كيف ترى قوى 8 آذار مرحلة ما بعد 25 أيار؟

الفراغ أو الشغور في قصر بعبدا بات أقرب من أي وقت مضى، والسؤال المطروح بإلحاح من الآن فصاعداً هو: ما هي خطة الفريقين الاساسيين أي 8 و14 آذار لمرحلة ما بعد 25 أيار الجاري؟

مصادر على صلة بدوائر القرار في “حزب الله” تقيم كما غالبية القوى، على اعتقاد فحواه ان الفراغ صار أمراً واقعاً ما لم تحدث معجزة ما زالت في ظهر الغيب في الايام العشرة المقبلة توصد ابواب قصر بعبدا امام الفراغ الزاحف بقوة وعناد.
وفي موازاة ذلك فإن التمديد للرئيس ميشال سليمان ساقط بالاصل من حسابات “حزب الله” وحلفائه، اذ لم يتعاملوا معه بجدية في أي يوم من الايام ولم يعطوا فرصة للتفكير أو النظر فيه، الى ان طرح خلال الايام القليلة الماضية، عرض حمله مبعوثو عواصم وفاتحوا به هذه الجهة أو تلك في فريق 8 آذار، علماً ان اوساطاً في هذا الفريق تنفي ان تكون بكركي قد بعثت في يوم من الايام بما يشي برغبتها أو عزمها على الموافقة على هذا العرض، لذا بقي هذا العرض كلقيط سياسي ويرفض أحد أن يتبناه ويدافع عنه، بل ظل مجرد فكرة هلامية يناور بها البعض لمجرد التهويل والضغط.
في مقابل ذلك فإن المصادر اياها تؤكد ما يقال عن ان ليس لدى “حزب الله” وافرقاء 8 آذار قاطبة أي برنامج خاص أو “خطة ب” لمرحلة ما بعد 25 أيار، فلم يعد خافياً ان هذا الفريق أوكل منذ البداية ادارة ملف هذا الاستحقاق من ألفه الى يائه الى العماد ميشال عون كمرشح حصري، وعليه فمن البديهي، وفق المصادر نفسها، ان تكون حسابات ادارة مرحلة ما بعد 25 أيار معقودة اللواء بكل تفاصيلها وحيثياتها للعماد عون ايضاً.
وعلى رغم هذه المعادلة التي لم يتزحزح عنها كل مكونات فريق 8 آذار منذ بداية معركة الاستحقاق الرئاسي، فإن لدى الدوائر عينها تصوراً أولياً لمعالم المرحلة المقبلة وما يمكن أن يطرأ فيها أو يستجد عليها من معطيات، وينطوي هذا التصور على العناصر الآتية:
– ان “حملة التهويل” التي استخدمها البعض سيفاً مصلتاً ما لم يتم انتخاب رئيس جديد أو القبول بالتمديد كأهون الامور قد انطوت صفحتها، لا سيما بعدما استنفدت هذه الحملة اغراضها وتبين للمعنيين أنها غير ذي قيمة لا سيما ان الموضوع الذي تدور حوله مصيري وحساس ولا يمكن المراعاة فيه.
– ان قوى 8 آذار عموماً باتت على ثقة من ان فترة الفراغ الرئاسي لن تحمل معها أية مفاجآت أمنية أو سياسية دراماتيكية، خصوصاً ان جميع الاطراف يشاركون في ادارتها من خلال حكومة الرئيس تمام سلام.
– ان قوى 8 آذار تدرك كما سواها ان الانفتاح السعودي المتأخر على ايران والذي تمثل بتصريح وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، هو معطى مستجد ايجابي حرك المياه الراكدة في بركة سياسة المنطقة وعزز آمالاً كانت الى الامس القريب غائبة، وبالتالي هي ترى ان هذا المستجد لا بد من ان ينعكس عاجلاً أم آجلاً على موضوع الاستحقاق الرئاسي في لبنان لجهة ازالة العقبات الموضوعة امام اتمامه وانجازه، ولكن ثمة امرين يتصلان بهذا المستجد ويفرضان على الرهان عليه في وقت قريب، وهما:
– ان الحوار السعودي – الايراني اذا انطلق كما هو مفترض ولا سيما بعدما أمضى البعض سحابة زمن في رفضه، سيتناول الملف اللبناني بكل تفاصيله، من ضمن ملفات عدة تتباين الآراء بين الدولتين حولها الى درجة التصارع المزمن والمستجد، وبالتالي فليس ثمة مؤشرات توحي بأن فرضية عزل الملف اللبناني عن سواه ستصير أمراً واقعاً.
– ان حواراً من هذا النوع بين دولتين دخلتا في صراع مباشر وغير مباشر بين بعضهما البعض ومحطاته ممتدة ومتشعبة، يحتاج الى وقت لكي يصل الى مرحلة التفاهم الناجز حول كل ما هو متباين عليه من قضايا.
ان قوى 8 آذار ترصد بدقة الحركة الاميركية البعيدة نسبياً عن الاضواء حيال الاستحقاق الرئاسي، وتدرج في هذا السياق زيارة السفير الاميركي ديفيد هيل الاخيرة الى الرياض، وما يمكن ان تنطوي عليه من معطيات، وبالتالي ما زالت تبحث بدقة عن الفحوى الحقيقي لـ”الرسالة” الاميركية.
وبالطبع لا يفوت هذا الفريق الا يقف بتمعن وتفحص عند ابعاد الكلام المتصاعد عن ان واشنطن بدأت تتعامل بجدية وايجابية اكثر من اي وقت مضى مع مسألة ترشح العماد عون للرئاسة الاولى، انطلاقاً من جملة حسابات وقراءات. ولكن ما لا تخفيه اوساط هذا الفريق انها ما زالت على غير يقين تام من جوهر الموقف الاميركي ومدى “صموده”.
وهكذا فان قوى 8 آذار تتعامل مع المرحلة المقبلة من منطلقات ثلاثة:
الاول: انها خرجت من الاستحقاق الرئاسي وهي محافظة على تماسكها وعلى وحدتها، لا سيما انها تعاملت مع الاستحقاق من اساسه بلغة واحدة وبرؤية مشتركة.
الثاني: ان الأحداث والتطورات التي تتالى ظهورها خلال الأشهر الأربعة الماضية أثبتت صحة نظرها مبدئياً التي نادت بها منذ البداية وفحواها ان الطريق الى رئاسة مضمونة توصد الباب أمام الفراغ هو التوافق، وليس اي امر آخر فموازين القوى النيابية والسياسية لا تسمح اطلاقاً بوصول مرشح كرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
الثالث: ان الفراغ لا يقود بالضرورة الى احداث او تطورات ذات طبيعة كارثية او دراماتيكية، فما من شيء حصل الآن الا وحصل شبيه به في السابق.

السابق
ما يُقال… وما لا يُقال
التالي
كيف تحوّلت الرياض قبلة الإستحقاق الرئاسي؟