أحمد الأسعد (1): هكذا خرب بيوت مئات العائلات الشيعية

احمد الاسعد
يفتح موقع "جنوبية" اليوم ملف العائلات السياسية التاريخية، التي توصف بـ"الإقطاعية"، في جنوب لبنان. أين كانت وأين أصبحت. من عسيران إلى الخليل ودرويش والزين وصولا إلى الأسعد وغيرها. نبدأ بحلقتين عن أحمد الأسعد، الأولى اليوم تروي كيف "خرب" بيوت مئات العائلات وشرّدها، وكيف قضى على مستقبل طلاب جامعيين، وكيف جاء بأموال سعودية بحجّة "دعم مشاريع اجتماعية وتعليمية وطبية تؤدّي إلى قيام خيار شيعي آخر"، وانتهت بمشاريع استثمارية تجارية خاصّة، من شراء أراض في بعبدا وتعمير بنايات في الحازمية وشراء فيلل في الجنوب وتنّورين وأوروبا قريبا.

قبل عام ونصف العام تقريبا، كان شاب جنوبي (رفض نشر اسمه)، عشريني ابن بلدة جنوبية، يكمل سنته الدراسية الثالثة في إيطاليا. كان على وشك التخرّج كمهندس من جامعة إيطالية. لكنّ والده الذي يعيش في “الضيعة، حيث افتتح “البيك” أحمد الأسعد بيته السياسي قبل سنوات، طلب منه العودة إلى لبنان نزولا عند رغبة أحمد الذي قال له: “نعلّمه في أحسن جامعة هنا ويبقى قربك”. ففرح الرجل الخمسيني، الأسعديّ العتيق، واتصل بابنه. وما هي إلا أسابيع حتّى حطّ الشاب في بيروت.

المشكلة كانت أنّ الجامعة الخاصّة في الكسليك لم تعادل سنواته الثلاث. فاضطرّ أن يبدأ من السنة الأولى مجددا. وهكذا كان. لكنّه بعد أشهر تلقّى اتصالا من “الستّ عبير” تطلب منه المجيء إلى “المركز”، أي مكتب “الإنتماء اللبناني”، هو وزملاؤه، كي “يخضع” لمقابلة مصوّرة يشكر فيها “البيك” لأنّه “يعلّم الشباب”.

عزّة نفس الشاب، ونخوته العاملية لم تسمحا له بذلك. فرفض ابن الجنوب الابتزاز السياسي: “نحن لم نأخذ المنحة بشروط سياسية”، قال لها. وهو يعرف أنّ “الستّ عبير” هي زوجة “البيك”. وأضاف: “لم أكن أخاف من السياسة لكن لم أجد أنّه من المناسب أن يعرف زملائي أنني لم أكن أملك بدل القسط ويدفعه لي رجل سياسي”، قال بأسى لـ”جنوبية”.

كان موقفا سيُسجّل لابن جنوبيّ طوال حياته. والأكثر أسفا: سيغيّر حياته. فـ”الستّ عبير” قالت له إنّه “مجبور وإلا سنوقف المنحة”. فردّ عليها: “وإن يكن، لا أريد المنحة إذا”. وفعلا توقّفت المنحة. وترك الجامعة. وهو يعمل حاليا في مهنة “ما دون الهندسة” التي كان يحلم بها وأمضى خمس سنوات من حياته بين إيطاليا وبيروت يلاحق طيفها.

في اتصال مع الشاب روى الأمر بطريقة مختلفة: “لم تكن الستّ عبير تعرف نوعية العلاقة بين بيتنا وبين البيك. وبعدما حصل اتّصل أحمد بيك واعتذر، لكنّني ما عدت أريد المنحة وقد تركت الجامعة وبقيت علاقتنا جيّدة به”.

والده لا ينفي ما جرى، لكنّه يؤكّد: “نحن أولاد أصل ولا نحكي بالعاطل عن أحمد بيك. حصل سوء تفاهم. لكن لا كلام بيننا منذ ذلك الحين. ويبقى أحمد الأسعد من أفضل السياسيين في لبنان وهو يعلّم كثيرين غير ابني… والله يوفّقه”.

هي نفسها، نخوة الابن الجنوبية، نجدها على لسان الأب . رغم أنّ ما جرى حوّل ابنه من “مهندس” إلى “عامل” خسر حلمه الدراسي والمهني، إلا أنّه يجدّد التأكيد: “لن نعضّ اليد التي امتدّت لتساعدنا. والله يسامح الي كان السبب”.

هذه الرواية يعرفها كلّ من يعرف العائلة، التي كانت “اليد القوية” لأحمد الأسعد في اختراق المجلس البلدي، قبل أن يقفل بيته في القرية ويغادر. لكنّ “التصوير” و”شكر البيك” أبدى من مستقبل الشاب.

ولمن لا يعرف فأحمد الأسعد هو نجل رئيس مجلس النواب سابقا كامل الأسعد. وقد نعته والده الراحل بأنّه “ابن عاق” في مقابلة تلفزيونية. ووالده هو الرجل الذي كان من أعمدة الجنوب لا تزال قاعدته الأسعدية ثابتة على مواقف جنوبية، وترفض الانخراط في المشروع الفارسي الإيراني المسلّح في الجنوب. تقف مع المقاومة الحقيقية وضدّ تجّار المقاومة. تماما كما أنّ جزءا كبيرا منها لم يستسِغ الوقوف إلى جانب أحمد الأسعد، نظرا إلى أنّه لا يمثّل مطالبهم ولأنّه “يتاجر بهم” ويستغلّهم.

