رجال طهران في واشنطن.. و’المساومة الكبرى’

على عكس الصورة التي يحاول النظام الإيراني أن يقدمها حول نفسه ومواقفه، لا يتعدى شعار «مرك بار أميركا»، أي الموت لأميركا، كونه كلاما لفظيا، بينما في الواقع تبتعد طهران عن العقائدية وتتبع سياسة عملانية تهدف إلى مصادقة واشنطن والتحالف معها، حتى تنال إيران اعترافا أميركيا بهيمنتها في منطقة الشرق الأوسط، وتفويضا لإدارة هذه المنطقة، خصوصا في وقت يسود فيه شعور أميركي شعبي بالإرهاق من السياسة الخارجية.

ولأن طهران ليست عقائدية، بل واقعية، فقد عملت منذ منتصف التسعينات على تشكيل مجموعة ضغط، متعارف على تسميتها «لوبي»، داخل العاصمة الأميركية، وبتمويل من طهران وإشراف مباشر من البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، نجحت إيران في خلق هذا اللوبي الذي راح مسؤولوه، يتصدرهم إيراني – سويدي على المذهب الزرادشتي يقيم في واشنطن، يتباهون بتحقيقهم النتائج، وبإلحاقهم هزائم بأعتى اللوبيات الأميركية، وعلى رأسها ذاك المؤيد لإسرائيل.

في مكتبي بواشنطن، وصلت إليّ دعوة من «مركز وودرو ويلسون» المرموق لحضور ندوة بعنوان «إيران في السنوات الخمس المقبلة: تغيير أم المزيد من الشيء نفسه؟».. الموضوع الإيراني ساخن، وندوات من هذا النوع غالبا ما تستقطب حشدا من المعنيين من مسؤولين أميركيين وخبراء وإعلاميين.

فتحت الدعوة، فإذا بي أعرف واحدة من المتحدثين، وهي صحافية أميركية تكتب عن الشرق الأوسط بشيء من الموضوعية. أما المتحدثون الآخرون، فلم يكونوا من الأميركيين، مما دفعني إلى التحري عنهم. واحد إيراني، ويدعى بيجان خاجيهبور، ويدير شركة استشارات، يفترض أن مقرها النمسا، لكنني أقرأ اسمه منذ فترة كمحاضر في الندوات المخصصة لإيران هنا في العاصمة الأميركية.

ثم ببحث سريع، وجدت أن شركة الاستشارات المزعومة، «آتية إنترناشونال»، تابعة لـ«مجموعة آتية» في طهران، التي تقدم نفسها، على موقعها على الإنترنت، كمؤسسة متخصصة في تقديم «المساعدة والنصح للشركات الأجنبية للدخول والعمل بنجاح في السوق الإيرانية».

المتحدث الثاني باحث فرنسي اسمه بيرنارد هوركارد، أفضى بحثي عنه إلى مقابلة أجرتها معه قناة «يورونيوز» في أبريل (نيسان) الماضي، وقال فيها: «منذ 34 عاما، ونحن نقول كل يوم إن الجمهورية الإسلامية قاربت أن تنهار، ولكنها ما زالت موجودة، وهي أكثر نظام حكومة مستقر في الشرق الأوسط، ونحن نرى ذلك، خصوصا بعد الربيع العربي، وهي الدولة التي يمكن أن تتقدم إلى الأمام». ثم يدعو هوركارد إلى السماح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، والتوصل إلى اتفاق معها يفضي إلى رفع العقوبات عنها، وتطبيع العلاقات مع الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة.

المتحدث الثالث، روبرتو توسكانو، إيطالي وسبق أن عمل سفيرا لبلاده لدى إيران بين الأعوام 2003 و2008. في مقالة له في «هفنغتون بوست»، قلل توسكانو من هتاف الإيرانيين «الموت لأميركا»، وكتب أنه من الأفضل للسياسات الأميركية، ألا تلتفت إلى خطاب النظام المعادي للولايات المتحدة، وأن تمضي قدما في الانفتاح عليه، وإلا فإن البديل الوحيد هو الحرب، وعند ذاك، يتوحد الإيرانيون خلف قيادتهم، وتصبح هتافاتهم بالموت لأميركا ذات معنى.

