أنا المسلم أتباهى بمسيحيتي الوطنية اللبنانية.. وأريد رئيسا

ابراهيم شمس الدين
أنا ابراهيم محمد مهدي شمس الدين اللبناني، أعرف كيف انتخب الرئيس الماروني المسيحي اللبناني الذي يخدمني، ولكنّي أعرف أيضاً أن النائب الذي يمثلني، رغم أني لم انتخبه، لن ينتخبَ الرئيس الذي أريده، لا بل لن ينتخب الرئيس الذي يريده هو. أنا اللبناني المسلم أريد أن أكون حاضراً في كل القمم العربية والإسلامية والدولية ممثَّلا برئيس لبنان المسيحي. أتباهى بمسيحيتي الوطنية اللبنانية. وهذه أيضاً معادلة لبنانيّة... فلبنان ليس خطأً تاريخياً ولا مؤامرة دولية، هو الآن وطن حقيقي.

بكركي هي من المؤسّساتِ القائدةِ في المجتمعِ اللبناني، كما كان يُسمِّيها الشيخ محمّد مهدي شمس الدين، وانطلاقاً من هذه الموقعيّةِ القياديّةِ تكون المذكّرة الوطنية في 9 شباط الماضي نتيجةً لدورٍ طبيعيٍ منها ومنتظرٍ أيضاً.

لا أمرة ولا حاكمية في بكركي، بل حكمة وقدرة، قدرة الضمير وقدرة الرأي أيضاً. والرأيُ يقدَّم دائماً حتّى وإن كان صاحبَهُ لا يُطاع من قبل السياسيين، تفلّتاً منهم. الرأي يقدَّم إلى الناس حتّى تتعرّفَ وحتّى تتعلّمَ وحتى تتحملّ مسؤوليّة.

المذكّرةُ الوطنيةُ هي رأي بكركي وحكمتها إلى الناس. وحين توجّه بكركي، ورئيسها أيضا،ً وتطلب وتُلحُّ في ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية فهي تعبِّر لا عن رأيها هي فحسب، بل عن رأي اللبنانيين أيضاً، وذلك لضرورة الرئيس في انتظام الدولة وعملها ووضوح مرجعيّتها. وهذا المطلب والإلحاح يلتقي مع كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ونحن في ذكرى ولادته، الإمام المعصوم وليس الحزبي، الذي رفض أن يشكل حزباً أو أن ينخرط في حزبيّة، حيث قال: “لا بدّ للناس من أميرٍ برٍّ أو فاجرٍ” ويتابع في ما معناه: أنّ كلَّ الناس يستظلّون رئاستَه لحاجتهم إليها، الصالح منهم والطالح، وفي رئاستِه يُطبَّقُ القانون، ويؤخَذ للضعيف من القوي ويُدافَعُ عن البلاد من العدو، ويُجبى المال العام ويُعادُ توزيعُه…

إذاً، الرئيس هو قوام كلِّ عِقد وكلِّ جماعة، فكلّ هيئةٍ لا تستقيمُ إلا برئاستها، البيت له رئيس والكنيسة لها رئيس والجمعية لها رئيس والمدرسة لها رئيس والفرقة الرياضية لها رئيس، فكيف بدولة بلا رئيس؟ إلاّ أن يكون الهدف هو صيغة اللادولة!

ورئيس الجمهورية هو واحدٌ لا أكثر ولا نظيرَ له ولا مثيلَ له في رئاستِهِ ودورِهِ وموقعِهِ، فهو فوق الجميعِ ورئيسُ الجميع وهو يُعرَّفُ بأل التعريف فقط.

الجهورية لها رئيسٌ واحدٌ وفيها رئيسٌ واحدٌ وليس ثلاثةُ رؤساء. الآخرون يعرَّفون بصيغةِ الإضافة، إضافة اسمٍ مؤسسّتِهِم إلى لقبِ رئاستِهِم.

والرئيس يكون من الناس والرئيس اللبناني يكون من اللبنانيين. وإن لم يكن منهم فهو من الخارج ممثِّلاً أو غازياً لصالح رئيسٍ أجنبي. الأمرُ بهذا الوضوح في هاتين الحالتين.

