الديني العميق.
وقد سُرب قبل أشهر نص حديث له مع صحافي لم يكن مُعداً للنشر، وفيه أنه شاهد نفسه في أحد أحلامه يلوح بسيف حُفرت عليه نقوش إسلامية، وأنه كان في حلم آخر يقول للسادات إنه سيصير رئيساً هو أيضاً.

زوج ووالد وجد

… وقد تحقق الحلم، ولا هم إن سبقه “كابوس” صور مراكز الاقتراع الفارغة. وكان ظهور زوجة المشير إلى جواره في حفل عسكري في شباط أثار الكثير من الاهتمام، وهي محجبة، وبدت أنيقة وتستخدم مساحيق التجميل.
تلك المرأة، سيدة مصر الأولى، تُدعى انتصار عامر، وهي ابنة خالته وزوجته منذ عام 1977. وهي قالت لموقع “البوابة نيوز” في 30 أيلول إنها “تؤمن بأن المكان الطبيعي للمرأة خلف زوجها وأبنائها، ذلك أن نجاح الزوج والأبناء أسمى آيات النجاح للمرأة”.
وهي بذلك بعيدة عن شخصيتي جيهان السادات التي اضطلعت بدور في تشريع تنظيم الأسرة وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وسوزان مبارك التي يُعتقد أنها تسببت في إقالة رئيس الوزراء كمال الجنزوري. وبعيدة كذلك عن نجلاء محمود، زوجة مرسي المعروفة بالجاحة “أم أحمد”. وقد تكون أقرب إلى تحية عبدالناصر، وعائشة لبيب زوجة اللواء محمد نجيب، الرئيس الأول للبلاد.
وأورد “البوابة نيوز” أن زوجة السيسي لم تسلم من شائعات عن قرابتها بسوزان مبارك، وأنها كانت منقبة، الأمر الذي نفته منى، شقيقة زوجها.
وللسيسي ثلاثة أبناء وابنة. مصطفى، وقد تخرج من الكلية الحربية ويعمل مُقدماً في الرقابة الإدارية وزوجته هي ابنة خالته، ومحمود الرائد في الاستخبارات الحربية والاستطلاع التي كان يترأسها والده، وقرينته هي نهى التهامي، كريمة مدير سابق لشركة مشروبات غازية كبرى، وحسن، وهو مهندس نفطي متزوج من ابنة مدير الاستخبارات الحربية الحالي اللواء محمد حجازي. أما ابنته آية فهي خريجة الكلية البحرية، وقد اقترنت قبل أشهر بخالد فودة، نجل محافظ جنوب سيناء. وله أربعة أحفاد

السابق
محفوظ: الاساءة لسليمان المعتدل تسيء للبنان عامة
التالي
ميقاتي: للابقاء على العمل داخل المؤسسات ومن داخلها