6 أيار عيد شهداء الصحافة

تحتفل الصحافة اللبنانية اليوم بعيد شهدائها، وككل سنة تتذكر كوكبة الشهداء الذين علقت مشانقهم في ساحة البرج في 6 أيار من العام 1916 لمطالبتهم بالاستقلال، في الوقت الذي علقت المشانق في اليوم عينه وللسبب إياه أيضاً في ساحة المرجة في دمشق. ومنذ ذلك التاريخ لم يسلم الصحافيون اللبنانيون من القتل والاعتقال والحجز والتصفية والاغتيال والخطف، من ميليشيات ووصايات وقوى أمر واقع، الى الدعاوى في حقهم، لموقف أو لنشر لا يناسبان قوى سياسية أو شخصيات مختلفة لا تقبل المساءلة.

في ذكرى 6 أيار سنستمع الى الخطابات إياها، قبل أن نتذكر أن شهداء سقطوا في لبنان على مرّ تاريخه، ليس لسبق صحافي، انما لموقف شفاف غير مرتهن لحسابات قوى مسيطرة أو مهيمنة، ولموقف غير مدرج في تصفية الحسابات بين قوى مختلفة، أي لموقف حر ديموقراطي. شهداء سقطوا في مسيرة صحافة قلقة، كانت لهم مساهمة أساسية في صناعة الوجه الحيوي للتجربة الصحافية اللبنانية، من دون أن يتورطوا في مساوئ الانجرار الى الارتهان، في بلد لا يعرف الهدوء، مشرّع على الاحتمالات، والمفاجآت.
وقبل أيام، في 3 أيار احتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، وتذكر البعض لائحة الصحافيين المخطوفين والمعتقلين والمحتجزين في سوريا من أطراف النزاع، والمنطقة، وبينهم صحافيون لبنانيون سقطوا شهداء أو اختطفوا، اذ يحيي لبنان ذكرى شهداء صحافته على مذبح الحرية. وكانت قوافل من الشهداء الصحافيين الذين علقوا على المشانق خلال حكم جمال باشا السفاح قبل قرن من الزمن، مروراً بالأزمات التي مر بها لبنان، ثم الشهداء الصحافيون، الذين سقطوا ضحية مواقفهم المطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال.
هنا استشهد جبران تويني في 12 كانون الأول 2005، الصحافي أولاً، الذي نالت يد الغدر والإجرام منه لمواقفه وآرائه وكتاباته، واغتيل قبله سمير قصير من أجل الحرية والكلمة، بأسلوب جبان لإسكات القلم الحر. شهيدان اغتيلا من الذين يخافون الرأي الآخر، ولا يريدون الحقيقة التي يكشفها الصحافي الحر. ولكل الحقبات شهداؤها من رجال الصحافة والإعلام في لبنان، ما دام الهاجس الدائم الذي كان يقلقهم، حرية الوطن واستقلاله، والمحافظة على سيادته، وأرضه، والدفاع عن مصالح شعبه وحقه في العيش الكريم، وكأن على الصحافيين واجب تقديم أجسادهم قرابين على مذبح الوطن والحرية.
استمر لبنان في دفع الأثمان من جسمه الصحافي، بالعلاقة مع سوريا، وكأن تعليق المشانق في ساحتي البرج في بيروت والمرجة في دمشق، ما كان صدفة، ليتوالى سقوط الصحافيين اللبنانيين على مر الأعوام السابقة، وان كانت سوريا اليوم، وفق التقريرالسنوي للجنة حماية الصحافيين من أخطر المناطق التي يتعرض فيها هؤلاء للقتل والخطف، بعدما كان العراق سابقاً البلد الأكثر خطورة. لكن 6 أيار، عيد الشهادة، هو أيضا عيد الحرية، لأنه عيد شهداء صحافة لبنان وأحراره، الذين شاركوا في معركة الاستقلال بصوت الشهيد جبران تويني والشهيد سمير قصير.
