مرجع إيراني بارز يجيز للمرأة المرجعية ورئاسة الدولة

يعد آية الله محمد موسوي بجنوردي واحدا من أبرز المرجعيات الدينية في مدينة قم بإيران، المقربين من النهج الإصلاحي بقيادة الرئيس الأسبق سيد محمد خاتمي. وكان لعب دورا أساسيا في تأسيس مجلس القضاء الأعلى بُعيد انتصار “الثورة الاسلامية” في العام 1979 وسن لوائح قضائية فريدة لصالح المرأة ومشاركتها الفاعلة في الحياة الاجتماعية، انطلاقا من فقه الواقع الذي يعتبر هو من أبرز مروجيه في ايران، بالاستناد الى رؤية أستاذه آية الله روح الله الموسوي الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في ايران.

وتثير الرؤية الفقهية لموسوي بجنوردي الكثير من الإزعاج للتيار الديني التقليدي المحافظ خصوصا تجاه مشاركة المرأة في المشهد السياسي، عندما يؤكد أن بمقدور المرأة المسلمة تسلم أرفع المناصب الإدارية حتى الرئاسة، كما أن بإمكانها أن تصبح مرجعا دينيا تصدر الفتاوى، رافضا أن يكون الجنس معيارا لتعيين المدير أو انتخاب الرئيس.

وأفتى آية الله موسوي بجنوردي مؤخرا، وهو الباحث والمتخصص في شؤون المرأة ومدير مجموعة الفقه ومبادئ الحقوق الاسلامية في معهد بحوث الامام الخميني والثورة الاسلامية، بأن الزواج الثاني هو مصداق لتعذيب الزوجة الأولى وينطوي على شبهة التحريم.

وعن دور المرأة المسلمة في الساحة السياسة في ظل أمثلة بهذا الخصوص بما فيها السيدة خديجة كأول من أسلم وكانت تعمل في التجارة، وعن وجهة نظر الإسلام والقرآن الكريم حول المساهمة السياسية للمرأة وحضورها في الميادين السياسية، قال آية الله موسوي بجنوردي ان الله تعالى يقول في القرآن الكريم “إنّا خلقناكم من نفس واحدة” وانه لا تمايز في عالم الخليقة بين المرأة والرجل لأنه كما يقول الفلاسفة “شيئية الشيء بصورته لا بمادته” وأن الصورة النوعية للإنسان سواء المرأة او الرجل، هي النفس الناطقة.

ويضيف “إن إنسانية الانسان ليست بجسمه بل بنفسه الناطقة، وإن هوية الانسان هي الفكر.. والفكر ما هو الا النفس الناطقة، لذلك فإنه لا معنى للمرأة والرجل المنفصلين أحدهما عن الآخر. فالمراة والرجل متساويان في البعد الانساني والشخصية ولا تباين بينهما في عالم الخلقة: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ”. لذلك فإن الجنس ليس مطروحا إطلاقا في البعد الانساني وفي عالم المادة والطبيعة بل ان المطروح هو الهوية الواحدة.

لذلك فان الفضيلة والتميز يأتيان بواسطة الخصال النفسانية لا الجسمانية”. ويشرح أيضا “أن يقال فلان جميل أو طويل أو قصير فهذه ليست من خصاله الانسانية بل من خصاله الحيوانية.. فالخصال الانسانية هي العلم والتقوى.. والعلم احدى ميزات الإنسان، والعلم هو من صفات النفس ولا علاقة له بالجسم.. والتقوى كذلك من صفات النفس ‘ان اكرمكم عن الله اتقاكم’.. اذن ـ وهو استنتاج منطقي- فان التقوى والعلم هما من صفات النفس ولا علاقة لهما بموضوع المراة والرجل..”.

ويصوب بجنوردي الخطأ الشائع عن أفضلية الرجل قائلا “رب امرأة افقه من رجل ورب امرأة أفضل من رجل، وإن ما يمنح الانسان ميزة وامتيازا هو العلم والتقوى ومكافحة النفس..”.

ويرجع بجنوردي الى البعد القرآني ويقول “لا تمييز بين المرأة والرجل وكلاهما متساويان في الفضيلة”.

المسؤوليات تتعلق بالكفاءة وليس بالجنس

وفي قضية الرئاسة والزعامة وما يسمى القوامة وهو موضوع يثار عند كل انتخابات رئاسية، فإن آية الله بجنوردي يرى أن المسؤوليات التي ذكرت تتعلق بكفاءة وجدارة الأشخاص. ويضيف “ان من يريد أن يمسك بزمام الأمور في بلد ما فإن طريقة ادارته وعقلانيته يجب ان تكون بالشكل الذي يستطيع فيه تطبيق العدالة الاجتماعية والحرية في المجتمع. فمن يريد ادارة بلد ما يجب ان يكون ملما بالإدارة. وقد يكون هناك رجل غير ملم بالإدارة وقد تكون هناك امراة لكنها تجيد الإدارة. لذلك لا يوجد في الاسلام سلطة المراة او سلطة الرجل بل توجد الكفاءة والجدارة. والمهم هو الجدارة. وموضوع الجنس غير مطروح في الجدارة والكفاءة. لذلك بتقديري لا يوجد فرق في مسألة الرئاسة والزعامة والإدارة بين الرجل والمراة”.

