تحرّش لبناني وآخر سوري

اشكال برج حمود

حصلت حادثة في برج حمود، في ضاحية بيروت الشمالية، بين سكانها وبين لاجئين سوريين، انتهت برفع لافتة فوق شوارعها، وبالتعاون مع بلديتها، تفرض على السوريين منع التجول ليلاً خارج مساكنهم. الإعلام المرئي نشر شريط فيديو يصور ذروة الحادثة، بجريمة رمي إسطوانة غاز على رأس أحد سكان برج حمود، وهو لا يزال تحت الخطر. فيما هرع مراسلوه إلى الحيّ، يسألون سكانه عن خلفية هذه الحادثة. ما قاله هؤلاء للمراسلين عن ضيقهم من وجود كرد وسوريين في حيّهم، عن لقمة عيشهم وأمنهم وضرورة الحفاظ عليهما، هو الكلام المرسل نفسه الذين نسمعه يومياً على ألسنة لبنانيين آخرين لم يجدوا في الآونة الأخيرة تفسيراً لكل مصائبهم إلا بتدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان؛ كلام غير مقيد، غير معقَّد، قليل عليه وصف “العنصرية”. ونسمعه كل يوم تقريباً، في سياق النقّ اللبناني المعتاد، مثل جرعة الأفيون، يطمئن على إن الحق ليس علينا، بل على الأشرار الغرباء الفارضين أنفسهم على ديارنا.

ولكن فتى واحداً خرج عن قاعدة الكلام العنصري المكرر في أحد التقارير المصورة، وراح يسترسل أمام الكاميرا في شكواه من “تصرفات اللاجئين السوريين” التي لم يعد بمقدور الحيّ ان يتحملها: “انظري كيف يتصرفون في الشارع!”، قال، “كيف لا يتوقفون عن التحرش ببناتنا ونساءنا…!”. ثم استدرك الموقف بسرعة وأضاف: “صحيح اننا نتحرش بالبنات، نحن اللبنانيين، ولكن التحرّش اللبناني غير التحرّش السوري”. وفي اللحظة التي شرع فيها بالمقارنة بين الإثنين: “التحرش اللبناني… التحرش السوري…”، ربما بنيّة الرفع من شأن الأول والحطّ من شأن الثاني، فقُطعت صورته، وانتقل التقرير إلى مكان آخر من الحيّ. هل قال أشياء فظيعة لا يمكن بثها؟ هل ذهب بعنصريته وربما طبقيته، إذ انه “فوق الريح” إذا شُبِّه بلاجىء سوري… أبعد مما تسمح به قناة تلفزيونية؟ ومهما كان “ولاء” هذه القناة؟ لا يمكننا أن نعرف. ولكن من المؤكد ان هذا الفصل العنصري الإضافي ضد اللاجىء السوري، يأتي بالتلازم التام مع فصل آخر من فصول التضييق على النساء اللبنانيات في الشارع أو المكان العام. الفتى الذي أفتى بتحرش اللبنانيين اللطيف، الظريف، باللبنانيات؛ فيما السوريون تحرّشهم الفظ الغليظ الخشن المرفوض تماما، هو بمثابة جريمة يعاقَب عليها بمنع التجول ليلاً… هذا الفتى لم يضِف الكثير إلى سجل التمييز ضد النساء اللبنانيات وضد اللاجئين السوريين، ولكنه ربط بينهما بإحكام من دون ان يلاقي بينهما؛ بل بالعكس، ربط من جهة، وفصل فصلا “مصلحياً” من جهة أخرى. قال بأن فئتين من بين الذين حوله تستحق السيطرة والضبط، النساء واللاجئين؛ الأولى تحت اطار التحرش “الطبيعي”، “العادي”، “المهضوم”، والثانية تحت التهديد بالطرد ومنع التجول.

ولكن الموضوع لا يقف عند هذا الحدّ. فهناك ضلع ثالث لهذه الوضعية، يتشكل من النساء السوريات اللاجئات: ما يتعرضن له من تحرّش متفاوت الدرجات، يبدأ باللفظي وينتهي بالتزويج القصري مروراً بمختلف أنواع الإعتداءات الجنسية المباشرة…. كل هذا الذي يأتينا القليل من أخباره عبر الإعلام، لا يحرك إلا ساكنات قليلة. من يغطي المتاجرة الحاصلة بصاحبات الأجساد البضة من اللاجئات، من يحمي الأم المرغمة على تسليم جسدها لـ”موظف الإغاثة”، مقابل لقمتين أو ثلاث لأولادها؟ من يقول شيئاً عن شبكات الدعارة “رخيصة الثمن”، ينظمها لبنانيون لـ”سوريات جميلات”؟ من…؟ وكيف…؟

لا يمكن للمرء إلا ان يربط بين كلمة الفتى الفذة عن التحرّشَين اللبناني والسوري، وبين هذه المروحة الواسعة من التحرشات الجنسية بحق اللاجئات السوريات، المسكوت عنها، ربما بقرار. لا يمكنه إلا إتمام جملته هذه والقول: “نحن اللبنانيين لنا الحق بأن نتحرش باللبنانيات والسوريات في آن”…

السابق
جنوبيون بذكرى التحرير: لا تنمية.. فقط قصور وردّة دينية وأمر واقع
التالي
«استشهاد» محمود حايك المتهم بمحاولة اغتيال بطرس حرب في سوريا