وختم توسكانو أنه عندما «يقول الإيرانيون الأميركيون (خصوصا المجلس القومي الإيراني الأميركي): لا تضربوا إيران. هم لا يقولون ذلك، لأنهم متساهلون مع النظام، بل لأنهم يعرفون أن أي هجوم سينعش النظام شعبيا، لذا اسمحوا لي بأن أؤكد أن صورة الإيرانيين ككارهين لأميركا هي صورة خاطئة».

أما مديرة الندوة، حسبما ورد في الدعوة، فهي الإيرانية – الأميركية هالة اصفندياري، وهي مديرة برنامج الشرق الأوسط في المعهد، وكان النظام اعتقلها في عام 2007 لمدة أربعة أشهر في السجن الانفرادي في إيفين، ثم أفرج عنها، ومنذ ذلك اليوم واصفندياري تصر على ضرورة انفتاح أميركا على إيران، وعلى رفع العقوبات عن طهران، والسماح لها بالمضي قدما ببرنامجه النووي. ولهذا السبب، تقيم اصفندياري ندوات في المعهد الذي تديره، وتوقع على عرائض لرفع العقوبات.

التغيير المقبل

* إذن، حتى من دون ذهابي إلى الندوة حول إيران، كان يمكنني أن أتكهن مسبقا بمجرياتها؛ مجموعة من الإيرانيين، بعضهم ممن اكتسبوا الجنسية الأميركية أو الأوروبية، وأوروبيون مؤيدون للانفتاح غير المشروط على إيران، يتكلمون على مدى ساعتين حول التغيير المقبل مع انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران والفرصة السانحة لاقتناصها، والعوائد المالية للانفتاح على طهران، ويحذرون من مغبة عرقلة أميركا التوصل إلى اتفاق، حتى لو تعنتت إيران وتمسكت بشروطها النووية، بحجة أنه لا اتفاق يعني حتما الحرب، وهي كلمة لا يستسيغها الأميركيون بعد حربي العراق وأفغانستان.

ويبدو أن توسكانو، الذي يأخذ على عاتقه تجميل صورة إيران، والتحذير من الحرب، والتمجيد بالمجلس القومي الإيراني – الأميركي، نشر مقالته بدعم من المجلس نفسه، الذي يترأسه الإيراني – السويدي المقيم في واشنطن تريتا بارسي، الذي يكتب دوريا في هذا الموقع.

وبارسي صديق وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف منذ أكثر من عقد، عندما كان الأخير يعمل مبعوثا دائما لبلاده في الأمم المتحدة بنيويورك. وفي منتصف العقد الماضي، اتهم الإيراني المعارض حسن داعي الإسلام بارسي بالعمل لمصلحة النظام، فما كان من بارسي إلا أن أقام دعوى قدح وذم بحق داعي الإسلام، فأمرت المحكمة بفتح البريد الإلكتروني لبارسي، ليتبين أنه كان على اتصال بظريف، وأنه قام بتنسيق لقاءات بين أعضاء في الكونغرس من الحزبين مع المسؤول الإيراني.

إثباتات المحاكم الأميركية

* الرسائل الإلكترونية التي جرى الكشف عنها أظهرت أن ظريف وبارسي التقيا للمرة الأولى في مارس (آذار) 2006، وأن ظريف مرر إلى بارسي وثيقة «المساومة الكبرى» التي اقترحها الإيرانيون على الأميركيين إبان حرب العراق في عام 2003، ورفضتها واشنطن.

وتظهر وثائق المحكمة أن طهران قدمت الوثيقة للسفير السويسري لدى إيران، الذي يمثل المصالح الأميركية، والذي مررها إلى الأميركيين.

وفي وقت لاحق، ادعى الأميركي فلينت ليفيريت أنه وزوجته تسلما الوثيقة من الإيرانيين أيضا ومرراها إلى الإدارة الأميركية. وليفيريت مؤلف كتاب حول حياة الرئيس السوري بشار الأسد، ويتمتع بعلاقة جيدة بدمشق وطهران، ويقول في مقابلة مع الكاتب لي سميث، إنه من الأميركيين القلائل الذين يزورون طهران دوريا ومن دون فيزا. ويعتقد سميث أن ليفيريت يعتقد أنه في حال التوصل إلى اتفاق أميركي – إيراني، فإنه سيكون من أول المستفيدين ماليا من العقود المقبلة إلى حد أطلق سميث على ليفيريت لقب «رجل إيران في واشنطن».

