ثلاث استحالات رئاسية

ما زالت معركة الرئاسة اللبنانية في طور التسلية والترفيه. لكنها لن تبقى كذلك طويلا. هي تواجه ثلاث استحالات دفعة واحدة، يتطلب تخطي كل منها معجزة. اما التغلب عليها جميعا فهو يستدعي تدخلا إلهيا.

الاستحالة الاولى هي إقناع ميشال عون وسمير جعجع انهما غير مؤهلين للرئاسة، وبان عليهما سحب ترشيحهما  والمساهمة في اختيار الرئيس المقبل من خارج معسكريهما. الاستحالة الثانية هي تفاهم السنة والشيعة، او ما يعرف مجازا بحزب الله وتيار المستقبل، او ما يسمى تندراً بفريقي 8 و14 آذار، على مرشح ماروني واحد وموحد. الاستحالة الثالثة هي ان تتوافق كل من السعودية وايران واميركا وفرنسا والفاتيكان على تسمية خليفة الرئيس ميشال سليمان.
الجهود الحثيثة التي تبذل الان تركز على تجاوز الاستحالة الاولى. والحق ان عون وجعجع اثبتا انهما مرشحان صلبان، عنيدان، جديان. كان يعتقد ان الجلسة النيابية الاولى قبل اسبوعين كانت كافية لدفعهما الى العدول عن خوض المعركة، لكنهما رفضا بشدة إلتقاط الاشارات الواضحة التي صدرت من فرز الاصوات في البرلمان، ولم يلاحظا بان حلفاءهما يتعاملان مع كل منهما باعتباره درعا يصد الاخر ويمنعه من المضي قدما في الطموح الى الرئاسة.
المقارنة بين التنازلات السياسية التي قدمها الرجلان ليست في مصلحة اي منهما. قطع عون مسافات طويلة، وانقطع او هو يكاد ينقطع عن كل ما راكمه في السنوات الثماني الماضية منذ عودته من المنفى الفرنسي، لانه واثق من جدارته ومن حقه في الفوز بالمنصب. المؤكد انه لم يفقد الأمل حتى الان. ولا احد يعرف كيف او متى يمكن ان يفقد هذا الأمل، ما يسمح بالتداول في بقية الاسماء المرشحة، وما يوفر له فرصة ان يكون الناخب الاول للرئيس الجديد، ويحرم خصمه اللدود جعجع من فرصة ان يكون صاحب الفيتو الاول على اسم الرئيس المقبل، وهو ما ينشده ضمنا من البقاء حتى النهاية في معركة خاسرة سلفا.
ينسحب هذا المنطق الماروني على الصراع بين السنة والشيعة،الذي تجدد في الايام الماضية بشكل حاد، عندما ثبت ان التورط في سوريا ليس سوى هامش،مؤجل ربما، بالمقارنة مع المحكمة الدولية التي قيل فيها ما لم يقل في لحظة تأسيسها، فقط لانها كانت تدافع عن نفسها وعن شهودها بالقانون والنظام، وتحولت مرة أخرى الى عبوة ناسفة تهدد بتفجير كل ما أشيع عن وئام بين أتباع المذهبين، عكسته التسوية العابرة التي أدت الى تشكيل الحكومة الحالية.. والتي يدرك الجميع ان الجانبين يتعاملان معها باعتبارها استراحة محاربين، تساعد في التحضير للجولات المقبلة من الصراع، وبينها جولة رئاسة الجمهورية الحاسمة بالنسبة الى السنة والشيعة على حد سواء.
باعدت الحملة التي شنت على المحكمة الدولية بين المذهبين، واستبعدت حوارهما الذي يمثل خطوة أولى لا بد منها من اجل الحؤول دون الفراغ في رئاسة الجمهورية الذي يعني حكماً اشتباكاً بين السنة والشيعة، يبدأ حول صلاحيات رئيسي الوزراء والنواب، ولا ينتهي عند المطالبة بإلغاء الطائف وعقد مؤتمر تأسيسي جديد..وهو ما لن يكون بمقدور الموارنة والمسيحيين تداركه، بل يمكن ان يتحولوا الى طرف فيه، وبالتالي الى ضحية.
اما الاستحالة الثالثة، فهي تتمثل بذلك الحلم الذي ما زال يراود الكثيرين من اللبنانيين، في ان الرياض وطهران ستوقفا معاركهما الطاحنة والمباشرة في كل من سوريا والعراق من اجل ان تتفاهما على رئيس جديد للبنان، او ان واشنطن وباريس ستتمكنا من اختيار وفرض الرئيس اللبناني المقبل على السعوديين والايرانيين، وحتى على السوريين.. او ان العواصم الاربع ستتداعى الى اجراء محادثات سرية، يحضرها موفد فاتيكاني، ويتم التوصل بنتيجتها الى اخراج لبنان من المأزق الرئاسي.
الاستحالات الثلاث هي أدلة على ان عملية اختيار رئيس الجمهورية أصعب وأعقد من الماضي، عندما كان الامر يتطلب تفجيراً او اغتيالاً او اشتباكاً. التجربة اللبنانية مرشحة الان للبحث عما هو مختلف، ومبتكر..
السابق
لقاء صداقة كوري لبناني لدعم التنمية
التالي
تفجير ذخائر في محيط طير حرفا وتبنين