هذه ليست انتخابات.. إنها لحظة وصف للانسداد

هذه ليست انتخابات. بعد انتهاء الحرب لم تحصل انتخابات رئاسية. جرى التداول على الرئاسة من غير طريق الانتخابات، وفي كل مرة، بلحن تسليميّ للقدر المكتوب، وبـ»فرح الناس».
قبل الحرب كانت العواصم الاقليمية والأجنبية تسيّر الانتخابات الرئاسية، هذا ما يردّده الجميع. لكن مبارزة تصويتية حقيقية كانت تحصل بين المرشّحين تحت قبّة البرلمان. هذا أيضاً يتم استذكاره وتداوله.

المقابلة بين ما قبل الحرب وما بعدها ستظهر لنا أنّ نزع النكهة الرئاسوية عن النظام البرلماني أدّى الى اضمحلال هذه الطبيعة البرلمانية بحدّ ذاتها، بدلاً من أن يحدث العكس.

بالتوازي، تحول مجلس الوزراء الى برلمان تنفيذي، ورئاسة المجلس النيابي الى «سلطة هرمينوطيقية» (الهرمينوطيقا فلسفة التأويل). الدولة الطائفية التي كانت تتساكن مع مبدأ الفصل والتعاون بين السلطات قبل الحرب صارت دولة أنماط تخليطية بين ما هو تشريعي وبين ما هو تنفيذي في هذه المؤسسات. يقوم الفصل بين السلطات على مبدأ مونتسكيو «على السلطة ان تحدّ السلطة». تقوم أنماطنا التخليطية على مبدأ اللاسلطة تحدّ اللاسلطة. بخلاف الشائع لبنانياً، يمكن المجازفة بأن ثمة بالفعل دولة، ولو متأكلة ومتفسّخة في لبنان، لكن ليس في لبنان سلطة، فلا هو نظام تسلّطي ولا هو نظام فصل بين السلطات. بدل السلطة هناك المرجعية، ويشغلها منذ انكفاء الوصاية السورية، زعيم «حزب الله».

وما نحن بصدده اليوم هو تلقي الحصيلة العامة للربع قرن الأخير، ليس طبعاً لأن هناك عوامل موضوعية تفرض علينا تلقي هذه الحصيلة العامة، أو دفتر العلامات، لكن فقط، لأن الاستحقاق داهمنا، مثلما داهمنا الاستحقاق الانتخابي النيابي قبله، فجرت معالجته بالتمديد، ليكون مطلوباً اليوم من المجلس الذي عالج نفسه بالتمديد لنفسه، أن يعالج حالة نظام مهدّد بأن يحلّ الفراغ الدستوري مجدداً في رأس هرمه.

فتكون مصيبة ان توقف عمل النظام، وتكون مصيبة أيضاً ان استمر بالعمل متجاوزاً غياب الرأس، وتكون مصيبة أكثر ان كان احتمال المصيبتين الأخيرتين سيشكل مادة خصبة لألاعيب الابتزاز التي تنطلق من عقلية ترى ان كل هذا النظام الدستوري كرتوني، يبيع فيه ويشتري من يملك القوة، من له السلاح.

هذه ليست انتخابات، واللبنانيون استعدوا لحال الفراغ، فلو جاء ما يناقضه لجاء وقع ذلك مفاجئاً.

الفراغ حل أيضاً في نهاية الثمانينيات، وأدى الى سنتين داميتين نقلتانا من دستور الى آخر. لكن وقتها، كانت الأيام السابقة على الفراغ محمومة، وأشبه بفيلم بوليسي، وتابعها المواطنون المنقسمون بين السيطرات الأمنية المتنوعة بتشويق، رغم ان ثورة الاتصالات والإعلام كانت لا تزال في بداياتها.

الآن لا تشويق. اسما ميشال عون وسمير جعجع مشوقان، لكن الانتخابات بحد ذاتها تجمع بين افتقاد الناس حسّ التشويق والإثارة حيالها، وبين جهل حقيقي لهوية الرئيس العتيد، وهل سيكون أصلاً من رئيس عتيد؟

لهذا أيضاً هذه ليست انتخابات. هذه لحظة المواءمة أو الصراع بين الانسداد والفراغ: هل بالمستطاع الافلات في وقت واحد من ثنائية رئيس انسداد أو فراغ بلا رئيس؟ سؤال يطرح. لكن ليس للناس من تأثير على موعد جوابه وفحواه، باستثناء الاستقطاب الشعبي، ايجاباً وسلباً، الذي أمّنه الترشيح الوحيد الذي سيّس المعركة، وتقدّم اليها ببرنامج، وأعاد تسليط الضوء على جذرية الخلاف بين من يرضى بالمرجعية والإرشاد لـ»حزب الله»، وبين من لا يرضى بذلك.

السابق
جثة فتى سوري على شاطىء صيدا
التالي
واشنطن تميل إلى التعامل مع حكومة التوافق الفلسطينية