كيف تصبح خبيراً إستراتيجياً؟!

الخبير الإستراتيجي في مصر ليست مهنة ولا صنعة وليست لها أي معايير محددة، وإنما هو لقب يمنحه لك الإعلام. الطبيب يتخرج من كلية الطب والمهندس يتخرج من كلية الهندسة أما الخبير الإستراتيجي فيتخرج من استديوهات التلفزيون فيحظى بالشهرة واحترام الناس وتنفتح أمامه الأبواب المغلقة، وغالباً ما يفوز بمنصب كبير في الدولة. اذا كنت ضابطاً متقاعداً أو أستاذاً في الجامعة (لا يهم التخصص) أو كنت صحافياً مخضرماً فوق الخمسين من العمر فأنت مرشح بقوة لكي تصبح خبيراً إستراتيجياً اذا اتبعت الخطوات الآتية:

أولا: إبدأ فوراً واعتن بالتفاصيل

إبحث فوراً عن صديق أو قريب لك يعمل في التلفزيون وأقنعه باستضافتك في أي برنامج، ولو لمدة عشر دقائق فقط. سيكون ظهورك في التلفزيون نقطة انطلاقك. عندما يسألك معد البرنامج عن اللقب الذي تفضل أن يقدموك به، قل بثقة: «خبير إستراتيجي». عندما يظهر اللقب تحت اسمك على الشاشة ستبدأ مرحلة جديدة في حياتك. اعتن بالتفاصيل الصغيرة لأنها جوهرية وحاسمة. إياك أن ترتدي قميصاً وبنطلوناً أو بدلة صيفية. يجب أن تظهر ببدلة كاملة وربطة عنق لتبدو أنيقاً وقوراً. إعلم أن المذيعة التي تحاورك لا تملك من أمرها شيئاً وإنما يتولى المخرج توجيهها عن طريق سماعة مثبتة في أذنها، لن تراها لأنها مغطاة بشعرها الناعم الطويل (المستعار غالباً). سواء ظهرت في التلفزيون الرسمي أو في القنوات الخاصة، إعلم أنهم لا يريدون منك أن تقول رأيك وإنما رأيهم. هناك دائماً خط سياسي واحد صحيح لا يجب الخروج عنه. هذا الخط تقرره إدارة القناة بالتفاهم مع أجهزة الأمن، ومهمتك كخبير إستراتيجي أن تقنع به الجمهور، على أن تستعمل في ذلك أساليب مبتكرة ومقنعة. اذا خرجت عن خط القناة ستقاطعك المذيعة ولن تسمح لك بالكلام، وبعد ذلك لن يستضيفك أحد ولن تكون خبيراً إستراتيجياً أبداً.

ثانياً: تكلم بطريقة مركبة ومتخصصة

إياك أن تتكلم ببساطة وتلقائية مثل عوام الناس. أنت مختلف. أنت خبير إستراتيجي. يجب أن تبدو منهكاً من فرط الثقافة. يجب أن يشعر المتفرجون أنك تبذل مجهوداً عقلياً جباراً لكي تبسط لهم النظريات العلمية المعقدة التي تعرفها. بعد كل ثلاث أو أربع جمل باللغة العربية يجب أن تنطق لفظاً إنكليزياً ثم تسرع بترجمته الى العربية، حتى يشعر من يشاهدك أن الكلمات الانكليزية تفلت منك رغماً عنك بسبب ثقافتك الأجنبية الموسوعية. استعمل مصادر أجنبية كما تشاء. استشهد مثلا بجريدة النيويورك تايمز أو الغارديان (بدون تحديد تواريخ) وقل ما تشاء فلن يفتش أحد وراءك أبداً. استعمل أسماء لمؤلفين أجانب لتبث الرهبة في قلوب مستمعيك. قل مثلا:
ــ أنا شخصياً، في هذا الموضوع، مقتنع تماماً بنظريات المفكر الأميركي الكبير جورج كمبل.
ثم قل ما تشاء على لسان جورج كمبل. سوف تهز المذيعة رأسها مؤمّنة على كلامك وسيبدو الإعجاب على وجهها الجميل، ولن يتساءل أحد أبداً اذا كان هناك مفكر بهذا الاسم.

