خسر حزبُ الله حربَه في سوريا 3: بات يقبل بما كان مستحيلا

السيد حسن و بشار الاسد
خسر حزب الله الحرب في سوريا حين رأيناه يستنجد بمن كان يهاجمهم بالأمس. رأيناه يقبل بما كان يعتبره من سابع المستحيلات. رأينا وزراءه ونوابه يهرعون في مجلس النواب إلى توزيع القبلات على من كانوا بالأمس زعراناً و"قادة محاور" وعملاء "معروف قديش ثمنهم"، رأينا الحزبَ المطواع يخضع طبيعياً للإرادة الإيرانية وتأثيرات الحوار مع من كان بالأمس "شيطاناً اكبر"، فعَلَ حزبُ الله كل هذا واكثر فيما جمهوره المحقون المشحون يدفع الثمن بأكثريته وبكل اسفٍ.. راضياً مَرْضياً!

في حرب تموز قامت قيامة حزب الله على وصف هذه الحرب بأنها كانت “مغامرة غير محسوبة” ثم جاء السيد حسن نصرالله بنفسه في 28 آب 2006 ليقول: “لو كنتُ أعلم”. إذ قال إنّه لم يكن يعلم أنّ حجم الردّ الإسارئيلي سيكون بهذ القسوة بعد اختطاف الجنديين الإسرائيليين في تموز

السيد حسن نصرالله

وبخسارته الرأي العام العربي الجارف خسر حزب الله حربه “المذهبية”. فبعدما كانت صور السيد نصرالله تُرفع في البيوت والساحات من المحيط العربي إلى الخليج العربي، صارت هذه الصور، مع أعلام حزب الله، تُحرَق في غير مكان من هذه المنطقة الشاسعة من العالم.

أضف إلى ذلك أنّ اللبنانيين الشيعة، وإن لم يكونوا فعلاً من انصار حزب الله، يتعرّضون لمضايقاتٍ وجودية في بلاد عربية كثيرة اهمها دول الخليج العربي التي لم تتأخر بطرد عائلاتٍ شيعية بأكملها. ما ينعكس ضغطاً إقتصادياً وإجتماعياً على الحزب الذي، على قاعدة “لا تكرهوا شيئاً علَّه خيراً لكم”، يستثمر يأس هؤلاء وانغلاق السبل في وجوههم لتجنيد بعض أبنائهم في حربٍ أقنعهم بأنّه إذا لم نذهب إليهم في عقر دارهم فهي ستأتي إليهم “ليذبحوننا في بيوتنا ومدننا والقرى”!

خسر حزب الله الحرب السورية (وهو بتدخله العلني وبهذه الطريقة رفعها عملياً إلى مرتبة الحرب الوجودية). خسرها لأنه برغم الأعداد الهائلة من القتلى الذين يسقطون كل يوم، ورغم كثافة النيران التي يملكها على خلاف ما تملكه المعارضة السورية. ورغم المؤازرة الجوية والبراميل التي يحرقُ فيها النظامُ الأخضرَ واليابس، رغم كل هذا لم يستطع السيطرة إلا على ارضٍ محروقة في هذه البقعة او تلك.

خسارة حزب الله في سوريا

يعلم الخبراء المتمرسون انه لو كانت المعارضة تملك ما يملكه الحزب وحليفه البعثي من كثافة نارية وهيمنة جوية لكان سقط النظام منذ امدٍ بعيد.. هذه “الخسارة” السورية التي – إلى قوافل النعوش المخيفة – ورغم توزيع البقلاوة في هذه المناسبة او تلك، داخل مناطق نفوذ “حزب الله”، بهدف امتصاص نقمة وتساؤلاتٍ متواترة إلا أنّها وضعت حزب الله وجمهوره في مكان شديد التعقيد. إذ لن يجد امامه بعد اليوم ملجأً إلا البحر او.. “اصبع الجليل” الذي وعد السيد بتحريره يوماً ما. وهناك من قعد منتشياً.. ينتظر!

خسر حزب الله الحرب لأنه اساساً لا يمكن ان يكون رابحاً والسبب – كما اسلفنا الذكر – ان لا إستقلالية لديه. فهو جزء لا يتجزأ من مشروع ولاية الفقيه، تُشرف على كل امرٍ فيه من الشؤون العسكرية والأمنية وحتى المجتمعية لجانٌ إيرانية إيديولوجية متخصصة تأخذ في الحسبان كل حركة وكل شاردة وواردة وتسهر على “ثقافة” غريبة كل الغرابة عن النسيج اللبناني وهذا ما يلاحظه اللبنانيون بشكل عام والشيعة منهم على وجه الخصوص.

نعم، يحق لهذا الفرد او ذاك ان يحب رمزاً، ان “يقدسه” إذا شاء، لكن العجبَ ان هذا الجمهور يُثقلُ عاتق رمزه المعبود بالمسؤوليات ويربط مصيره كلياً بمصيره القائد، إلى درجة ان هذا الأخير لو قال لهم “لو كنتُ اعلم”، اجابوه “لبيك لبيك، ولو خضتَ البحرَ خضناه”.

الوضع شديدَ السوء، وقد استشعره الحزب استشعار اليقين فحين وصل الإنتحاريون إلى عقر داره، وبعدما كان يرفع الأصبع تهديداً ووعيداً بقطع الأيادي والرؤوس، رأيناه يستنجد بمن كان يهاجمهم بالأمس. رأيناه يقبل بما كان يعتبره من سابع المستحيلات. رأينا وزراءه ونوابه يهرعون في مجلس النواب إلى توزيع القبلات على من كانوا بالأمس زعراناً و”قادة محاور” وعملاء “معروف قديش ثمنهم”، رأينا الحزبَ المطواع يخضع طبيعياً للإرادة الإيرانية وتأثيرات الحوار مع من كان بالأمس “شيطاناً اكبر”، فعَلَ حزبُ الله كل هذا واكثر فيما جمهوره المحقون المشحون يدفع الثمن بأكثريته وبكل اسفٍ.. راضياً مَرْضياً!

السابق
غاتيلوف: لا أتوقع استئناف محادثات السلام السورية قبل تموز
التالي
سليمان سيداوم نهاراً في بعبدا وليلاً في منزله