سوسيولوجيا الجمهور السياسي في لبنان

نال الباحث الشيخ حسن المحمود شهادة الدكتوراه اللبنانية في العلوم الاجتماعية بدرجة “جيد” من معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ، وكان عنوان الرسالة: “سوسيولوجيا الجمهور السياسي في لبنان: دينامية التحولات الفكرية والسياسية”. وتركزت الدراسة على الانتخابات النيابية عام 2009، وقد تشكلت لجنة المناقشة من الدكتور سميح دغيم رئيسا ومشرفا والدكاترة الاعضاء: سليمان الديراني ورشيد شقير ويوسف كفروني وشوكت اشتي.

وقد تضمنت الدراسة عدة فصول ومن ابرز النقاط التي اثارتها وتحدث عنها الباحث في مداخلة النقاش :

أن درس “الجمهور” سوسيولوجياً، وتعيين وظيفته وموقعه ودوره، وتناول سكونه وديناميته، فكرياً وسياسياً، ليس ممكناً خارج مرجعيته الاجتماعية ونظامه المعرفي ونسقه السياسي، ودون ترابط بين أطرافه ومستوياته، وظروفه وأوضاعه، فبدون ذلك سوف لن نتمكن من فهم خارطة بنائه وإدراك إوالات حراكه، وأسباب نشأته وتطوره، واستيعاب قيمه ومعارفه.

كما أن القضايا التي يتناولها البحث في آن سابق، كما يقول دركايم “تحتمل إدخال بعض التعديل عليها في المستقبل، ذلك أن هذه الصيغ لما كانت ملخصاً لتجربة شخصية محدودة بطبيعتها كان من الضروري أن تتطور كلما أصبحت تجاربنا عن الحقيقة الاجتماعية أوسع مدى وأعمق غوراً. أضف إلى ذلك أن المرء لا يستطيع من جهة أخرى أن يصل فيما يتعلق بالمنهج إلا إلى بعض النتائج المؤقتة، وذلك لأن المناهج تتغير كلما تقدم العلم”.

ولذا، ليس ثمة قيمة علمية نهائية للآراء التي يتمكّن المرء أن يكّونها لنفسه فيما مضى عن ظاهرة، فعليه الاستعداد دائماً كلما وجد ذلك سليما ان يتخلى عنها وطرحها جانباً؛ لاحتمال أنها لم تنشأ بطريقة علمية سليمة ولم تلق النقد الكافي.

عندما وقع اختياري لموضوع الجمهور لم يكن ثمة ما يشير بحيث يخطر في بالي أو في بال أحد أن ثورات جماهيرية سوف تشهدها نظم سياسيّة عربية ــ لطالما وصفت بالـ”حديديّة”، وإعادة إنتاج وعي جماهيري جديد، سواء في ما يتعلّق بتكوين السلطة واكتساب المشروعيّة، أو بالزعامة الأحاديّة (القيادة التاريخية)، أو بعلاقة الأنا الكيانيّة، الثقافيّة أو السياسيّة، بالآخر، وما إلى ذلك. وقد شاء القدر أن تقع الثورات والانتفاضات الجماهيرية العربية العارمة بعد سنتين من اختياري هذا الموضوع، رغم أن اختياره أتى على وقع ما كان يجري من حراك جماهيري في لبنان بين فرقاء الصراع السياسي الداخلي 8 آذار و14آذار بعد اغتيال الرئيس الحريري. ولكن ما حدث من انتفاضات جماهيرية وتطورات في العالم العربي ربما كان من المصادفات الهامة بالنسبة لي؛ إذ أسهمت هذه التطورات إلى حدّ كبير في تجسيد واقع الجمهور ضمن أطر مرجعيّة محددة، وفهم نظمه المعرفية المتنوعة وأنساقه السياسية المختلفة، ما يتيح تناوله بالدرس بمنهج إيقاعي تكاملي، يراعي مستوياته المتفاوتة وأطرافه العديدة وظروفهالمختلفة. وأضاف الباحث: لقد ترأس هذا الحراك جيل من الشباب الحداثوي المتأهب، الساخط على الأوضاع القائمة، والذي يشكل أكثر من ثلث سكان تلك الدول، والملم بأدوات التواصل الحديثة، مثل: الإنترنت والرسائل النصية والإعلام.

كما شارك هذه الجماهير وانضم إليها قوى رئيسية أخرى، هي: الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، والقوى العمالية والمهنية، وقوى ذات أرضية طائفية وقبلية ومناطقية.

إنّ واقع الجماهير العربية الثائرة لا يختلف في شيء عن واقع الجماهير في لبنان، باستثناء هامش الحرية الواسع في لبنان، وتراجع دور الدولة الأمني القمعي فيه لصالح سلطة طوائف أو قوى ذات امتداد وتمثيل طائفي.

