الجمهورية دخلت مرحلة ما بعد 25 أيار

رسميا حلّ الفراغ. دخلت الجمهورية في مرحلة ما بعد 25 ايار، وبتنا قاب قوسين من التعطيل. لا مفاجآت ولا نضج للطبخة الرئاسية. صحيح ان ساحة النجمة ستبقي ابوابها مفتوحة، في انتظار اي جديد، الا ان كل المؤشرات توحي بأن البلاد دخلت مرحلة جديدة، ولا شيء ينبئ متى تنتهي. قد يكون لبنان اعتاد هذا النمط من التعطيل، في كل استحقاق، نيابيا كان ام رئاسيا، واعتاد اللبنانيون انتخاب رئيس، بعد كل ازمة او شغور. وهذا ما يحصل اليوم للمرة الخامسة، بعد تعثر انتخاب الرئيس الـ13.

أمس، تكرر المشهد من خارج المجلس. نواب من فريق 14 آذار يحضرون لدخول القاعة العامة، اضافة الى نواب من كتلة “التنمية والتحرير”، فيما نواب “تكتل التغيير والاصلاح” (حضر ثلاثة منهم) يعقدون لقاءات مع الاعلاميين، مذكرين بموقفهم من عدم المشاركة ما لم يتم التوصل الى اتفاق. والغائبون الدائمون عن البرلمان هم نواب كتلة “الوفاء للمقاومة”.
وحده النائب وليد جنبلاط يواظب على الحضور مع كامل اعضاء كتلته، ووحدها النائبة ستريدا جعجع تسجل اسبوعيا موقف “القوات اللبنانية”، وتغمز من قناة العماد ميشال عون. وهذه المرة، لترفض ما اثاره عن الميثاقية والمثالثة.
اما الصامت الاكبر فكان النائب سامي الجميل، دخل البرلمان وخرج، رافضا التحدث، وقد بدت علامات الاستياء على وجهه. وما لم يقله الجميل قاله الوزير سجعان قزي: “نحن اليوم في مرحلة مواجهة، لا مرحلة انسحاب”، ردا على امكان انسحاب وزراء الكتائب من الحكومة.

كلام عون

في الداخل، سجل حضور 73 نائبا، ولم تعكس الاجواء اي جديد. انتظر الجميع نحو نصف ساعة، ثم غادروا. مسلمين بواقع الفراغ، فيما اشار بعض النواب الى ان “المعطيات لن تتغير قبل ثلاثة اشهر”.
في هذه الاثناء، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يلتقي الرؤساء تمام سلام وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي. غادر الثلاثة معا، من دون كلام، فيما كان بري يؤكد انه” ما دامت الجلسات مفتوحة، فانني سأدعو الى جلسة انتخاب رئيس عندما يتوافر اي جديد”.
هذا الكلام كرس الانطباع ان الافق مسدود. اما عمليا، فهو يعني انه عندما تتوافر الظروف الملائمة للانتخاب، فان الجلسة ستنعقد، اذ لا مبرر اطلاقاً لتكرار المشهد نفسه يوميا في ساحة النجمة، الامر الذي يعكس هشاشة الوضع المحلي.
المفارقة التي ظهرت امس في كواليس المجلس، ان لا حديث عن التمديد. غالبية النواب استبعدوه، رغم الدفع المحلي والخارجي الذي اعطي له اول من امس. الا ان الباب بدا مقفلا بالكامل، لا سيما بعد رفض رئيس الجمهورية.
ما طغى في اروقة المجلس هو الحديث الاخير لعون، ومواقف نواب “التكتل” من الميثاقية. ففي احد ممرات المجلس، شوهد النائبان ابرهيم كنعان وجورج عدوان يتحدثان. يقول عدوان لكنعان: “لماذا لا تحضرون وتعلنون مرشحكم؟”. يضحك كنعان ليجيب: “ليش نحن مش مرشحين؟”.
وبالهمس يستمر النقاش. يبتعد الرجلان قليلا عن “جيش” الاعلاميين. ولكن يسمع كنعان يقول لعدوان: “اذا ترشّح عون وجعجع في الدورة الاولى، وسقط الاثنان، ما الذي يضمن بعدها الاتيان برئيس ميثاقي؟”.
هذا الجدل اكمله الاثنان على المنصة، انما هذه المرة امام العدسات.
قال عدوان: “البعض يطرح ان الميثاقية حتّمت الا يتأمن النصاب، بمعنى انه عندما يكون رئيس الجمهورية لا يمثل المكوّن الذي هو منه فهناك انتقاص للميثاقية”، سائلا “هل يصب عدم تأمين النصاب في خانة الميثاقية ومجيء رئيس قوي؟”.
واعتبر انه “اذا لم نؤمن النصاب واكملت الامور على ما هي سنصل الى الفراغ برئاسة الجمهورية، والموقع الاول للمسيحيين سيصبح فارغا وبالتالي لن تكون الميثاقية مؤمنة”.
وختم: “عدم توفير النصاب يصب في خانة عدم تأمين الميثاقية”.
تلاه كنعان شارحا الميثاقية: “المادة 49 من الدستور تقول ان النصاب هو الثلثان وبالتالي افترَض المشرّع ان هناك ثلثا قد لا يحضر وان لهذا الثلث اسبابه، كذلك في المادة 65 حول صلاحيات الحكومة، هناك تصويت بالثلثين على بعض المسائل، وايضا في دستور الطائف هناك ذكر لعملية التوافق، واذا لم يحصل توافق نذهب الى التصويت بأكثرية الثلثين، اي ان دستورنا توافقي ومسألة التوافقية تعني التشدد بموضوع النصاب والتصويت”.
ورأى ان “النصاب يمكن ان يكون اداة ووسيلة لتأمين شراكة فعلية بانتخاب رئيس الجمهورية، وكلنا نريد رئيس جمهورية أمس قبل اليوم لكن ليس على خلفية ما حصل منذ 24 عاما”.
وختم: “لن يُنتخب مرشح دون تأمين اكثرية موصوفة”.