هل يختار اللبنانيون رئيسهم حقاً، أم انّ غيرهم يختار لهم عنهم؟

الرئيس ينتخبه مجلس النواب وليس الشعب – وهذه من الأمور التي أرى مراجعتَها في الدستور إذا فتح باب المراجعات سلميًّا، وإذا بقي النوّابُ يستسهلون التمديد لأنفسهم – بمقدار ما يكون النواب لبنانيين يكون الرئيس لبنانياً. ولبنانية النواب ليست في جنسيتهم فقط، فهذه لبنانية إدارية تنظيمية. تكون اللبنانية الوطنية التامة بالاستماع إلى الشعب والانصياع له، بحيث تكون الإمرة للناس، للأفراد اللبنانيين الذين لا يُمكن السيطرةُ عليهم ولا إغواؤهم بالمال أو حبسهم في الطائفة أو المذهب.

الرئيس الذي يكون من الناس يخدمهم والذي يكون من غيرهم يخدم غيرَهم، هذه معادلة لبنانية.

أنا ابراهيم محمد مهدي شمس الدين اللبناني، أعرف كيف انتخب الرئيس الماروني المسيحي اللبناني الذي يخدمني، ولكنّي أعرف أيضاً أن النائب الذي يمثلني، رغم أني لم انتخبه، لن ينتخبَ الرئيس الذي أريده، لا بل أكاد أجزم انّه لن ينتخب الرئيس الذي يريده هو في قرارة نفسه.

أنا اللبناني المسلم أريد أن أكون حاضراً في كل القمم العربية والإسلامية والدولية ممثَّلا برئيس لبنان المسيحي. أنا أتباهى بمسيحيتي الوطنية اللبنانية.

وهذه أيضاً معادلة لبنانيّة.

هل يأتمر النواب بإرادة الشعب اللبناني حصراً؟ هل يستجيبون له، أصلاً؟ النواب مدّدوا لأنفسِهم رغم إرادة الناس ورغم الدستور. مجلسُ نوابٍ سابق متروك له أن ينتخبَ رئيساً جديداً للبنان، فيمهد لهذه المهمة بالفراغ! لا بل بالإفراغ!! هذه أيضاً معادلة لبنانية وكثيرون من “سكان هذا المجلس” يتقنون هذا الفن!

ما هي معادلة لبنانية صحيحة لانتخاب رئيس للجمهورية؟

– الانصياع الكامل للدستور اللبناني من قبل النواب والسياسيين والزعماء: الدستور هو الوثيقة الوطنية العليا التي تم التوافق عليها وأُقرت من اللبنانيين (هذا هو معنى الديمقراطية التوافقية) وهي لا تحتاج إلى إقرار جديد وتوافق كل مرة.

1- الدستور يرشدنا كيف ننفذ الامور، كيف نجعل النظام السياسي عاملاً وفاعلاً، الدستور لا يقول لنا، ليست وظيفة الدستور أن يقول لنا كيف نعطّل الأمور وكيف نشلّ النظام السياسي ونجعله عقيماً أو عاقراً.

– إن من يدخل الدولة اللبنانية في مؤسساتها يجب أن يكون قابلاً بنظامها وآلية عملها ودستورها وليس مقبولاً أن في مؤسسات الدولة من لا يتقيد بدستورها.

2- نسكت، لا بل نسامح النواب على إثم وجناية التمديد لولايتهم المنتهية، التي اعتدوا بها على الشعب اللبناني إن قاموا بواجبهم، إذا أدّوا عملهم في أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية. ليس عملهم أن لا ينتخبوا. اللانتخاب هو عمل غير لبناني للإتيان برئيس غير لبناني.

