رئيس للجمهورية على سبيل الإضطرار أم بالاختيار؟

الفراغ الرئاسي
لن يكون هنالك رئيس للجمهورية في المدى المنظور بلبنان. بل سيكون هنالك رؤساء في هذه الجمهورية وستكون "الفدرالية الرئاسية" مصطلحا جديد يضاف الى قاموس السياسة في لبنان. تُضاف إلى مثيلاته السابقات، دون عجب، منها "الديمقراطية التوافقية"، المصالحة السياسية، الثلث المعطل، رئيس توافقي منتخب، تعديل للدستور مرة واحد أكثر من ثلاثة مرات، مجلس نيابي يمدد لنفسه دون العودة الى الناخب والوزير بلا حقيبة...

قبل الحديث عن الرئيس الأفلاطوني وصفاته لا بدّ أن نبحث عن الجمهورية الفاضلة التي يفترض بالرئيس العتيد أن ياتي من بين أبنائها ومن جنس أهلها، سواء كانوا هم الناخبين المقرّرين أو إن المقرّر عاملا خارجيا. لكنّ المذهل يكمن بالكيفية التي يتعامل بها المقرّرون أيا كانوا مع الكم العددي لجماهير الجمهورية التي لا يستفاد منها إلا بعكس ماهيتها ومنطق تحرّكها. فيكون الناخبون المحليون، أي الاهل والناس، حيناً وقودا لثورة لا يعلم إلا الله مصيرها أو في أفضل الأحوال يكونون قربانا يقدمه الخاصة على مذبح مصالحهم. وما زاد من تسلط السادة على العباد وما زاد الأمر تعقيداً سوى ما برع به المشرعون المتفلسفين وتباروا على تبريره من أنّ الفضيلة تجسدت في الأخيار أمثالهم فهم أهل الكرامة الأحرار. والحقيقة أنّ هؤلاء قلة متحكمة أولغاريشية تسيطر عليهم شهوة السطلة ووحدانية المتسلط.

وبالعودة إلى واقع الحال فإنّ ما نشهده لا يغدو كونه نقلا مباشرا لما قبل المبارة. وفي الصورة يظهر لاعبو الإحتياط تحملهم أحلامهم الى المراوغة بين الوهم والطيش يتلذذون بمتخيل يدفعهم صوب المرمى ليسجلوا هدفا او اهدافا غير محسوبة البتة. وإن هي بين الخشبات الثلاث الفارعة إلا أنّها فارغة والنقل الحاصل عرَضاً الغرض منه نقل مبارة اللاعبين الأساسيين وإعلان النتيجة.

السؤال المطروح بين العامة الآن هو: هل سيأتي رئيس للجمهورية على سبيل الإضطرار أم بالاختيار؟

فإن كان بالاختيار فالجواب على هذا السؤال يلزمه إجابات عن أسئلة متصلة ومنها ما يطرح ويتمحور حول من الذي سيختار الرئيس العتيد؟ ولماذا يختاره؟ وكيف سيختاره؟ وكم يلزمه من الوقت ليختاره؟ ومن هم القادرون أصلاً على هذا الاختيار الزمكاني (في الزمان والمكان) في لحظة متحركة تمرّ على مكان ثابت.

أما أن يأتي بالاضطرار، وهو ما يحصل عادةً في أمم عقول شعوبها مستقيلة، فالسؤال عن الأسباب باطل وإن كان منطق حصوله لم يحِن وجوبه بعد. والاضطرار المقصود هنا متصل بالشهوة الغضبية للمضطر المقرر الذي اشتدّت وطأته وعظمة قوته.

شعب لبنان العظيم لم يرتقِ بعد الى مستوى الرئيس الأفلاطوني وهو لم يتصف بالفضيلة والحكمة التي تخوله تحقيق هذه الغاية. الممانعون المقاومون بدورهم لم يدركوا الشجاعة التي تخولهم الاختيار وهم ما زالوا في حال بين التهوّر والجبن أو الخوف. والوسطيون لم تسعفهم عفتهم المصطنعة عن الملذات والشهوة في الاختيار. حتّى اللواتي يطالبن بالكسرة في أواخر الأفعال لم يستطِعنَ إلى الآن بلوغ النشوة بالاختيار فبقيت مرتبطة بالفتحة وإن ظهرت في بعض الاحيان فذلك بتأثير حرف الجر.

لن يكون هنالك رئيس للجمهورية في المدى المنظور بلبنان. بل سيكون هنالك رؤساء في هذه الجمهورية وستكون “الفدرالية الرئاسية” مصطلحا جديد يضاف الى قاموس السياسة في لبنان. تُضاف إلى مثيلاته السابقات، دون عجب، منها “الديمقراطية التوافقية”، المصالحة السياسية، الثلث المعطل، رئيس توافقي منتخب، تعديل للدستور مرة واحد أكثر من ثلاثة مرات، مجلس نيابي يمدد لنفسه دون العودة الى الناخب والوزير بلا حقيبة…

قيادة السفينة لن تكون بالتسلط ولا بالتغلب، والمستند إلى الدعاء في تغيير حاله فإننا نبشّره بأنّ دعاءه سيبقى معه وكذلك كلام السفسطائين ما لم يُغلق باب اجتهادهم وجدالهم. ولن يكون لهم عمل يسير أمامهم. وما دام العقل الوطني الصافي مستقيلا سيكرّس اليأس ويعلن عن انتحار السياسة وستنتصر الملكية التي هي سبب النزاعات وستستغلّ العقيدة لتحقيق الغنيمة وسيبقى البلد جمهورية الاختلاف في الرأي وليس بناء الرأي وسيقودنا جهل مفقر إلى القبر.

السابق
سجال حرب ـ باسيل: سمسرة وسرقة في ’الاتصالات’
التالي
الحكومة لم تبحث اتهام «الأخبار» و«الجديد»