العجز المائي تخطّى 400 مليون م3 هذه السنة

“لبنان قادمٌ على التصحر”. هكذا يصوّر الواقع المائي هذه السنة بعد فصل شتاء جاف لم تتعد كمية المتساقطات فيه 400 ملم فيما المعدل العام للمتساقطات في بيروت هو 750 ملم سنوياً. وبحسب إحصاءات وزارة الطاقة والمياه، فإن الحاجة الفعلية للمياه في سنة جافة طبيعية تبلغ 1480 مليار م3، في حين أن الكمية المؤمنة بوجود سدين القرعون وشبروح تبلغ 1097 مليار م3 ما يعني إن نسبة العجز المائي تبلغ 400 مليون م3 سنوياً.

أمام هذا الشّح المائي، تبرز أهمية بناء السدود، إذ أكد مستشار وزير الطاقة والمياه لقطاع المياه ومشاريع السدود المهندس زياد زخّور، أن”سدّي القرعون وشبروح لم يمتلئا هذه السنة، ففي حين يبلغ الحجم التخزيني للقرعون 220 مليون م3 ، لم يخزّن لتاريخه سوى 59 مليون م3، في المقابل يبلغ المخزون الحالي في سد شبروح 3 ملايين م3، فيما حجمه التخزيني حوالي 8 ملايين م3″.
وأوضح أن” الدولة لم تقم بتنفيذ أيً مشاريع مائية منذ ثلاثة أعوام، والجهود منصبة اليوم على إستكمال تنفيذ سبعة سدود قيد الإنشاء وهي على الشكل الآتي: المسيلحة وبلعة في البترون(6 مليون م3) و(1٫2 مليون م3)، اليمونة (1٫5 مليون م3)، بقعاتة في المتن (6 ملايين م3)، القيسماني – قضاء بعبدا (1 مليون م3)، الكواشرة في عكار( 0٫4 مليون م3) وسد جنًة – نهر ابراهيم(38 مليون م3)”. وأشار زخّور إلى أن هذه المشاريع التي هي قيد التنفيذ والتي يبلغ حجمها التخزيني الثابت حوالى 54 مليون م3، ستوفر نحو 124 مليون م3 إضافي من المياه سنويا (الحجم التخزيني المتحرك) حداً أقصى. ولفت إلى أن كلفة التنفيذ “تبلغ 453 مليون دولار ما عدا كلفة الإشراف على المشاريع وكلفة إستملاك الأراضي التي ستنشأ عليها السدود”، مؤكداً أن الخطة الإستراتيجية للمياه التي وضعتها الوزارة عام 2012″ ترتكز على إنشاء أكثر من 50 سداً تغذي مختلف المناطق إلا أن التنفيذ يتوقف على التكاليف البالغة ملياري دولار”.
وعن السدود المقرر إنشاؤها في ما بعد، أكد زخّور أن ثمة عدداً من المشاريع جاهزة أو قيد الإعداد للتنفيذ، منها مشروع العاصي وضرورة إستكمال (المرحلة الأولى) ومن ثم المراحل التالية تباعا، كونه يمكن لبنان من الإستفادة من حصته من مياه نهر العاصي وفق الإتفاق الموقع بين لبنان وسوريا لهذه الغاية، وبالتالي سوف يؤمن حوالى 63 مليون م3 إضافية لري سهلي القاع والهرمل، مشدداً على أن التمويل يشكل عائقاً أمام تلزيم السدود المتبقية منها “بسري ، عين دارة، كفرصير ما عدا سد المنزول الذي موَّل بقرض كويتي بقيمة 13 مليون دولار”. وأضاف” إن هذه السدود في حال تم إنشاؤها والتي تؤمن 216 مليون م3، إضافةً إلى سبعة سدود قيد الإنشاء، قد تغطي العجز السنوي البالغ 400 مليون دولار”.
أما في ما يتعلق بقضية سد جنًة التي أثيرت بين وزارتي البيئة والطاقة، فأكد زخور متابعة العمل في هذا السد الذي سيسمح بإنشاء معمل كهرمائي (صديق للبيئة) جديد ذا طاقة تصل إلى 100 ميغاوات، إضافةً إلى إمكان تطوير وتحديث المعامل الكهرمائية الثلاثة القائمة حاليا لتصل طاقتها الإنتاجية إلى حوالى 50 ميغاوات، وليبلغ إجمالي إنتاج الطاقة الكهرمائية حوالى 150 ميغاوات، مشيراً إلى تسليم وزارة الطاقة والمياه دراسة الأثر البيئي لسد جنّة إلى وزارة البيئة.
ورداً على الإتهامات حول إمكانية أن يؤدي سد جنَة إلى توقيف جريان نهر إبرهيم، أوضح زخور أن”الدراسات أخذت في الإعتبار الإبقاء على مياه النهر في أسفل السد من خلال توفير كميات المياه اللازمة لضمان جريانه بشكل طبيعي”، لافتاً إلى أن”كميات المياه المتوافرة، بعد إنتاج الطاقة الكهربائية، سوف تنتقل إلى داخل المجرى من معمل إلى آخر لتغذيتها لتنتقل بعدها إلى محطة ضبية لمعالجتها وتوزيعها على الشبكات المائية”.
خطة Blue Gold

ورغم إيجابيات هذه الإستراتيجية التعزيزية لقطاع المياه، إلاّ أن تكاليفها الباهظة، يعزز أرجحية نجاح خطة “Blue Gold” الخماسية (2015 – 2020) التي أطلقها ملتقى التأثير المدني والهادفة إلى تصحيح الإستراتيجية المائية في لبنان وجودة القطاع والحد من الإهدار بنسبة 65% في مجال الريً الزراعي. وفي هذا السياق ، أكد المدير التنفيذي للملتقى الدكتور زياد الصايغ لـ”النهار” أن” بناء 14 سداً عوضاً عن 44 وعلى مبدأ الإتصال interconnectivity بين الإحواض يساهم في تخفيف تكاليف إنشاء السدود إلى 920 مليون دولار.
ورداً على مشروع سد جنًة، كشف الصايغ أن هذا المشروع في وضعه الحالي تتعدى كلفته 270 مليون دولار، “من هنا فإن الكلفة الضئيلة لمشروع بناء السدود التمضن لخطة Blue Gold إنما تعود إلى التقنيات الحديثة المستخدمة في البناء التي تراعي الأثر الإيكولوجي لها وتؤمن كمية تخزين كبيرة تسهم في رفع مستوى الإستفادة من مياه الشفة”.
وأوضح “أن هذه السلسلة من السدود تؤمن 640 مليون متر مكعب من المياه سنوياً”، رافضاً مبدأ الخصخصة ومطالباً بعقد إجتماع تقني قريب مع فريق عمل وزارة الطاقة للعمل على نقاط التقاطع وتنمية الحوار”لأن المياه هي حق وثروة لكل اللبنانيين”.
في ضوء هذه المعطيات المنذرة بكارثة مائية، تظهر الحاجة الملحة إلى وضع إستراتيجية وطنية حقيقية تحفظ ثروة لبنان المائية من دون تحميله أعباء مالية إضافية، متخطيةً بذلك المصالح السياسية الضيقة لمنفعة لبنان ومواطنيه.

السابق
12مفقودا في اصطدام سفينتين قرب هونغ كونغ
التالي
جنبلاط: ’الربيع العربي’ ينحدر بالعالم العربي