ثالثاً: هاجم «ثورة 25 يناير» بشراسة

الإعلام كله، الرسمي أو الخاص، معاد لـ«ثورة يناير». المسؤولون في التلفزيون الحكومي ما زالوا على ولائهم لمبارك، ورجال الأعمال من أصحاب القنوات الخاصة يكرهون الثورة لأنها تشكل خطراً حقيقياً على مصالحهم. عليك إذاً أن تسمعهم ما يريدون، ولكن بطريقة احترافية وناعمة. تحدث أولا عن نظرية الفوضى الخلاقة التي تريد بها الولايات المتحدة أن تدمر بلادنا. ركز على أن النشطاء الثوريين جميعاً ممولون من الخارج وقد تلقوا تدريبات عسكرية في صربيا وتركيا وقطر. لن يطالبك أحد بأي دليل على اتهامك. لا تنس أن تمرر تحية ـ على الخفيف ـ للرئيس مبارك. قل مثلاً إن التاريخ سيحكم له أو عليه وأنه ربما يكون ارتكب أخطاء، لكنه لا شك شخصية وطنية بدليل انه تنحى عن الحكم حرصاً على دماء المصريين، كما أنه رفض أن يترك مصر وفضل أن يموت فيها. بالنسبة للثلاثة آلاف قتيل والثمانية عشر ألف مصاب الذين سقطوا قبل أن يتنحى مبارك، قل إن لديك معلومات مؤكدة بأن من قتل المتظاهرين هم الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حماس وليس ضباط الشرطة أبداً. اذا كانت المذيعة ذكية (وهذا أمر نادر الحدوث)، فستستغل الفرصة وتسألك عن رأيك في مبدأ العزل السياسي لفلول نظام مبارك الذي ينادي به البعض. عندئذ قل بحماس:
ـ لفظ فلول ليس له معنى لأننا كلنا مصريون، وقد أثبتت الأيام ان من يسمونهم فلولاً يعشقون تراب مصر وهم أكثر وطنية من النشطاء الذين هم جميعاً خونة وعملاء.
قد تتحفظ المذيعة على اتهاماتك فلا تهتم، لأن تحفظها شكلي بينما ادارة القناة راضية تماماً عن كلامك. قبل أن تنتهي الفقرة، لا تنس أن تحمّل الثورة مسؤولية الانفلات الأمني والركود الاقتصادي وفشل السياحة وتفشي البطالة. ستبتسم المذيعة وتسألك عن رأيك في قانون التظاهر وحبس النشطاء الذين تظاهروا بدون ترخيص. عندئذ يجب أن تغضب وتصيح:
ـ أعذريني يا أستاذة، أنا إنسان صريح بطبعي. عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري، فليذهب أي شخص الى الجحيم. أنا أوجه كلامي لمن يسمّون أنفسهم ثواراً وهم جميعا عملاء وخونة. كفاية. إرحموا أمكم مصر. لا تبيعوها بالدولار واليورو والين. حرام عليكم.
اذا نجحت في أن تدمع عيناك فستتركز عليك الكاميرا وسيكون نجاحك ساحقاً، أما اذا تعذر عليك البكاء فلا بأس. يكفي أن يظهر التأثر الشديد على وجهك.

رابعاً: إكشف المؤامرات وافضح المتآمرين

دور الخبير الاستراتيجي الأساسي هو كشف المؤامرات. اكشف في كل لقاء مؤامرة جديدة وستجد تشجيعاً حاراً من المذيعة وفريق البرنامج. قل ما تشاء ولا تقلق فلن يسألك أحد عن مصادرك أبداً. تحدث عن تقارير من جهات سيادية كشفت عن اجتماعات مريبة بين النشطاء ومسؤولي المخابرات الأجنبية. تحدث عن اجتماع سري تم في قبرص (اذكر أي تاريخ) التقى فيه مسؤولو المخابرات الأميركية والإسرائيلية والقطرية والتركية والإيرانية والصربية بهدف تمويل النشطاء حتى يهدموا الدولة المصرية. لن يسألك أحد كيف عرفت بهذه التفاصيل الدقيقة. سيكون هذا مدخلاً جيداً لكي تدافع عن الحكومة ضد أي انتقادات غربية. فاذا انتقدت الحكومات الغربية التعذيب في السجون أو أحكام الاعدام الجماعية ما عليك الا أن تشيد بقضائنا الشامخ وأن تعلن بقوة أنك ترفض التدخل في شؤوننا الداخلية، ثم تؤكد أن الغربيين جميعا يتآمرون حتى يسقطوا مصر، لكن مصر لن تسقط ولن تركع.

