مصر تضبط مساجدها الـ100 ألف والخطباء تحت الإشراف

في خطبته الأسبوعية، تكلم رجل الدين المسلم علي عبد المعطى على شرور إصدار أحكام متسرعة. وقد شكّل ذلك موضع شكوى رفعها ضده قاض، متهما اياه بانتقاد حكم قضائي يقضي بإعدام جماعي لأنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي. وبعد أيام، فُصِل عبد المعطى من مسجده في أسيوط، واستُبدِل بآخر، ووضعته وزارة الاوقاف رهن التحقيق.

في كل أنحاء البلاد، تشدد السلطات المصرية رقابتها على المساجد، “مطهرة” صفوف الدعاة، وساعية الى السيطرة على خطبهم… وقد تم منع نحو 12 الف داعية عن الخطابة، في وقت حددت وزارة الأوقاف الدينية مبادئ توجيهية صارمة للخطب. وكل من يخرج عنها في اكثر من 100 الف مسجد في مصر، يواجه خطر الإبعاد.
الهدف، كما يشرح مسؤولون، هو منع المساجد عن نشر التطرف، وان تصبح منبرا للجماعات السياسية، وذلك بعد انتقادات واسعة لاستخدام “جماعة الإخوان المسلمين” وحلفائها المحافظين المساجد لحشد الدعم وتجنيد أتباع جدد واستمالة الناخبين. “الهدف هو منع المساجد من خدمة “أجندات” الأحزاب السياسية أو استخدامها كآلة دعاية لأي من الايديولوجيات، اكانت مع الحكومة أم لا”، يقول مدير “المساجد الكبرى” في الاوقاف الشيخ أحمد ترك. “اليوم ندفع بدعاتنا الخاصين ورجال الدين الى اعطاء الناس العاديين رسالة لا سياسية”.
من جهته، يقول عبد المعطى انه ليس من انصار مرسي، مشيرا الى انه كان ينتقده في خطبه، ويقول عنه انه حوّل نفسه فرعونا بالقرارات التي كان يتخذها، وأن “الإخوان” تقسّم المصريين. يوم زار مرسي أسيوط، وكان لا يزال رئيسا، استُبدِل عبد المعطى بآخر، على قوله، بسبب انتقاداته تلك.
غير ان احد مسؤولي الأوقاف يفيد بأن القاضي شكا عبد المعطى “لتدخله في شؤون قضائية”، مدعيا أنه انتقد في خطبته، في شكل مباشر، حكم محكمة المنيا الذي قضى باعدام مئات من أنصار مرسي. وهو امر ينفيه كليا عبد المعطى الذي يقول انه لم يأت على ذكر الحكم أو المحاكم اطلاقا، وانه حذّر فقط من “إصدار أحكام متسرعة، لأنها قد تؤدي إلى إراقة الدماء”.
ما يعتقده هو ان القاضي لم يكن حتى حاضرا ساعة الخطبة، وقد بلغته اقواله من آخرين. “بسبب الانقسام العميق اليوم، يمكن استخدام أي كلمة ضد أي كان، بسبب حساسية الفريقين المتنافسين المفرطة”، يقول.
هذه الحملة يقودها وزير الأوقاف الجديد محمد مختار جمعة، الذي تعهد ضمان نقل المساجد لرسالة الأزهر الذي يروّج لنفسه على أنه صوت الاعتدال… غير انه ليس واضحا ما اذا كانت الحكومة قادرة على السيطرة تماما على هذا العدد الكبير من المساجد، نظرا الى الوصول المحدود احيانا للدولة اليها. ورغم ذلك، فان تحركات الوزير كانت شاملة.
في أول قرار له، قال انه ألغى تراخيص كل رجال الدين والدعاة، وأجبرهم على التقدم بطلبات جديدة، متيحا للوزارة التدقيق فيها. وفي ضوئها، الغيت نحو 12 الف رخصة، في وقت رُخِّص لاكثر من 80 الفا، بينهم نحو 55 الفا من العاملين في الوزارة. والباقون هم من رجال الدين “الأزهر” المدربين.
كذلك، حظّر جمعة إقامة صلاة الجمعة في آلاف المساجد الصغيرة وغير المنظمة، والمعروفة بـ “الزوايا”… والتي غالبا ما شكلت أرضا خصبة لدعاة من الإخوان أو السلفيين. الشهر الماضي، أعلن جمعة خططا لوضع كل الزوايا تحت سيطرة الدولة.
من جهة اخرى، اعلنت الوزارة عبر موقعها الالكتروني الخطوط العريضة لخطب الجمعة الأسبوعية. وهي تعمد الى تعيين موضوع رئيسي اسبوعي، والآيات القرآنية التي ستناقش والمواضيع الفرعية التي يمكن الواعظ استخدامها لتطوير الموضوع الرئيسي. وقد شملت المواضيع الأخيرة البيئة ودور الشباب ومساعدة أولاد الشوارع والتعامل مع الإدمان. ويواجه منتهكو المبادئ التوجيهية العقاب، بما في ذلك التعليق عن العمل.
الخطباء السلفيون أُسكِتوا في شكل كبير، كذلك أُغلقت شبكات التلفزيون السلفية. وكان رجال دين سلفيون كبار ذوي شعبية كبيرة بين الرافضين لتصاريح الوعظ الجديدة، منهم رئيس “الجمعية الشرعية” محمد مختار المهدي. وافاد المتحدث باسم الجمعية حامد أحمد ان الجمعية التي تدير نحو 5 آلاف مسجد، توصلت الى اتفاق مع الوزارة تُعيِّن بموجبه دعاتها الخاصين، على ان يكونوا تحت الاشراف، لضمان التزامهم المبادئ التوجيهية للوزارة.
لبعضهم، هذه السياسة جيدة، وتكبح جماح المساجد التي تطلق منها “الإخوان” احتجاجاتها. غير ان محمد حسن الذي جاء ليصلي مع ابنيه، لم يكن موافقا. “هذه السياسة ترمي الى جعل كل الناس يفكرون بالطريقة عينها، وفقا للسلطة الحاكمة”.
في حي المعادي الراقي في القاهرة، كانت هالة صلاح غاضبة من خطبة عن الوحدة، ألقاها مسؤول كبير في الأوقاف في مسجد “الريان” الذي ترتاده، والذي شكّل طويلا مركزا لانصار السلفيين و”الإخوان”، وجذب دعاة سلفيين بارزين. “على رجل الدين ان يتكلم عن حالة الأمة. لا يمكن الانفصال كليا عن المحيط، ولا يمكن القول لي الا اكون مختلفة، كي اتوافق مع السلطة الحاكمة”. من ثم ذهبت للانضمام إلى احتجاج للإخوان على مقربة.
ملقي الخطبة، محمد الكيلاني، قال انه عرف استقبالات اكثر قسوة. في ك1 الماضي، رافق رجل دين من الأوقاف الى مسجد “العزيز بالله” في المنطقة القديمة في القاهرة، والذي يديره الإخوان. يومذاك تجمهر إسلاميون حول الرجل، هاتفين: “خائن”، رافعين أحذيتهم في وجهه، علامة ازدراء، ونزع شخص العمامة عن رأسه. بالنسبة اليه، “كانت مفاجأة. لم أكن أتوقع ان يتصرف الناس بهذه الطريقة داخل بيت الله”.

السابق
أوباما يلتقي الجربا في واشنطن والسلاح يغيب عن المباحثات
التالي
’التنسيق’: يوم الغضب.. السلسلة أو لا امتحانات