ليذهب الراعي إلى اسرائيل

البطريرك الراعي
كان المثال الديني في مجتمعاتنا أقرب إلى القلب وإلى الروح، لاقتنعنا أنّ زيارة إلى اسرائيل سيكون لها بعد إنساني ولكن طالما أنّ أدياننا مسيّسة فيصعب علينا الوثوق بأيّ مجازفة. يصعب الأمر لأنّنا نعرف جيداً أنّ اسرائيل تجمع حولها العالم وقواه بأسلوب لعب دور الضحية بينما هي الجلّاد والمستعمر. وهي بالتالي لن توفّر جهد استغلال "النوايا الطيّبة". ولكن طالما هذا خيار البطريرك، لن تكون هنا محاولة إقناعه للعدول عن رأيه

من يراقب تصريحات البطريرك بشارة الراعي مؤخراً يحسب أنّ موازين القوى في المنطقة ليست كما هي. يتخيّل أنّ اسرائيل في موقع ضعيف وأنّها ستوفّر جهود استغلال هذه الزيارة على الأقل في وسائل الإعلام. البطريرك مصرّ ويؤكّد مراراً أنّ الزيارة دينية وليس لها أيّ طابع سياسي. وربما يكون تبريرٌ كهذا مقنعاً لو كانت المعطيات في المنطقة مختلفة ولو كان هناك ضرورة لزيارة كهذه.

الراعي يبرّر أيضاً أنّه لا يعقل أن يرفض مرافقة البابا خلال وجوده في الشرق الأوسط. وقد بدأت التوسلات والرسائل إلى البطريرك لثنيه عن مثل هذه الزيارة كأنّه هناك “مونة” ما عليه.

يريد الراعي أن يجازف ويصفه من حوله بأنّه “عنيد” أيّ من الصعب أن يتراجع عن رأيه. وقد خلق منذ بداية توليه لأمور الكنيسة جدلاً حول مواقفه وزياراته الّتي كانت آخرها زيارة إلى رئيس مجلس النواب رئيس برّي، في لقاء بدا دنيوياً أكثر ممّا هو ديني.

تداخل الدين بالسياسة في الشرق الأوسط هو ما يزيد من حجم هذه الزيارات. كأنّ رجل الدين لا يمثّل طائفة فحسب بل يمثل حزبا سياسيا أو تكتّل معيّن. الراعي يجازف لسبب غير معروف أو مبرّر إذ لا يبدو هناك فائدة فعلية من هذه الزيارة. حتّى رجال الدين في القدس قالوا أنّهم يتفهّمون اعتذاره عن الزيارة ولكنّ الراعي غير التقليدي مصرّ على رأيه.

يكرّس الراعي سلطة رجال الدين الّذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم. يتصرّف كأّنّه أسمى من النقد وأبعد عن الخطأ ممّا قد يظنّ أحد. لا يحب أن يملي عليه أحد ما يجب فعله. ربما يكون أمر كهذا صحيحاً ولكن أين التمثيل الديني الإنساني الذي يُفترض للكنيسة ولكافة المؤسسات الدينية المسلمة أو المسيحية أن تقدّم نماذجاً عنها؟ لماذا يأخذ الدين في مجتمعاتنا أبعاداً سلطوية وسياسية بدل من أن يكرّس قضايا إنسانية؟ ولماذا تكون عظة الأحد وصلاة الجمعة عن السياسة وليس عن الدين والتعاليم الروحية الّتي يفترض بها أن توحّد الناس وتجمعهم تحت سقف الخير؟

لو كان المثال الديني في مجتمعاتنا أقرب إلى القلب وإلى الروح، لاقتنعنا أنّ زيارة إلى اسرائيل سيكون لها بعد إنساني ولكن طالما أنّ أدياننا مسيّسة فيصعب علينا الوثوق بأيّ مجازفة. يصعب الأمر لأنّنا نعرف جيداً أنّ اسرائيل تجمع حولها العالم وقواه بأسلوب لعب دور الضحية بينما هي الجلّاد والمستعمر. وهي بالتالي لن توفّر جهد استغلال “النوايا الطيّبة”. ولكن طالما هذا خيار البطريرك، لن تكون هنا محاولة إقناعه للعدول عن رأيه. ليفعل ما يريد وليتصرف كما يشاء، ويمكننا نحن، من نخالفه الرأي، أن نؤكّد له أنّ له رؤيته ولنا رؤيتنا.

السابق
«مي وملح» أسلوب جديد للتضامن الفلسطيني مع الأسرى
التالي
وزير الخارجية الألماني: استقبلنا في ألمانيا 10 آلاف سوري نزح إلى لبنان