وعن رأيه في الرؤية الفقهية تجاه رئاسة المراة، في ظل اعتقاد البعض حسب الاستنتاج الفقهي بأن تولي المراة الوزارة او الرئاسة في القطاعات الأدنى مثل الدوائر غير صحيح، قال آية الله موسوي بجنوردي إن الفقه غير منفصل عن الإسلام. فالفقه يعني فهم الاسلام وان الفقيه يفهم من الاسلام. الاسلام لا يفرق بين المراة والرجل بل يبحث عن الجدارة والكفاءة والإسلام ليس بمعزل عن العقلانية. وان سألتم العقلاء اليوم من يصلح لإدارة البلاد سيقولون الشخص الذي يجيد الادارة ويضعون الانسان (رجلا أو إمرأة) في صدر جدول أعمالهم. الشخص الذي يخدم الشعب ويحرص عليه، أكان رجلا أم امراة.

وعما اذا كان الفقه قد تطرق الى هذه القضية بصورة خاصة وهل أن الآراء الموافقة والمعارضة نابعة من الرؤية الفقهية، قال بجنوردي لقد كانت المراة في المجتمع العربي آنذاك من الدرجة الثانية فجاء الاسلام فساوى بين الرجل والمراة. فقبل ظهور الاسلام، عندما كانت المرأة يجيئها المخاض في المجتمع الجاهلي كانوا يذهبون بها الى المقبرة ويحفرون قبرا ويضعونها فيه. فإن ولدت بنتا كان يقومون بوأد البنت، وإن كان المولود صبيا كانوا يأتون به الى بيته باحتفال. “بتقديري إن الاسلام كان اكبر ثورة ثقافية في مجتمع ذلك الوقت.. فالاسلام جاء في الحقيقة بأكبر ثورة ثقافية في المجتمع الانساني، وحرك القضايا من منطلق القيم والحقائق التي لا ترتبط بالجنس.. فالانسان كائن عقلاني. ويقول ارسطو المعلم الاول إن الانسان كائن مدني، أي إن المدني هو ميال الى القانون والعدل والمجتمع.. ان الثقافات الباطلة مثل مجتمع عرب الجاهلية تضع تعريفا ثانويا للإنسان، وهذا يخالف الفطرة وان الاسلام هو دين الفطرة.. اي ان الرسالات الابراهيمية هي كلها دين الفطرة ‘فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا’. والكل يولدون على الفطرة. لذلك فإن الفقه لا يمكن له أن يكون منعزلا عن الاسلام. وقد يكون ثمة فقهاء يستحدثون امتيازات على أساس ثقافات مغلوطة، أي انه فضلا عن العدالة والتقوى فإن هذه الثقافة التي تسوقهم الى هذه النظرة التي يشوبها التمييز”.

ويبين بجنوردي بحزم “أريد أن أقول أن تفضيل الرجل على المرأة لا يتعارض مع عدالة وتقوى الفقهاء. لكن الحقيقة أنه إن أردنا أن ننظر بواقعية وتأسيسا على الفطرة التي فطرنا الله تعالى عليها، فان نوع (الجنس) لا موضوعية له”.

المجتمع العربي الحديث غارق في ثقافة مغلوطة

وردا على سؤال حول ان النبي الاكرم (ص) احدث من خلال تقديم الاسلام للناس نهضة حقوق المراة في مجتمع ذلك العصر، لكننا نرى اليوم في بلدان اسلامية ان اكثر العراقيل توضع امام المراة لدخولها الى المجتمع والإدارة، فلماذا تغيرت القيم طوال الـ1400 عام؟ قال آية الله موسوي بجنوردي ان “تلك الثقافة المغلوطة مازالت تسود المجتمع العربي والذين بقوا على جهلهم وابتعدوا عن المعارف الاسلامية.. اريد ان اقول ان الذين بينوا المعارف الاسلامية بلغة جميلة هم أهل البيت الاطهار والسيدة فاطمة الزهراء والسيدة خديجة.. فالسيدة فاطمة الزهراء القت خطبة في المسجد بحيث يجب تأليف الكتب حولها أو الخطب التي ألقتها السيدة زينب والتي أسهمت في احياء ثورة عاشوراء العظيمة.. لقد كانت هؤلاء سيدات فالسيدة زينب والسيدة فاطمة الزهراء كانتا انسانا كاملا.. اذن الإنسان الكامل لا يفرق بين المرأة والرجل، والانسان الكامل يعني أرفع درجات الانسانية والعبودية.. واقول بصراحة انه من وجهة نظر الإسلام لا فرق بين المراة والرجل بل ان الإسلام يؤكد على الجدارة والكفاءة ولا يميز بين الجنس لأن الإسلام هو دين الفطرة والعقلانية”.