يروي أحد الذين كانوا مقرّبين من كامل الأسعد أنّه في مقابلة مع أحمد الأسعد في أوائل التسعينيّات بجريدة “الشراع” قال التالي: “ولّى عهد الإقطاع ولا لاتفاق 17 أيّار”. أي أنّه كان يتقرّب من “حزب الله” والنظام السوري. ويضيف المقرّب الذي ابتعد مؤخرا: أحمد الأسعد كان يقصد والده بالحديث عن 17 أيّار، وكان يتغزّل بـ”المقاومة”.

وابتعد كثيرون عنه لأنّه جاء بأموال “سياسية” باسمهم من المملكة العربية السعودية، وصرفها على شراء عقارات وشقق وأراض وبناء مشاريع تجارية (التفاصيل في الحلقة الثانية غدا). وكان كلّما سأل أحد مناصريه وداعميه عن المستوصفات والتعليم والمشاريع الاجتماعية، لا يجدون جوابا إلا المباني التي بدأت ترتفع ونزواته التي بدأت تتكاثر. فاستقال كثيرون، وبقيت قلّة قليلة. فمن رأوا فيه “رجلا عنيدا وسيواجه” اكتشفوا أنّه “يتاجر بأحلامهم”.

للأمانة أحمد الأسعد لا شكّ أنّه خاض معركة سياسية حقيقية في انتخابات العام 2009 النيابية في الجنوب. وتعرّض لمضايقات وأحرق خصومه سيّارات مناصريه. وكان يتّهم “حزب الله” وحركة “أمل”. لكنّه كان أكثر من أضرّ بصورة الأسعديين خصوصا وبصورة المعارضين الشيعة والجنوبيين لحزب الله عموما. إذ أنّه تركهم “بنصّ البير”. وبعدما وعد بعضهم بوظائف ثابتة وبطاقات صحيّة وبمنح تعليمية لأولادهم، وبعدما ناصره كثيرون إيمانا منهم بنزاهته ورفعته وترفّعه عن المال والحسابات الشخصية، تبيّن أنّه أخذ الأموال السعودية واحتفظ بها لنفسه. فبعد الانتخابات أوقف العمل بالبطاقات الصحيّة والمنح التعليمية. فتركه كثيرون، معظمهم ممن كانوا إلى جانبه يبحثون عن بديل، لأنّهم رأوا فيه “الانتهازي” وليس “الزعيم” كما يظنّ نفسه. ومن كانوا يعتقدون أنّه سيكون بديلا لـ”حزب الله” وحركة “أمل” اكتشفوا أنه وجه آخر للعملة نفسها.

إذا هو الرجل الذي “قبض” مالا سياسيا كان والده رفض أن يقبله طوال حياته. وأحمد الأسعد خان إرث عزّة النفس الأسعدية، و”لعب” مرّة أخرى بهذا الإرث حين “مكر” بالقاعدة الأسعدية وبالمخذولين والمقموعين من الثنائية الشيعية والباحثين عن غدٍ أفضل وعن نافذة ضوء خارج “حزب الله” وحركة “أمل”. أولئك الذين لم يكن أمامهم “مخلّص” غيره، فوجد معظمهم أنفسَهم على قارعة السياسة بلا مخلّص.

للأمانة وللتاريخ، لخصوم آل الأسعد ومناصريهم، لم يقبض كامل الأسعد فلسا واحدا، طوال حياته، من أحد، كما يقول من عايشوه. وفي أيّامه الأخيرة باع الأراضي التي ورثها عن أجداده، ليقي منزله شرّ العَوَز. فيما فتح أحمد بازار المال السياسي، بل وبازار المال فقط، كما معظم تجّار السياسة في الجنوب، من محتكري التحدّث باسم “المحرومين”… ولم يدخل هذا المال إلى الآلة السياسية الأسعدية بل أدخله إلى جيبه الخاصّ فقط.

هو معارض لحزب الله طبعا. لكنّه أكثر من أساء إلى سمعة خصوم “حزب الله”. ففي حين هناك معارضون لا يملكون ثمن الخبز ويضيّق عليهم الحزب في الوظائف والأعمال الحرّة والسكن وحياتهم اليومية، ويضيّق عليهم اجتماعيا في الجنوب… كان أحمد الأسعد يتنّعم بعشرات ملايين الدولارات التي قبضها “على ظهور” الجنوبيين ممن هم ضدّ المشروع الإيراني. وكان يسكن في الحازمية، بعيدا عن قلق الاعتراض الجنوبي والمضايقات والتهديدات التي يتعرّض لها المعترضون الجنوبيون في بيوتهم.

لكنّ إعلام “المستقبل” والإعلام الذي يدور في الفلك السعودي، والإعلام “المأجور” أحيانا، ساهم في إنشاء صورة مضخّمة عن أحمد الأسعد، وصورة غير حقيقية. ذلك أنّه لا ينطق باسم أكثر من بضع مئات. وهو ليس الممثل الحقيقي للاعتراض الشيعي.

ختاما، ومنعا للتأويل، فإنّه لا فارق بين أحمد الأسعد وابني عمّه اللذين يشبهانه، المقاول الجنبلاطيّ الرياضيّ، و”المحامي المقاوم” المعنيّ، فكلّهم في خيانة التراث الأسعديّ، جنوبُ.

غدا حلقة ثانية بعنوان “هكذا صرف الأموال السعودية على ملذّاته”

السابق
القيادة الفلسطينية تهدد بوقف التنسيق الامني مع اسرائيل
التالي
لهذه الاسباب لن ينسحب حزب الله من سورية