خامساً: صب لومك على الفقراء وامدح الأغنياء

باعتبارك خبيراً إستراتيجياً لا بد أن تسألك المذيعة عن تصورك لحل الأزمة الاقتصادية. عندئذ يجب أن تلوم الفقراء. قل للمذيعة إن حل الأزمة يتلخص في العمل. ستبتهج المذيعة وتطلب منك إيضاحاً. عندئذ، قل بصوت عال:
ــ يجب أن نكف عن الكلام ونعمل. ثلاث سنوات ونحن نتكلم ونتظاهر. كفاية. يجب أن نصمت ونعمل.
بعد ذلك، أكد انك تناشد الحكومة لتذلل العقبات امام المستثمرين ولا تستمع الى الشيوعيين والناصريين. ستطمئن المذيعة الى اتجاهك وستسألك عن المطالبة بالحد الأدنى والحد الأقصى للأجور. ارفض الفكرة وقل إن الحد الأدنى يعلم الناس الكسل والحد الأقصى يحرم الدولة من الكفاءات النادرة. قل إن هذه كلها أفكار شيوعية تجاوزها الزمن. طالب الحكومة بأن ترفع الدعم عن كل شيء فوراً، ثم أكد أن الدولة ليست أمنا ولسنا اطفالاً لنتعلق بها ونطلب منها ان تطعمنا. بعد ذلك، اعرب عن تقديرك العميق لرجال الاعمال الشرفاء الذين يغامرون بأموالهم لأنهم وطنيون حتى النخاع ويعشقون كل حبة من تراب مصرنا الحبيبة.

سادساً: كن مبدعاً في مديح المشير السيسي

المشير السيسي، الرئيس القادم، يحظى بشعبية حقيقية في الشارع لأنه انحاز لارادة الشعب وتصدى لـ«الاخوان»، ولكن هناك الآن مسابقة في مديح السيسي بين طلاب المناصب. كن مبدعاً واستعمل مديحاً مختلفاً. قل إننا حتى الآن لم نفهم فكر المشير السيسي كما يجب. ردد كلمات المشير السيسي على المشاهدين وكأنك ترتل نصوصاً مقدسة. بعد ذلك، اشرح المعاني الكامنة في كل كلمة نطق بها السيسي.. أكد أن المشير السيسي لم يكن راغبا في الرئاسة لكن الشعب ألح عليه حتى اضطر في النهاية الى القبول. قل انك تشفق على المشير السيسي من المسؤولية الثقيلة الملقاة على كاهله وأنك رأيت وجهه فانزعجت لأنه بدا أكبر من سنه بعشر سنوات لأنه يحمل هم الوطن. عندئذ ستسألك المذيعة ان كنت ترى في المشير السيسي صفات معينة تجعله أقدر على قيادة البلاد. هذه فرصتك. انطلق في ذكر الصفات العظيمة للسيسي: الشجاعة والحكمة والصبر والخبرة وقوة الشخصية وحب الوطن والاحساس بالفقراء. اختم فقرتك قائلا:
ــ أنا أمقت النفاق لكن المشير السيسي هو القائد الضرورة الذي مَنَّ الله به على مصر ليعبر بها الى بر الأمان.
هكذا سوف تصبح خبيراً إستراتيجياً معروفاً وستتهافت الفضائيات على دعوتك وسرعان ما ستدعوك الحكومة للمشاركة في حوار مجتمعي. افهم أولا ما يريده الرئيس وأيده بحماس وفند حجج المعترضين عليه جميعاً. في النهاية سيأتي اليوم الذي طالما انتظرته، وسيتم اختيارك لمنصب رفيع في الدولة. مبروك عليك.

السابق
جوزيان رحمة خارج «أل بي سي»
التالي
إيران: اقتراب نهاية المفاوضات يشعل البيت الداخلي