وعن العقبات التي تضعها بعض البلدان الاسلامية امام مساهمة المراة في المجتمع والسياسة اعرب عن اعتقاده بأن الهدف الرئيس للرسالات (الأديان) الالهية هو ابعاد الثقافات الباطلة عن الثقافة الالهية الاصيلة وإلغاء هذه الأوهام والثقافات الباطلة التي نشأت على أساس التعصبات، لذلك كلما تقدمت المجتمعات كلما تم تصفية هذه الثقافات المغلوطة. وتابع “لقد عشت لفترة في الغرب ووجدت أنه يمكن الترويج للإسلام هناك بسهولة، لأنه أقرب الى الفطرة ولم تسيطر عليهم الثقافة الخاطئة ولا يركنون الى التعصبات القومية والطائفية ويتقبلون الدين بفطرتهم، لكن مشكلتنا في المجتمعات المتخلفة هي ان الفطرة قد تلوثت”.

وعن كيفية تزكية وتطهير هذه الفطرة في المجتمعات الإسلامية ولماذا لاذ العلماء والنخبة الدينية بالصمت تجاه المشاركة السياسية للمراة في الادارة والشؤون التنفيذية، قال اية الله موسوي بجنوردي انه نتاج الحوزة العلمية في النجف الاشرف وعندما كان عضوا في مجلس القضاء الاعلى طرح قضية ان تكون النساء قاضيات، مشيرا الى ان هناك الان اكثر من 90 سيدة قاضية في ايران، واكد ان القضاء بحاجة الى العلم والعدل وان اساس الحكم هو العدل والعلم لذلك فإن الجنس غير مطروح مشيرا الى أنه عندما بعث الامام الخميني الراحل رسالة الى رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك غورباتشف من خلال وفد، ضم هذا الوفد سيدة من بين أعضائه الثلاثة، وهذا الأمر ينطوي على رسالة مهمة”.

وقال أيضا “وفي البرلمان الايراني هناك نواب سيدات وهناك سيدات يشغلن مواقع ادارية متقدمة في ايران وان الامام الخميني عمل على ايقاظ الشعب وتبيان الاسلام الحقيقي، لان الاسلام الحقيقي متطابق مع الفطرة”.

وعن الدور الذي تضطلع به السيدات النخبة في العالم الاسلامي، قال اية الله موسوي بجنوردي ان “على المراة ان تتعلم وتكتسب المواقع العلمية العالية وان تساهم في تشكيل التنظيمات والتحرك معا من اجل خدمة الوسط النسوي وان تفكر بتقدم المراة لا بتقدم نفسها.. ان بعض الطبيبات في البلدان الغربية او بعض البلدان الاسلامية هن اكثر مهارة من الاطباء الرجال.. لذلك فان المراة تملك قابلية التقدم والرقي ولا فرق بينها وبين الرجل. “إن الفتيات يتقدمن على الفتيان في الكثير من حالات الدراسة التحصيل العلمي”.

وعن تصور البعض أن النساء أقل قدرة على التعقل من الرجال وتمتعهن أكثر بالأحاسيس والمشاعر وغير قادرات على خوض مجالات الادارة، قال اية الله موسوي بجنوردي ان “هذا محض خطأ ولقد اثبتت السيدات قدراتهن في تحصيل العلم والتعلم، وهذا ثبت لي ولغيري بالتجربة. لذلك يجب ان نقبل ان لا فرق بين المراة والرجل في العقلانية”.

وأعرب آية الله موسوي بجنوردي عن اعتقاده أن بوسع المرأة أن تكون رئيسا للجمهورية في ايران.. وبتقديري أن المرأة يمكن لها أن تصبح مرجعا دينيا أو فقيها وتصدر الفتاوى، لأن المرجعية قائمة على العلم.. وما هو مهم بالنسبة للمرأة وبوسعه ايجاد ثورة ثقافية في المجتمع، هو تحصيلهن العلمي.. فهذا يمكن له ان يضفي الهوية على النساء وأن يثبت في الوقت ذاته هويتهن هذه للرجال”.

 

السابق
قنوات فضائية شيعية متشددة في قم تهاجم نصرالله وخامنئي
التالي
برلسكوني الى السجن