3- نسكت، لا بل نقبل نصابَ الثلثين لصحة الانتخاب كتعبيرٍ عن إجتماع إرادة اللبنانيين – رغم أن خمساً وستين نائباً يعكسون اجتماع إرادة نيابية وطنية – نقبل نصاب الثلثين كمقدِّمة لصحّة الانعقاد شرط أن يحضر ثلثا النواب ليقوموا بعملهم، فأين هم، لماذا يمتنع الثلثان؟ هل هذا الامتناع دلالة على اللبنانية؟

4- الانتخاب في مجلس النواب اللبناني ينتج رئيساً لبنانياً. أما التشاور السري والفحوصات والتنازلات والاشتراطات والمناقصات والمزايدات التي تجري في غرف سرية في مبان وفنادقَ في دول أخرى بين أشخاص أجانب غير لبنانيين، كائناً من كانوا، لا ينتج إلا رئيساً مقيّداً مجرّداً من هيبة رئاسته وقدرتها. منذ حوالي 25 سنة طالب أحد عُتاة المسؤولين الاقليميين – وقد عبر عن ندمه وخطأه فيما بعد- الشيخ شمس الدين قائلاً إنّك تقولُ إنَّ اللبنانيين هم أدرى بأحوال بلدهم ومصلحتهم، هذا كلام لا يمشي عندنا، نحن نقرر هنا ماذا يجب أن تفعلوا وأنتم تنفذون!! طبعاً الشيخ شمس الدين لم يوافق واستمرّ الخلاف الكبير على هذه النقطة.

وإن رئيس الجمهورية يملك صلاحيات كافية للعملِ والإنجاز شرط أن لا تُنتزع منه كمقدمة لانتخابه – إفراغ الرئاسة من مضمونها ودورها.

5- رئيس الجمهورية هو مدني حر، لا نريد أن تتحول رئاسة الجمهورية إلى رتبة عسكرية فوق رتبة العماد يتم التدرج إليها عبر عمليات ومساومات فلا يبقى الجيش للدفاع وحفظ سلامة الأراضي ولا نحصل على رئاسة قوية. لا نريد رتبة جديدة بلباس مدني.

– في المعادلة الدولية والإقليمية:

لا يمكن لأي رئيس لبناني أن يكون معادياً أو محارباً لمحيطه العربي. للبنان عدو واحد هو إسرائيل. التجارب الماضية فشلت وسقطت حتى في أذهان أصحابها. الرئيس ذو الموقع الصحيح في المعادلة هو المنفتح والمتعاون مع العالم العربي كواحد منه وليس كشاطر فيه أو كشاذ فيه – مسيحيّة الرئيس اللبناني طبيعيّة وهي اختيار إسلامي – وهو الرئيس الذي يتعاون مع المجتمع الدُولي ودول العالم لمصلحة لبنان واللبنانيين.

المجتمع الدولي يريد رئيساً للبنان يعمل للاستقرار السياسي والتواصل الدائم ويحمي نموًّا اقتصادياً صحيّاً، يحمي الوطن من العدو ولا يكون عامل فتنةٍ أو تآمر سياسي. لا يستطيع لبنان أن يكون جزءًا من الحلف الأطلسي، ولا يستطيع لبنان أن يعادي أمريكا أو أن يحالفها ضد إيران. كما أنه لا يستطيع أن يكون مطيّة إيرانية أو جَمَلاً سعودياً.

لبنان يستطيع أن يكون قيمة مضافة حقيقية لكل العالم، والعربي والإسلامي منه بشكل خاص، شرط أن يُتركَ لأهله، شرط أن لا يكون مساحة في الطوبوغرافيا المشرقية، شرط أن يكون وطناً، “وطن نصنعه كلّ يوم ونبنيه كل يوم ونحميه كل يوم” كما عبّر عنه الشيخ شمس الدين، وطنٌ رسالة للاجتماع الإنساني المتنوع، كما عبر عنه البابا يوحنا بولس الثاني.

لبنان ليس خطأً تاريخياً ولا مؤامرة دولية، هو الآن وطن حقيقي، دعونا نعيش فيه بكرامة، ولهذه الكرامة نحتاج إلى رئيس لبناني.

* كلمة ألقيت بدعوة من اللجنة المدنية لدعم مذكرة بكركي الوطنية

السابق
لا أحد يراسل الجنرال نبيه برّي.. فيبعث رسائله في الشارع
التالي
حشود في استقبال الرئيس سليمان في ‘عمشيت’