إن للجمهور في المجتمع المعاصر، كما يقول ستيفن كولمان في كتابه”الإعلام والجمهور”: “وجود في كل مكان، لكنّه وجود غير مرئي” يمكن أن يتحوّل إلى جمهور مرئي. وهذا ممكن تحققه من خلال استطلاعات الرأي العامّة والانتخابات المباشرة. وفي إطار هذه الرؤية يأتي اختيار موضوع الجمهور السياسي في لبنان والإشكالية التي يراد الإجابة عنها ضمن إطار مرجعية عبر التساؤل عن واقع الجمهور السياسي ودوره في إنتاج السلطة السياسيّة، والعوامل المؤثّرة في تحديد تصوّراته السياسيّة، وفي اتّخاذ مواقفه وإصدار أحكامه وتوجيه حراكه إزاء القضايا والتحدّيات السياسيّة، المحليّة والاستراتيجيّة، التي يواجهها ويتعامل معها ؟.

سوسيولوجياً، للإجابة عن الإشكالية، لا مفر من درس الجمهور الانتخابي اللبناني المتنوع، من خلال تناول نظمه المعرفيّة الخاصّة ونسقه السياسي، في أطرافه الأساسيّة ومستوياته، وظروفه وأوضاعه، كي نتمكن من فهم ديناميات تحولّه، وأسباب نشأته وتطوره، والتعمق في قيمه ومعارفه.

وقد تضمنت الدراسة في القسم الأول الفصول التالية: الفصل الأول: الجمهور السياسي: حقل مفاهيمي، محوره التعريف بالجمهور وخصائصه وتصنيفاته والمصطلحات الرديفة.

الفصل الثاني: سوسيولوجيا الجمهور السياسي، ويتمحور حول نشأة سوسيولوجيا الجمهور وشروط انبثاق الظاهرة عامة وفي لبنان خاصة .

الفصل الثالث: جدلية الأنا والآخر: سوسيولوجيا التنوع والاختلاف، ويتمحور حول إشكالية التنوع الإنساني، وأشكال الصراعات الجماهيرية، وآليات إنتاج صورة الآخر، والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في ذلك، ومستوى تفاعل الجماهير.

الفصل الرابع: أيديولوجيا الجمهور السياسي ومسألة التحول الفكري والسياسي، ويتمحور حول الأيديولوجيا وإشكالية مشروعية السلطة ووعي الجمهور إزاءها، والأدوات الأيديولوجيا أو وأنماطها (السياسية والدينية والإعلامية)

أمّاالقسم الثاني، فقد خصّص للدراسة الحقليّة، وتحديداً الانتخابات عام 2009، وصورة الجمهور السياسي اللبناني كناخب، وتضمن الفصول التالية:

الفصل الأول: الانتخابات النيابية في لبنان، ويتمحور حول مفهوم الانتخابات، والنظم الانتخابية، منذ عهد المتصرفية والتحولات الانتخابية المرافقة

الفصل الثاني: مقومات التنافس الانتخابي في لبنان وآليات تحريك الجمهور الانتخابي، ومستوى تأثير كل من (الطائفية، والزعامة، والأحزاب، والتحالفات، والماكينات، والبرامج، والإغراء المالي).

الفصل الثالث: سوسيولوجيا الخطاب الانتخابي في لبنان ويتمحور حول خطاب الموالاة والمعارضة والخطاب الديني والإعلامي وتضخمه، ومستوى تفاعل الجمهور.

الفصل الرابع: الانتخابات النيابيّة ومستويات التفاعل الفكري والسياسي لدى الجمهور، وخصص هذا الفصل لقراءة نتائج انتخابات العام 2009 ومقارنتها بسابقاتها، لا سيما انتخابات العام 2005، وسلوك الناخبين ونسب المشاركة في الاقتراع والامتناع ودلالتهما، وأحجام القوى.

وانتهت الأطروحة بخاتمة جاء فيها: كما ورد في الفرضية إلى أنّ الذي يتحكّم بسلوك الجمهور السياسي في لبنان، ويحدّد تصرّفاته، ويبني مواقفه، أساساً، هو الخصوصيّات، الطائفيّة والمذهبيّة، والولاءات السياسيّة. وتمثّل الزعامة السياسيّة نقطة الارتكاز في حراك الجماهير، ووجهة مسارها، وتكوين مزاجها. وما زال دور الجماهير محدوداً في إنتاج السلطة، فهو ينتهي بانتهاء العمليّة الانتخابيّة التي يمارسها دورياً كلّ أربع سنوات، دون أن يعني ذلك بحال أنّ الجماهير مسلوبةالإرادة، ومغلوب على أمرها، فهي صاحبة قرار في اختيار ممثّليها وقادتها.

لكن مشروط بتفعيل دور الجماهير واصلاح النظام السياسي اللبناني.

 

السابق
كلاب اللبنانيين
التالي
حرب وعودة وقعا اتفاق دفع فواتير الهاتف الثابت والانترنت وDSL ببطاقات الائتمان