وفي رسائل بارسي الإلكترونية التي كشفتها المحكمة تنسيق بينه وبين ظريف حول مؤتمر في الكونغرس بالتعاون مع مؤسسة «أميركا الجديدة»، كجزء من مشروع أطلقه بارسي في عام 2006، بعنوان «مشروع التفاوض مع إيران». ويرفق بارسي رسالته الإلكترونية إلى البعثة الإيرانية بتقدير تكاليف ستة أشهر من العمل لهذا المشروع، الذي يتضمن دعوة عشرة إلى 15 خبيرا في الشأن الإيراني من حول العالم، بتكلفة تبلغ مائة ألف دولار.

وفي سبتمبر (أيلول) 2012، حكمت المحكمة ضد بارسي، وغرمته مبلغ 185 ألف جولار كتعويضات لداعي الإسلام.

والبعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك لا تشرف على «اللوبي الإيراني» في واشنطن فحسب، بل كانت تشرف كذلك على عمل ما يعرف بـ«مؤسسة علوي»، حسبما نقلت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» عن محققين فيدراليين أميركيين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009.

و«مؤسسة علوي» أنشأها شاه إيران في عام 1973 تحت اسم «مؤسسة بهلوي»، وفي عام 1979، تحول اسمها إلى مؤسسة المستضعفين، وفي وقت لاحق أصبحت معروفة بـ«مؤسسة علوي». وفي فبراير (شباط) من عام 2012، رفعت شرطة نيويورك السرية عن وثائق لها تعود إلى مايو (أيار) 2006، وفيها أن «أجهزة الاستخبارات الإيرانية تعمل داخل الولايات المتحدة عبر مؤسسات متعددة، منها (مؤسسة علوي)»، وهي تهمة نفتها المؤسسة التي تكرر على موقعها أن مهمتها الأساسية هي «شرح الثقافة الإسلامية، واللغة الفارسية والأدب والحضارة». وفي صفحات أخرى على موقعها، ترى المؤسسة أن هدفها دعم «الثقافة الشيعية».

وتملك المؤسسة ناطحة سحاب في قلب مدينة نيويورك تعود عليها بإيجارات ضخمة تستخدمها في تمويل أكثر من 30 مؤسسة تعليمية في عموم الولايات المتحدة. ويعتقد خبراء أن طهران تستخدم هذه الأموال لتكافئ الأكاديميين الذين يكتبون ما يرضيها، والمؤسسات التربوية التي تصدر دراسات تخدم مصلحة طهران.

إلا أنه على الرغم من نفي «مؤسسة علوي» أي ارتباط مع طهران، كشفت «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف بي آي) أن رئيس المؤسسة فرشيد جاهدي قام في عام 2008 بإتلاف وثائق تثبت أن المؤسسة سددت جزءا من أموالها لبنك ملي في طهران، والمملوك من الحكومة الإيرانية، وأن جزءا من الأموال قد يكون جرى استخدامه في تمويل البرنامج النووي الإيراني.

وفي أبريل 2010، حكمت محكمة فيدرالية في نيويورك على جاهدي بالسجن ثلاثة شهور بتهمتي عرقلة التحقيقات وإعاقة العدالة، وجرى التحفظ على جزء كبير من أموال وممتلكات المؤسسة، التي ما زالت تعمل، وإنما بحذر.

نشاطات اللوبي الإيراني

* في ديسمبر (كانون الأول)، وقبل أيام من انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت، عقد خبراء ومسؤولون عرب وأجانب حوارا سنويا في المنامة توّجه وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل بحضور جدد أثناءه تعهد بلاده بأمن الخليج في وجه أي تهديد إيراني، لكن تعهدات الوزير الأميركي لم تكن بريئة، بل جاءت بمثابة تطمينات في وقت كانت فيه حكومة بلاده تتفاوض مع إيران، سرا وعلنا. ومع هيغل، حضر عدد من مستشاريه، الحاليين والسابقين، من أمثال أندرو بارازيليتي، وهو مدير موقع «آل مونيتور»، حيث تعمل الباحثة في «مجلس الأطلسي» باربرا سلافين، التي تزور إيران بانتظام، وغالبا ما تنظم ندوات، على غرار اصفندياري، تستضيف فيها وجوه لوبي طهران في واشنطن، بمن فيهم بارسي وخاجيهبور، وتؤلف بالاشتراك معهم دراسات تزعم أن العقوبات على طهران تؤذي الإيرانيين فقط من دون حكومتهم، مما يوجب حكما رفعها.

