’بوكو حرام’ والعبودية

منذ أيام شهدت إحدى مقاطعات نيجيريا، الشمالية الغربية، جريمة فريدة من نوعها: 234 تلميذة تتراوح أعمارهن بين الخامسة والثمانية عشر، لجأن إلى ولاية غير ولايتهن لخوض إمتحانات رسمية، بعدما أحرقت مدرستهن الأصلية على منظمة “بوكو حرام”، ذات الصلة بتنظيم “القاعدة”، يُخطفن على يد التنظيم نفسه. بعيد وقوع العملية، يظهر “زعيم بوكو حرام”، “الإمام أبو بكر شيكة”، في شريط فيديو يعلن فيه عن “أهداف” العملية. مقدمة الفيديو لا تدعو للشك؛ بسْملة، واسم “أهل السنة والدعوة والجهاد”، وخطاب لبن لادن مع لوغو علم “القاعدة” الأسود فوق قرآن ورشاشين كلاشينكوف (بدل السَيفين)، ورجال يكبّرون وهم حاملين السلاح، وصهيل أحصنة وإطلاق رصاص وخطاب طويل عن “الجهاد والإسلام”؛ وأخيراً الإمام الزعيم يعلن، وهو يحكّ بعصبية فخذه ورأسه، “أنا الذي خطفت البنات”، حاملاً سلاحاً وذخيرة، محاطاً بآليات عسكرية ورجال مسلحين ومقنعين، لاعناً المدرسة وتعليم البنات الذي هو “حرام”… ثم يتابع مهدداً، بلا مواربة، بأنه سوف يغرق نيجيريا في “الدم المسيحي ودم الكفار المسلمين”، الذين يعترضون على نهجه؛ ذلك أن الله هو الذي أمره بالقيام بهذه المهمة المقدسة، أمره بأن يقتل ويقتل المزيد من المسيحيين والكفار، مذكرا بأن له حلفاء وقواعد “غير عربية”، في أفغانستان ومالي وباكستان واليمن (“اليمن غير عربية”، جهل يعتز به بعلم الجغرافيا الغربي الكافر)، وبأن حربه الكونية هي ضد الديموقراطية وحقوق الإنسان والدساتير…
ولكن الأهم من كل هذا الكلام الذي سبق وسمعناه، تلك الجملة المجلْجلة التي قالها “الإمام” المجاهد، بكل فخر: هو خطف البنات من أجل بيعهن في “سوق العبيد”، بسعر زهيد، عشر دولارات على الواحدة، لمن أراد أن يتزوج أو يستمتع أو يُخدم، مؤكداً “ان العبودية موجودة في الإسلام، بخلاف ما يدعيه المنتقدون. وان الرسول محمد استعبد أسرى حرب بدر”. أي ان جهاده تجاوز حدوده المألوفة من إقامة خلافة وتطبيق حدود الشريعة وإعادة النساء إلى الحريم، وصار يرنو نحو استعادة نقاوة العبودية الأولى، المقدسة بزعمه.
باستثناء تمْتمات بسيطة للأزهر، لم ينل من هذا الهدف الجهادي الجديد أي طرف عربي رسمي أو شبه رسمي أو شعبي، لم يستنكرها ولم يستنكر الجريمة التي تبررها، إلا جهات غربية. باراك أوباما، دافيد كاميرون، فرنسوا هولاند، كانوا السباقين في الرد على العملية التي تعيد البشرية الى عصور متوحشة، اعتقدت انها ولّت. أوباما خصوصاً، أوباما الذي يحمل نقيصة جينية لا فكاك منها: انه من سلالة العبيد أو جزء منه، وانه أب لإبنتين… هول أوباما صادق بالتأكيد، إذ يطال هويتيه البشرية نفسها.
أما في ديارنا، فلا شيء غير الصمت، اللامبالاة. مع ان القضية هي من صميم يومياتنا. فالجهاديون على أبوابنا، وهديرهم يصل آذاننا، ولم نر عن ممارستهم حتى الآن غير ما يقترب من جماعة “بوكو حرام” النيجيرية. قبلهم الجهاديون الجزائريون خطفوا النساء وسخروهن لأغراض الجنس والخدمة اليومية. ولكنهم لم “ينظِّروا” لإستعبادهم هذا، ولا افتخروا، ولا تشدقوا، ولا استندوا علناً إلى آيات أو أحاديث أو سِنَن على الرسول، تدعم جهادهم من أجل العبودية الجنسية. حسنا، الجهاديون صامتون بهذا الخصوص. ماذا عن الإسلاميين الآخرين؟ أولئك الذين يحرصون على تبيان مدى تناغمهم مع العصر، أولئك الإسلاميون غير العنيفين، الوسطيون، الإصلاحيون…؟ أم أنهم ذابوا في الفضاء الجهادي الفكري؟
تراهم يقيمون الدنيا ولا يقعدوها بتظاهرات صاخبة غاضبة، وأعمال شغب، وفعاليات، للدفاع عن الحجاب في الغرب، أو عن كرامة الرسول، أو أي “خدش” بالمشاعر الدينية…. فيما هم صامتون نائمون لا يسمعون، ولا يخدشهم قول زعيم إحد فروع “القاعدة” في العالم، من ان نظام العبودية هو من شرائع الإسلام، يأتي بموازاة إستعادة حاكمية الله. بعد ذلك يبكون على صورة الإسلام أو على الإسلاموفوبيا (رُهاب الإسلام والمسلمين)، ويقولون أسوأ ما يمكن ان يقال بحق الشعوب أو العقليات أو الأديان المختلفة. هؤلاء المدافعين عن الإسلام، أكانوا إسلاميين، أم دعاة “حوار أديان”، أم مجرد مؤمنين يحبون دينهم ويحبون سيرة نبيهم، عليهم ان يرتفعوا الى مستوى التحدي الذي رماه الإمام النيجيري بوجههم، بدل ان يتغافلوا. عليهم ان يستبقوا حلول فلسفة العبودية الجنسية في الفكر الجهادي المشرقي، الذي يقاتل الآن الطاغوت. وبداية التفكير في الموضوع تقع عند محاولة الإجابة على الأسئلة التالية: هل تعليم البنات حرام؟ هل جريمة خطف التلميذات النيجيريات جائزة شرعاً، لا أخلاقيا أو إنسانياً؟ ثم، هل يجيز الإسلام العبودية؟ هل يدخل ذلك ضمن تجربته التاريخية أو ضمن عقيدته الإيمانية؟
السابق
فراغ دستوري أم فراغ لا دستور له؟
التالي
روسيا وإيران و’القاعدة’