نوري المالكي «سوبرمان» الانتخابات العراقية

مع الفوز الجماهيري الساحق الذي حققه زعيم حزب “الدعوة”, رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في انتخابات العراق الأخيرة, وحصوله وحده على نحو ثلاثة أرباع المليون صوت في بغداد, و تصدره وائتلافه لمقاعد البرلمان العراقي بما مجموعه 95 مقعدا, تكون الجماهير العراقية حريصة على مبدئها التاريخي, وأصالتها الحضارية, و نهجها الدائم في تمجيد, وتقديس, وتكريم الطغاة والفاشلين والجهلة, واعتبارهم أنصاف آلهة, و يتعزز مبدأ ومقولة “قلوبهم معك, و سيوفهم عليك”!

لقد حقق الحاج نوري بعد ثمانية أعوام من الفشل البواح والصريح , والتدمير الذاتي الممنهج للعراق, والحروب الأهلية الداخلية المريعة, والانغماس عميقا في التورط بدعم النظام الفاشي في سورية, وهو النظام الإرهابي القح الذي اشتكى منه المالكي نفسه عام 2009 في التفجيرات الشهيرة وقتذاك, وفي الخضوع التام للرغبات الإيرانية, وفي فشل مشاريع التسليح, وفي فضيحة وزرائه من الحرامية واللصوص والمستهترين من أمثال وزير التجارة ووزير النقل ووزير العدل, إضافة الى انهيار الخدمات العامة, وحالة الفشل التام في مختلف مناحي الحياة العراقية, داخليا و خارجيا, أقول حقق نجاحا انتخابيا و شعبيا مذهلا لا توجد له أي تبريرات منطقية سوى الروح المازوشية العراقية في سلخ الذات و تعذيبها, وإعادة إنتاج الفشل عبر التاريخ, على العكس من جميع حكام العراق, وحتى الطغاة منهم, كزياد بن أبيه أو الحجاج بن يوسف وحتى صدام حسين, فإن المالكي لم يحقق إنجازا ميدانيا واحدا يستطيع المباهاة والتفاخر به, بل العكس هو الصحيح تماما, فحتى المؤسسة الفقهية الشيعية في النجف قد تبرمت من أفعاله ورفضتها, و دعت الى التغيير العلني كما فعل المرجع الشيعي البشير النجفي, وغيره من قيادات “التيار الصدري” أو جماعة الحكيم, ناهيك عن الأطراف العراقية الأخرى, كالأكراد و عرب غرب العراق و غيرهم!

مع ذلك ورغم كل ماحصل و يحصل, و رغم الجثث العراقية الواردة يوميا من الشام, أو من الفلوجة و الأنبار, ومع الفشل الأمني المريع, وتوالي الانفجارات والاغتيالات, فإن المالكي قد حقق نصرا شعبيا لم يحققه أعظم بريطاني في التاريخ, وهو ونستون تشرشل الذي أسقطته الجماهير البريطانية عن عرشه بعد انتصاره الفذ على النازية, والفاشية, في أوروبا عام 1945.
جموع العراقيين تحتاج اليوم الى أساطيل من الأطباء النفسيين لمراجعة, وتحليل ذلك السلوك المازوشي والإمعان في التلذذ بسلخ الذات وأكل اللحم الحي.

انتصار المالكي غير المسبوق أمر توقعناه منذ البداية لأن الجماهير في العراق مع من يملك الحكم, والسلطة, والصولجان وهي مع من ملك, وهي الجماهير نفسها التي خذلت الثائرين من أهل البيت كالإمام الحسين (رض), و قبله غدروا بشقيقه الإمام الحسن (رض) وحيث ساهموا باطاحة خلافته بتقاعسهم عن نجدته, و بعد ذلك بزيد بن علي بن الحسين (رض) الذي علق في كناسة الكوفة, وغيرهم الكثير الكثير من الثوار والمصلحين, كالسيد محمد باقر الصدر وعشرات آخرين التهمتهم السلطة في ظل تصفيق الجماهير, وحتى آخر السلسلة صدام حسين فلم تجرؤ الجماهير على التقرب من قصوره وقلاعه الحصينة, بل أن من فعل ذلك هو جيش الولايات المتحدة في الحين الذي كان فيه الحاج نوري, ورفاقه من الدعويين المفلسين قابعين تحت رعاية المخابرات السورية في ريف دمشق حائرين, يتساءلون, ويفكرون في طلب اللجوء للدنمارك قبل مجيىء بوش الذي قلب دنيا الشرق التعيس بتخلفه, وحقق أحلام الطائفيين الجهلة, بالتمدد والتوسع والتسلط.

لقد تلاشت كل أحاديث, وأحلام, ومداعبات التغيير الموعود والمنشود, والسيناريو المقبل سيكون اتفاقا ضمنيا أميركيا- إيرانيا على حكومة عجفاء ثالثة للمالكي مهمتها استكمال الفشل, والإٌسراع في تدمير العراق حجرا على حجر, فاعتراضات الصدريين مجرد فاصل فكاهي, و تبرم الحكيم مجرد عرض مسرحي بائس وسوداوي أيضا, أما الموقف الكردي فهو ملف قابل للتفاوض, والبيع والشراء, في بورصة المصالح الذاتية والمادية.
ليس ثمة جديد, فالقائد الضرورة, الفاشل الأعظم في تاريخ العراق يعود للزعامة مسلحا بإرادة شعبية لاشك فيها, لأن العراقيين على ما يبدو قد قرروا جماعيا الصعود نحو الهاوية في واحد من أبشع خيارات الانتحار الجماعي للشعوب التائهة التي هي في حقيقتها مجاميع طائفية تائهة… مبروك للعراقيين السباحة في مستنقع الفشل العظيم… و سلامتكم من الاه, و نقول للحكيم والصدر و علاوي والبارزاني “هارد لك”, و”عساكم من عواده”… ودمتم للنضال.

السابق
روحاني مدافعاً عن أغنية السعادة: من حق شعبنا أن يفرح
التالي
حزب الوتوات العربي الإشتراكي.. وليس الحزب الشيوعي اللبناني