هل فُرص الجميّل الرئاسيّة أكبر من فرص جعجع؟

لا يختلف إثنان أنّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ليس مرشّحاً وفاقياً ولا توافقياً ولا حيادياً ولا وسطياً، إلى ما هناك من عبارات اللون الرمادي وحتى اللالون. لكن هل صحيح أنّ أسماء أخرى، ومنها الرئيس السابق أمين الجميّل على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن تلعب هذا الدور؟

مؤيّدو ترشيح الجميّل، لا سيّما ضمن حزب “الكتائب اللبنانيّة” مُقتنعون، أو هكذا يُوحون، أنّ فرص رئيس الجمهورية السابق كبيرة، لأنّ لا “فيتو” عليه من “حزب الله” كما على غيره من المرشّحين، ولأنّه يتمتّع بعلاقة طيّبة مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ولأنّه قادر على نسج إتفاق مع رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، ما يسمح بتأمين نصاب جلسة الإنتخاب من جهة، وبالفوز بأكثريّة 65 صوتاً من جهة تانية.
في المقابل، لم يقتنع الكثيرون داخل قوى “14 آذار”، بأنّ فرص الجميّل، أو سواه من أركان هذه القوى، هي أعلى بكثير من فرص جعجع، لأنّ العلاقات الشخصيّة مع القوى السياسية المختلفة في لبنان شيء، ومسألة الموافقة والمشاركة بانتخابه رئيساً شيء آخر. وكذلك الأمر، إنّ خفض سقف التصاريح، ومحاولة تسويق النفس بموقع وسطي قريب من مختلف القوى السياسيّة، لا يعني إقتناع الآخرين بهذا التغيير. وما فشل في تحقيقه حتى الساعة، الفريق الذي يُسوّق لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة اللبنانيّة، لن ينجح في تحقيقه مرشّحو الفريق المقابل، كما تدلّ كل المعطيات الحالية وكل التصاريح والمواقف. فكما لم تتقبّل قوى “14 آذار” الحديث عن “وفاقيّة” العماد عون المفاجئة، لن تتقبّل قوى “8 آذار” بقيادة “حزب الله” أيّ مرشّح ينتمي مباشرة أو غير مباشرة إلى “14 آذار”، كما أكّدت كل تصاريح مسؤولي “الحزب” والقوى الدائرة في فلكه، والتي شدّدت كلّها على وجوب تبنّي خيار المقاومة مُسبقاً من قبل أيّ مرشح يطمح بالرئاسة، ما يعني إنعدام فرص كل من الجميل، والنائبين بطرس حرب وروبير غانم وغيرهم في كسب ودّ نوّاب “الممانعة”. كما لم يصدر عن النائب جنبلاط أيّ تلميح بأنّه مستعدّ للسير بمرشّح محسوب على أيّ طرف من الأطراف السياسيّة الداخليّة، بغضّ النظر عن شخصيّته وعن أسلوب مقاربته الملفّات الشائكة.

وتعتبر أوساط قوى “14 آذار” أنّ محاولة إيهام بعض الطامحين إلى الرئاسة في صفوفها، باحتمال عدم معارضة ترشيحهم، وبوجود أمل حقيقي بانتخابهم، لا يهدف إلا لزرع الخلاف والإنشقاق بين قوى “14 آذار”، ولضرب ترشيح رئيس حزب “القوات” بالتحديد. فأيّ مرشّح ينتمي إلى قوى “14 آذار” أو قريب منها، لن يكسب في الظروف والمعطيات الراهنة، سوى خمسين صوتاً ونيّف في أفضل الأحوال. ونيل بضع أصوات زيادة أو نقصاناً مقارنة بالأصوات التي نالها جعجع لا يعني وجود فرصة حقيقيّة للفوز. أكثر من ذلك، إنّ قوى “8 آذار” بالتنسيق مع “التيار الوطني الحرّ”، ماضية قدماً في عدم توفير نصاب جلسة الإنتخاب، والذي صار ثابتاً عند ثلثي أعضاء المجلس بحسب العُرف المتبع وليس نتيجة وضوح النصّ القانوني. وليس سرّاً أنّ رهان “الجنرال” هو على كسب الوقت إلى حين توفّر فرصة إتفاق تسوية شاملة، تبدأ إقليمية-دولية، وتنسحب على الداخل اللبناني، تماماً كما حصل في الموضوع الحكومي وفي الشأن الأمني الداخلي أيضاً.
في الخلاصة، التوازن السياسي القائم في لبنان منذ سنوات عدّة، لا يزال يحول دون فوز أيّ من المرشّحين المصنّفين “أقوياء” بموقع الرئاسة. أكثر من ذلك، إنّ هذا التوازن يتسبّب تلقائياً بوضع “فيتو” على أيّ مرشّح محسوب بشكل أو بآخر على قوى “8 أو 14 آذار”. وأمام هذه المعضلة، هل يعني أنّ إنتخاب رئيس جديد سيرسو على أحد الأسماء الوسطيّة فعلياً؟ هذا الإحتمال هو الأكثر ترجيحاً في نهاية المطاف، لكن ليس ضمن المهلة الدستورية للإنتخاب، بل بعد أشهر طويلة من الشغور في موقع الرئاسة والذي سيبدأ -كما توقّعنا منذ أشهر- إعتباراً من منتصف ليل 24 – 25 أيّار الحالي. والمفارقة أنّ القيادات المسيحيّة الرئيسة، ستعمل من مواقعها المُتنافسة وحتى المُتناقضة سياسياً، على عرقلة إنتخاب أيّ رئيس وسطي في المرحلة المقبلة، في إنتظار معطيات جديدة تأمل بها، قد تعيد خلط الأوراق في المستقبل. وحتى ذلك الحين، سنبدأ بتعداد أسابيع وأشهر الفراغ في القصر الجمهوري…

السابق
خطّة تبديل 7 ملايين قارورة غاز انطلقت
التالي
عندما تترك أميركا دورها الإسرائيلي