مصير التشريع
مواقف الطرفين بقيت على حالها. انما ما لم يثبت بعد هو مصير الجلسات التشريعية بعد الفراغ، واول الغيث سيكون يوم 27 ايار، اذ دعا بري الى جلسة لمناقشة سلسلة الرتب والرواتب. ووسط هذه التحديات والغليان “الاجتماعي – الشارعي”، كيف سيكون واقع الجلسات؟
حتى الساعة، لم تبت الكتل المسيحية موقفها. فالعماد عون سيعقد مؤتمرا صحافيا الاثنين المقبل، لتحديد المسار في المرحلة المقبلة. كتلة الكتائب ستجتمع اليوم لاعلان موقفها، رغم ان الجميل كان اجتمع نحو نصف ساعة مع بري. وقد يكون البند الابرز في الحوار مصير التشريع، بعدما اعلن اكثر من مرة ان البلد كلّه سيتعطل اذا حصل الفراغ الرئاسي. اما “القوات اللبنانية” فلفتت الى انه لا يمكن التصرّف مع الفراغ كما لو ان الامور تسير بشكل طبيعي، ولا يجوز ايضا التشريع، لكنها في الوقت عينه، تركت المجال مفتوحا امام بعض الاستثناءات، مشيرة الى ان الصورة ستتوضح اكثر مطلع الاسبوع.
وكعادتها، تحدثت جعجع، فآسفت لعدم انعقاد الجلسة. وقالت: ” المثالثة التي طرحها العماد عون تنسف المناصفة واتفاق الطائف، وما تكلم عنه موضوع خطير جدا”.
واضافت: “مع احترامنا لعون فليس هو وحده من يمثل المسيحيين في لبنان، ومع احترامنا للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله فليس هو وحده أيضا من يمثل الطائفة الشيعية. كلام عون يذكرنا بمراحل مررنا بها كنا نتمنى ان تكون ولّت دون رجعة”.
بدوره، لم يترك المرشح النائب هنري حلو البرلمان من دون موقف اسبوعي قال فيه: “لدينا 72 ساعة قبل ان يحصل شغور، وعلينا كنواب ان نكون على قدر المسؤولية، والانقسام اوصلنا الى تعطيل النصاب، والحل الوحيد بانتخاب رئيس يتحاور مع الكل ومقبول من الجميع، وهذا طرحي بالترشح للرئاسة”.
هكذا، اقفل المشهد الرئاسي في مهلته الدستورية، على فراغ شامل. واقفلت بورصة الترشيحات الرسمية على اثنين: سمير جعجع وهنري حلو، وثالث بقي غير معلن. والمؤكد ان ما بعد 25 ايار ليس ما قبله، وربما هذه المرة لن يصح فقط سؤال جنبلاط: “الى اين؟”، بل عبارته الشهيرة: ” الله يستر ع الميلتين”.

السابق
الفاتيكان: زيارة البابا الى اسرائيل لها طابع «سياسي╗ ايضا
التالي
دراسة «بروكينغز الدوحة»: «الجهاد السوري» تفوّق على «الجهاد الأفغاني»