وسلافين تكتب علنا أن على واشنطن البحث عن مصالحها الفعلية، وأن ذلك يكون عبر الاستبدال بتحالفها مع الرياض تحالفا مع طهران، فيما كتب بارازيليتي أن على أميركا تكليف إيران حل الأزمة من سوريا، من دون شروط. والموقع يموله الأميركي من أصل سوري جمال دانييل، الذي جمع ثروة من عمله في قطاع النفط، والذي يعتقد كثيرون أنه يأمل بأن تكافئه إيران بعقود نفطية في حال جرى رفع العقوبات عنها.

في المنامة، حيث حضر بارازيليتي، اندلعت أزمة كادت تطيح بالقمة الخليجية، عندما قام أحد الصحافيين بطرح سؤال على وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي حول إمكانية قيام اتحاد خليجي، ليرد الأخير أن الاحتمال غير وارد، وأن عمان ستنسحب من المجلس في حال جرى التصويت عليه في قمة الكويت. هنا سارعت الدبلوماسية الكويتية لإنقاذ القمة التي كانت في طريقها لاستضافتها، في حين تبين في وقت لاحق أن السؤال والإجابة حصلا بتنسيق كان يهدف إلى إحراج المملكة العربية السعودية.

وفي واشنطن، استمرت نشاطات اللوبي الإيراني المتنوعة، التي تدعو جميعها لإسقاط العقوبات بشكل غير مشروط عن إيران وبالتحالف معها، حتى لو اقتضى ذلك التنازل لها في سوريا ولبنان والعراق وعموم المنطقة. ونشاطات اللوبي الإيراني تتضمن ندوات، وإصدار دراسات، وعقد مؤتمرات، ونشر مقالات في صحف أميركية متنوعة، وإقامة صداقات مع باحثين وخبراء أميركيين، كذلك مع مسؤولين في الحكومة وفي الكونغرس، ومع مساعديهم.

وفي الوقت الذي حاول فيه اللوبي الموالي لإسرائيل، والمعروف بـ«أيباك»، حض مؤيديه في الكونغرس على تمرير قانون يفرض عقوبات جديدة على إيران بمفعول متأخر، أي بعد سنة على الإقرار، وفي حال فشل المفاوضات الدولية مع إيران، التي أنتجت اتفاقية مؤقتة في نوفمبر الماضي في جنيف، وضع اللوبي الإيراني خطة محكمة للتصدي لمجهود العقوبات الجديدة.

ولوبي إسرائيل لديه سيطرة شبه مطلقة في مجلس الممثلين في الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري، والذي أقر نسخة من قانون العقوبات المطلوب على إيران. لكن مجلس الشيوخ يسيطر عليه الحزب الديمقراطي، الذي على الرغم من الصداقة التي تجمعه بلوبي إسرائيل، من غير الممكن له أن يعارض قرارات رئيس البلاد الذي ينتمي إلى الحزب نفسه. هكذا، جمع اللوبي الإسرائيلي 59 صوتا من أصل 60 مطلوبة لفرض الإقرار على زعيم الغالبية في المجلس هاري ريد، وعلى أوباما نفسه. وبغياب الصوت الوحيد المطلوب، تعثر مجهود فرض أي عقوبات جديدة على إيران في حال انهارت المفاوضات الدولية النووية معها، أو لم تتوصل إلى نتيجة.

لكن اللوبي الإيراني لم يقف متفرجا على أوباما، الذي كان في خضم مواجهة تشريعية مع أصدقاء إسرائيل، بل راح الإيرانيون يحشدون شعبيا لتأييد الرئيس ضد عقوبات جديدة. وفي خضم نشاطهم، عثر الإيرانيون على حلفاء نجحوا في تجنيدهم لتأييد المفاوضات مع إيران، أي مفاوضات، وبغض النظر عن نتيجتها. أما هؤلاء الحلفاء، وهم قوة سياسية شرسة لا يستهان بها، فهم مجموعات مناهضة للحرب في العراق وأفغانستان.