يدفع الصحافيون اللبنانيون والصحافة الثمن اذاً، منذ ما قبل اعلان دولة لبنان الكبير، وكان لدورهم بعد إقليمي، على ما يشير البعض الى محاولات لجم الصحافة في لبنان والتضييق على حريتها، منذ قفل الحدود السورية – اللبنانية العام 1973، بسبب الاستياء السوري من الصحافة اللبنانية. وعندما يستلهم اللبنانيون ذكرى السادس من ايار ويتذكرون شهداء الصحافة، فإن ذلك يعطيهم الأمل بالحرية، أمام اخطار تتهدد مصير البلد، فالشهداء سقطوا من أجل الاستقلال، وعلى الصحافة أن تتشبث بكل ما يرمز اليه ذلك اليوم للاستمرار في تأدية الرسالة التي اختارها روادها وتعاقدوا عليها بأخلاقية.
ونتذكر في السادس من أيار الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الكلمة والمطالبة بالاستقلال بين 1915 و1916، ثم كرت سبحة الاغتيالات والاعتداءات على الصحافة في لبنان، من اغتيال الصحافي نسيب المتني، في 27 أيار 1958. وفي الخامس من أيار 1966، اغتيل مؤسس وناشر جريدة “الحياة” كامل مروة. وفي شباط العام 1980، اختطف الصحافي سليم اللوزي ووجدت جثته ملقاة في أحراج عرمون. وفي 23 تموز 1980، نالت يد الإجرام من نقيب الصحافة اللبنانية رياض طه.
وتعرّض عدد من الصحافيين اللبنانيين للخطف، ومحاولات الاغتيال، كمحاولة اغتيال ناشر جريدة “السفير” الزميل طلال سلمان. وفي المقابل، تنوعت الاعتداءات على الصحافيين اللبنانيين، من الاغتيال، والترهيب، الى الخطف، والسجن. ولأن جريدة “النهار” كانت منبراً للحريات، فقد أدخل عميدها غسان تويني السجن مرات عدة بسبب مواقفه، ومناصرته الحرية، ودفاعه عن القضايا الوطنية. كما تعرّض عدد كبير من صحافيي لبنان لتوقيفات وأحكام قضائية، نتيجة مواقف وآراء تضمنتها مقالاتهم.
وخلال مرحلة الوصاية السورية، عانى عدد من الصحافيين الضغوط والاعتداءات، لوقوفهم الى جانب حقوق الانسان، والدفاع عن الحريات والسيادة، والدعوة الى رفع الهيمنة والوصاية. ثم جاء اغتيال الصحافي الزميل سمير قصير في 2 حزيران 2005، ونجت الزميلة مي شدياق من محاولة اغتيال آثمة في 25 أيلول 2005.
وكان اغتيال جبران تويني الأكثر إيلاماً للصحافة في لبنان، رجل الكلمة الحرة من أجل الحرية والسيادة والديموقراطية. وعلى مر السنوات سقط العديد من الصحافيين شهداء.
واذا كانت الصحافة الحرة يجري قتلها وإسكاتها في مناطق عدة، فإن الصحافة اللبنانية لن تنسى شهداءها، وكشف من يقف وراء القتل والغدر لحماية حرية الكلمة والقلم، ومحاسبة المسؤولين عن استمرار إخفاء الحقائق. لكن تبقى مسؤولية الصحافي أن يعرف ماذا يقول وماذا يكشف؟ وحرية الصحافة أيضاً لا تعني أن يتجاوز الصحافي حدود احترام القوانين الأخلاقية والقيم في ممارسة المهنة. فصناعة الصحافة في مواجهة القتل مهمة شاقة، لكنها لا تستمر الا بالتنوع والاختلاف، وذهن متقد قائم على الانفتاح والتواصل.

السابق
الأخبار: الراعي يقترح التمديد لسليمان!
التالي
’النهار’: آخر الحوار رفضٌ للمسّ بالطائف والمناصفة