هل تعود فلسطين قضية العرب الأولى؟

صحيح أن نقطة ايجابية في مصلحة القضية بدأت تلوح في الافق، خلافا للمسيرة المأساوية لهذه القضية منذ سنوات طويلة، وهي اقتراب وصول مساعي المصالحة الفلسطينية بين «فتح» و«حماس» الى مشارف ايجابية لاول مرة منذ سنوات طويلة. غير ان ميزان القوى في المسيرة التاريخية لهذه القضية ما زال يحمل من الاشارات السلبية، أكثر بكثير من هذه النقطة الايجابية التي لا تبدو وازنة في الايجابيات، في مقابل النقاط السلبية الكثيرة والمعقدة والثقيلة الوزن.

فأمامنا مصير هجمة جون كيري التي انطلقت منذ اشهر في اعلان اميركي على حتمية ايجاد حل نهائي للقضية هذه المرة، وهي هجمة ديبلوماسية بدت وكأنها تفرض نفسها على الطرفين العربي والاسرائيلي بالقوة نفسها، والاتجاه نفسه.
لكن الذي حصل مع وصول هذه المبادرة الاميركية السريعة الطلقات، أن الفشل قد رافق كل خطواتها، وهو ما أدى إلى مزيد من التورط الفلسطيني في مفاوضات لا طائل منها، لانه يخوضها بلا أي ورقة للقوة (فلسطينية أو عربية) بين يديه، ومزيد من الاندفاع الاسرائيلي في مخططات التهويد والاستيطان.
صحيح ان الجانب الفلسطيني قد سجل في حفل الانجازات التفصيلية الايجابية، تفصيلا جديدا بالانتساب الى عدد من المنظمات الدولية اخيرا، والتي يمكن للحق الفلسطيني ان يظهر من خلالها انصع بياضا، وأعلى صوتا، لكن الجانب الاسرائيلي مضى، في الجهة المقابلة، الى التمسك بتفصيل سلبي شديد الاهمية والعمق والقوة، على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي اطلق مؤخرا تمسكه باصدار قانون يؤمن الطابع اليهودي لدولة اسرائيل، باعتبارها الدولة القومية لليهود. وهذه الخطوة اذا تمت، لان لا قوة تبدو قادرة على وقفها، من شأنها ان تضع نقطة نهائية للقضية الفلسطينية في هذه المرحلة الحالية من الصراع، ان لم يتعد مفعولها الحدود ليضرب المراحل القادمة من مسيرة الصراع.
يتم كل ذلك بسرعة مذهله، في مواجهة تبدو منعدمة التكافؤ الى ابعد الحدود، بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
ففي مقابل الثبات في صلابة تمسك كل الانظمة السياسية الدولية الفاعلة بالمشروع الصهيوني، كما يرسمه اصحابه ويخططون له، يبدو الجانب الفلسطيني في ذروة التخلي العربي عن قضية فلسطين، وكأنها من القضايا السياسية التي تتفاعل بعيدا عن المنطقة العربية.
صحيح ان هذا التراجع قد لا ينطبق بالدرجة نفسها على مواقف الشعوب العربية من جوهر القضية الفلسطينية، فكل الشعوب العربية ما زالت تعتبر الكيان الصهيوني مشروعا استعماريا خارجيا، لضرب احتمالات تماسك اقاليم الوطن العربي، وتشديد مسيرتها نحو اشكال عصرية من الاتحاد والتكامل، لكن الانظمة العربية ذهبت بعيدا في التخلي عن أي دور في مسيرة الصراع العربي ـ الاسرائيلي.
فبالاضافة الى ارتباط دولتين حدوديتين بمعاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، حتى وهو يسعى الى تصفية نهائية لعروبة فلسطين وإلغاء شعبها بتفتيته وتشتيته (مصر والاردن) فان عددا وافرا من الدول العربية ذات الوزن السياسي والاقتصادي المحترم، قد ادخلت نفسها في تفاصيل من العلاقات تحت السطح مع الكيان، قد يكون بعضها، او كلها، اشد فاعلية من اتفاقية علنية وصريحة «للسلام».
أما مصر، كبرى الدول العربية، التي اخرجها انور السادات من الصراع باتفاقيات «كامب دافيد»، فهي غارقة الى سنوات على ما يبدو في استعادة توازنها في خضم مشاكلها الداخلية الموروثة عن عهدي السادات ومبارك، ولا شيء يؤكد في هذا المجال متى يجيء دور فلسطين، في استعادة مصر لتوازنها الداخلي والخارجي.

السابق
تعيينات جديدة غداً: حسم عشرة اسماء للفئة الاولى
التالي
الكاردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في القُدس المُحتلَّة.. مُقاربة هادئة