طبعا لا تؤدي دفعة جديدة من العقوبات على إيران إلى الذهاب إلى حرب معها حكما، لكن الإيرانيين نجحوا في تسويق هذه الفكرة، التي راح يرددها مسؤولو البيت الأبيض وحلفاؤهم في الكونغرس. كذلك تبنى فكرة «مفاوضات أو حرب» التحالف المناهض للحرب، وهو ما شد من عضد أوباما وقدم له دعما شعبيا في مواجهة غالبية الكونغرس في موضوع إيران.

تراجع اللوبي الإسرائيلي

«لغالبية الأميركيين هموم واهتمامات تمنعهم من متابعة السياسة الخارجية وتفاصيلها، مما يعطي مجموعة صغيرة، لكنها مثابرة المقدرة على الهيمنة في هذه المواضيع»، يكتب بارسي فيما يبدو أنه تصوره لكيفية عمل اللوبيات في العاصمة الأميركية. مقالة بارسي صدرت على موقع «هفنغتون بوست» بعنوان «وهم أن أيباك لا تقهر»، على أثر تراجع اللوبي الإسرائيلي عن محاولة تمرير عقوبات جديدة على إيران.

ويضيف بارسي، أن «أيباك» واجهت مجموعة من الهزائم، كان أولها بعدما تبنت توجيه أميركا ضربة عسكرية إلى سوريا في أعقاب الهجوم الكيماوي الذي شنته قوات بشار الأسد ضد مدنيين في ضواحي دمشق في أغسطس (آب) . أما الهزيمة الثانية فجاءت في المواجهة حول إيران. في المواجهتين، يعتقد بارسي أن المزاج المعارض للحرب هو الذي أثبت فاعليته، وأن في المرة الثانية، استند البيت الأبيض لهذا المزاج، الذي ينشط فيه بشدة بارسي واللوبي الإيراني، لإحباط «أيباك» وأي عقوبات جديدة على إيران.

إلا أن المواجهة لم تنته، حسب بارسي، الذي يؤكد أن الجولة المقبلة بين طرفين حدد واحد منهما على أنه اللوبي الإسرائيلي ولم يحدد الآخر، آتية في غضون أشهر، إذ إن لوبي إسرائيل، حسب الناشط الإيراني، سيفرد اهتمامه لنسف الاتفاقية النهائية التي يجري التفاوض عليها بين إيران والعالم.

طبعا لا يذكر بارسي أنه مؤلف كتاب يمتدح فيه إسرائيل، ويقول إنه لا عداء إيرانيا معها، وإن مصلحة أميركا تتمثل في دخول بتحالف مثلث الأضلاع، يجمع كلا من أميركا وإسرائيل وإيران. لكن يبدو أنه بعدما تأكدت طهران من أن إسرائيل لن تسمح لها بحيازة سلاح نووي، قررت الانقلاب من محاولة مصادقة الإسرائيليين إلى مواجهتهم، خصوصا في عاصمة القرار العالمي واشنطن.

وحسب المواجهات القليلة الماضية، يبدو أن بارسي محق في أن لوبي إسرائيل ليس معصوما عن الخسارة، وأنه يمكن للوبي فتي – كمثل اللوبي الإيراني الذي أسسه بارسي ويقوده في واشنطن منذ نحو عقد – أن يلحق هزيمة بالإسرائيليين، وذلك بالتحالف مع تيارات داخلية أخرى، وفهم الصورة الأميركية بشكل دقيق ومتابعتها، وهو نشاط إيراني يبدو أنه قارب أن يثمر، خصوصا مع ترديد الرئيس الأميركي أن التغيير آتٍ، وأن واشنطن في طريق حتمي إلى مصالحة وصداقة مع طهران، وأن على حلفاء أميركا في المنطقة التكيف مع التغيير.

السابق
سكرية: لن أصوت لسلسلة الرتب المقدمة من اللجنة النيابية
التالي
من سورية إلى أوكرانيا: أين ’نهاية التاريخ والجيوسياسة’؟