العسيري في بيروت وهيل في الرياض فماذا يُحاك للاستحقاق الرئاسي؟

لم تمض أيام قليلة على عودة السفير السعودي علي عواض العسيري الى لبنان مع ما رافقها من علامات استفهام حول ما اذا كان يحمل معه كلمة السر المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي حتى بدأت الاشارات المتصلة  تأتي تباعًا وهي تصبّ في خانة التأكيد بأنّ المملكة العربية السعودية أعادت العسيري بعد غياب سياسي عن الساحة المحلية لادارة الاستحقاق. بيد أنّ العودة بحدّ ذاتها جاءت بعد دورتين فاشلتين لانتخاب رئيس جديد للبلاد، كما أعقبت الاعلان عن تنحية الامير بندر بن سلطان عن الملفين اللبناني والسوري، إضافة إلى تزامنها مع حراك السفير الاميركي في لبنان دايفيد هيل باتجاه الرياض.

وبدا واضحًا أنّ عودة السفير العسيري الى لبنان شكلت مدار متابعة للدبلوماسية الشرقية خصوصًا أنّ دخولا سعوديا على خط الازمة اللبنانية سبقها بشكل مباشر وهو تمحور حول محطتين بارزتين لعبت فيهما الرياض دورًا مركزيًا وهما الضغط باتجاه استيلاد حكومة تمام سلام على الشكل المعروف في مشهد يؤكد أنّ المملكة كانت على بيّنة بأنّ الفراغ الرئاسي بات أمرًا محتومًا وبالتالي فإنّ تشكيل حكومة يلعب فيها تيار “المستقبل” دور ضابط الإيقاع الأمني مطلب ملح لادارة الفراغ، ومن بعدها الضغط باتجاه إنجاح الخطة الأمنية في طرابلس تعميمًا لهدوء مفروض بإلحاح من قبل واشنطن والغرب لتحييد الساحة المحلية انسجامًا مع مضمون الأجندة الاقليمية التي تلحظ في أحد أهمّ بنودها التسوية الشاملة القائمة على تكريس المكاسب من جهة وتعميم تجربة الحرب على الارهاب من جهة ثانية.
في هذا السياق، يعتبر دبلوماسي شرقي أنّ القرار السعودي بالعودة لادارة الاستحقاق الرئاسي في لبنان سببه عدم مطابقة حساب حقل المملكة على بيدر الأزمة السورية، فسقوط القلمون بمكوّناته العسكرية والسياسية أفقد المملكة آخر أوراقها الضاغطة في سوريا، كما أنّ الحوار الأميركي الإيراني عبر الدول الخمس زائد واحد أفقدها الوهج لمصلحة التنازلات المقدمة لمصلحة طهران وأبرزها التسليم الاميركي بالدور الإيراني في الخليج العربي في مقاربة تضع مستقبل المملكة  السياسي كقائدة للمنظومة الخليجية على محك التسويات.
بالاستناد إلى ما تقدّم، يمكن الاعتبار أنّ إدارة السعودية للاستحقاق اللبناني جاءت من خلال ترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على قاعدة الضغط في لبنان والحساب في الخارج والمقصود في هذا المجال هو تنازلات سياسية مطلوبة من أميركا أولا ومن العرب ثانيا لتمرير الاستحقاق اللبناني على أن تكون الفاتورة السياسية في إيران أو في سوريا .
غير أنّ التفرّد الأميركي بإدارة الملف الرئاسي قد يجهض المساعي السعودية، علمًا أنّ علامة الاستفهام تحولت باتجاه آخر، أي حول الرسالة التي يحملها هيل الى الرياض وهي بطبيعة الحال تتعلق بالاستحقاق اللبناني، لاسيما أنّ واشنطن وضعت معاييرها لمواصفات الرئيس العتيد وابرزها ضرورة قدرته على التواصل مع “حزب الله” وفي مرحلة لاحقة مع النظام السوري الذي تحول بدوره إلى ثابتة اقليمية لا يمكن تجاوزها في أيّ مرحلة من المراحل في ظل معلومات يؤكدها الدبلوماسي المعني مفادها أنّ صحة الملك السعودي باتت على المحك وهذا ما سيؤدي بالطبع الى مزيد من المتغيرات في المملكة من شأنها ان ترخي بتداعياتها على الملفات الاقليمية ومن بينها الاستحقاق الرئاسي في لبنان.

 

 

السابق
الأب بطرس عازار:هناك زيادة على الاقساط المدرسية
التالي
ماذا تفعل هيفا في وسط بيروت؟