سلام والمسيحيون في الحكومة: كي لا يصبح الشغور فراغاً

مع بدء العد العكسي للشغور في موقع رئاسة الجمهورية، على ما يظهر حتى الآن، تتقدم حكومة الرئيس تمام سلام إلى الصف الأول. زيارة السعودية أول مشهد لحكومة ما بعد 25 أيار.

قد يكون المشهد المعبّر عن حال الجمهورية ما بعد 25 أيار، هو أن يكون رئيس الحكومة تمام سلام في زيارة رسمية للسعودية للقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز، فيما يستعد لبنان لطيّ مرحلة الانتخابات الرئاسية بالشغور في مركز الرئاسة. الزيارة الخارجية الأولى لسلام تحمل دلالات غير روتينية لرئيس حكومة يستعد لتسلم زمام الأمور في دولة ما بعد 25 أيار.

إزاء المشهد الذي ارتسم عشية جلسة الخميس 22 أيار، بات من الصعب أن يتحدث أي طرف عن انتخابات رئاسية في الأيام القليلة الباقية من ولاية الرئيس ميشال سليمان، بما في ذلك التيار الوطني الحر الذي كان يستعد للاحتفالات بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً في 22 أيار، معدداً الأصوات التي سينالها، وبدأ يعطي تبريرات بالجملة عن النهاية التي أسفرت عنها رحلة العودة إلى بعبدا، مستنداً إلى الحق الدستوري بالتغيب عن جلسة الانتخاب.
حتى الآن لا شيء يوحي بحصول الانتخابات قبل انتهاء رئاسة سليمان. وبدل التبريرات التي تعطى اليوم، يفترض أن تشهد دوائر المسيحيين، من بكركي إلى القادة الموارنة، نقاشات عن الأخطاء (الكثيرة) التي ارتكبت في قراءة المرحلة الإقليمية، وفي تصور «اللامعقول» في السياسة المحلية والإقليمية، بدل الكلام على المصالح والتدخلات الخارجية والاستهدافات التي حوّلت احتمال الفوز بالرئاسة كابوساً جديداً.
في الأسابيع الماضية، سمع المسيحيون كمّاً فائضاً من الكلام عن تسويات وتقاطعات ومواصفات ستقلب الأسود أبيض، وعن نقاشات خارجة عن السياق العام للاصطفافات المألوفة منذ عام 2005 وحتى اليوم، وشهدوا تحركاً لبكركي لا يمكن أن يوضع إلا في خانة الأخطاء القاتلة المستمرة بلا توقف. ورغم أن المشهد الإقليمي والدولي مغاير تماماً لكل ما ينسج محلياً، بقي هناك نواب ووزراء يعتقدون بأن الانتخابات ستحصل، وبأن رئيساً جديداً سيخلف سليمان قبل 25 أيار.

لكن ما بدأ يتضح هو أن حكومة سلام هي التي ستحكم بعد 25 أيار. وهي بدأت تتهيأ كي تكون القائمة، دستورياً وسياسياً، بمهمات السلطة اللبنانية والمتحدثة باسمها، وإدارة شؤون البلاد إلى أن تتم التسوية الإقليمية والدولية للإتيان برئيس جديد.
كانت صورة سلام، ابن البيت السياسي القريب من الزعماء الموارنة التقليديين، وهو يُكلّف مهمات تأليف الحكومة، كفيلة بطمأنة القادة الموارنة الذين وقف إلى جانبهم عام 1992 مقاطعاً الانتخابات النيابية أيام الوجود السوري. كذلك شكّل عنصر أمان وهدوء لمن كان يتحسب، منذ أشهر طويلة، بأن الفراغ سيكون أمراً محتماً، وأن لا تمديد ولا انتخابات في المدى المنظور. وقد حتّم المنحى الذي فرضه إيقاع الأحداث وتطورها، إقليمياً، إلى حين استتباب مشهد ترتيب العلاقة السعودية ــــ الإيرانية، الكثير من المتغيرات اللبنانية، أولها تقدم سلام إلى الصف الأول سنياً كعنصر اطمئنان للمسيحيين والشيعة على السواء. وبقي وجوده رئيساً مكلفاً، ما يقارب السنة، ضرورياً، من دون رغبة ولو طفيفة بتغييره، لأن «بروفيله» هو المطلوب لاستكمال الصورة المرسومة للبنان، من خلال حكومة جامعة لمعظم القوى السياسية (رغم غياب القوات اللبنانية)، تحمي الحد الأدنى من الاستقرار، بمواصفات غير استفزازية لأي طرف.

اليوم، مع اقتراب انتهاء ولاية سليمان من دون بروز أي مؤشر على انتخاب خلف له، تظهر إلى الواجهة مجدداً العناصر التي حتّمت المجيء بسلام، والإبقاء عليه مكلفاً لأشهر عدة، إلى حين نضوج تسوية الحكومة التي شُكّلت وصيغ بيانها الوزاري بكبسة زر.
إلا أن التسوية اقتصرت على هذا الحد من التقاطعات المحلية، أمنياً وسياسياً، لا أكثر ولا أقل. أما ما يتعدى ذلك، لإنضاج الطبخة الرئاسية، فينتظر استكمال المشهد الإقليمي، أي ما سيؤول إليه الوضع العراقي بعد الانتخابات وتحديد مصير رئيس الوزراء نوري المالكي، ومن ثم تبلور المشهد السوري بعد الانتخابات الرئاسية.
حتى الآن، لا يزال السيناريو المكتوب منذ أشهر، من خلال الكلام على ترتيبات تقضي بـ«تأليف حكومة» ومن ثم الفراغ، وبعدها البحث عن مرشح توافقي، قبل الاتفاق على موعد الانتخابات، هو نفسه. والأحداث العملانية على الأرض تظهر أن ما كتب يترجم بحرفيته، وأن لبنان يعيش على إيقاعه.
ومن اليوم وصاعداً، سيكتب للحكومة أن تؤدي دوراً متقدماً إزاء الفراغ في مركز الرئاسة الأولى. وستكون أمام سلام مهمات تتخطى المرحلة التي عايش فيها رئيس الجمهورية، من أجل إدارة الدولة لا التهيئة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
فلن يكون لسلام الذي زاره البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي دور في تسمية الرئيس العتيد، ولا في إدارة المحادثات بين القوى السياسية حول هويته. لكن تقاطعه مع المسيحيين تحديداً لكونهم معنيين بالرئاسة، يمكن أن يسهم في تعزيز إدارة الحكم، وفي تسيير أمور البلد في مرحلة دقيقة، يغيب فيها هؤلاء عن مركز الرئاسة. لأن هذا هو المطلوب اليوم فقط ليس أكثر.
وسلام في هذا المعنى، كرئيس حكومة وفاقي، لا رئيس تحديات ومواجهات، يحتاج إلى الدور المسيحي في الحكومة، كما يحتاج المسيحيون إلى هذا الدور وإلى هذه الحكومة. فلا يذهبون إلى مغامرات عبثية تؤذي الدور المسيحي ولا تفيده، من نوع المقاطعة أو الاستقالة، كوسيلة ضغط لإجراء الانتخابات، حتى لا يتحول الشغور إلى فراغ. ولا سيما في ظل عدم وضوح الرؤية تجاه مهلة الشغور ومدى طول المدة التي سيحتاجها الأطراف الإقليميون لصوغ تسوية الرئاسة اللبنانية.

 

السابق
سوريا: الديبلوماسية معطّلة والكلمة للميدان
التالي
اشكال بين شباب من حزب الله وحركة امل في الـ LIU