الفراغ الجميل

الفراغ الرئاسي
هذه "الانتخابات" السورية التي لن يعترف أحد بنتائجها المعروفة سلفا، الا بشار الأسد والمدافعون عن بقائه ولو على جثث الشعب السوري... ستعني أنّ هذا النظام الذي يترنح الآن ويلفظ أنفاسه الشرعية الأخيرة انما يعكس بضعفه الحالة التي وصل اليها المحور الذي يقف خلفه. وبالتالي فإنّ هذا المحور هو الآن اعجز من أن يفرض علينا في لبنان رئيسا للجمهورية كما كان يحصل في السابق... وأقصى ما يستطيعه هو فقط تعطيل اللعبة الديمقراطية لمنع وصول رئيس لا يرغب به.

 للاستحقاق الرئاسي هذه المرة طعم جديد، لم نعتد عليه نحن اللبنانيون منذ مرحلة ما بعد الحرب الاهلية في تسعينيات القرن الماضي. فكان يكفي غازي كنعان أن يأمر “نوّاب الأمة” بالتمديد لرئيس الجمهورية حينها، الياس الهرواي، حتّى ترتفع الايادي عاليا داخل قاعة البرلمان اللبناني مُمدِّدة. ويكفي تلفون واحد من رستم غزالي ليبقى اميل لحود رئيسا لمهلة جديدة.

هذا الواقع استمرّ حتى ما بعد مرحلة الوصاية السورية، وإن بصورة مختلفة. إذ حلّت مكان كلمة غزالي وصاية السلاح ومنطق القوة ولم يتبدل حينها الا جغرافيا مركز القرار فانتقل من عنجر الى حارة حريك.

بقيت طوال كلّ هذه المدة تفرض علينا بعد أسماء نوابنا ووزرائنا اسم رئيس الجمهورية أيضا. أما هذه المرة فإنّ المتغير التاريخي الكبير الذي طرأ على المنطقة بفضل تحولات انتجها الربيع العربي بشكل عام، وقيام الثورة السورية بشكل خاص، فرض بلا شكّ معايير جديدة مختلفة تماما نجني نحن في لبنان واحدة من ثمارها المبكرة حتى قبل أصحاب الثورة أنفسهم الذين لا يزالون في مرحلة دفع الاثمان الباهظة جدا.

فصحيح أنّ في سوريا لم يسقط النظام بعد، الا انّ الصحيح أيضا أنّ هذا النظام لم يعد يمسك بزمام الأمور في بلاده وبات يحتاج هو، من اجل إضفاء شيء من الشرعية المزعومة لتبرير بقائه حيّا، أن يلجأ، إضافة إلى البراميل المتفجّرة وصواريخ السكود والكيماوي، إلى مسرحية هزيلة عنوانها انتخابات صورية ستعرض فصولها المضحكة في 28 أيّار الجاري.

هذه “الانتخابات” السورية التي لن يعترف أحد بنتائجها المعروفة سلفا، الا بشار الأسد والمدافعون عن بقائه ولو على جثث الشعب السوري… ستعني أنّ هذا النظام الذي يترنح الآن ويلفظ أنفاسه الشرعية الأخيرة انما يعكس بضعفه الحالة التي وصل اليها المحور الذي يقف خلفه. وبالتالي فإنّ هذا المحور هو الآن اعجز من أن يفرض علينا في لبنان رئيسا للجمهورية كما كان يحصل في السابق… وأقصى ما يستطيعه هو فقط تعطيل اللعبة الديمقراطية لمنع وصول رئيس لا يرغب به.

والدليل هو هذا الواقع المستجد، أي الخطّ الانحداري الذي وصلت اليه إمكانية التأثير من قبل محور الممانعة. ما قد يبشر ببداية تحرر للعبة السياسية في لبنان من قبضة الوصاية بشقّيها. وبالتالي فإنّ المعادلة الجديدة التي فرضتها الثورة السورية مشكورة، وإن بشكل غير مباشر على لبنان، هي واقع لا يمكن تخطيه.

وعليه فإذا كان صحيحا أنّ الفراغ بشكل عام يُصنَّف ضمن خانة المحاصيل السيئة وغير المرغوبة، إلا أنّ الصحيح أيضا أنّ هذا الفراغ المرتقب، وما يعبّر عن بديل مؤقت لرئيس جمهورية مفروض علينا… هو فراغ جميل.

السابق
حرب أهلية تركية في أبوظبي
التالي
فشل محاولة تعليق المادة 62 وعون قد يعلق المشاركة في الحكومة