الجيش يطارد مسلحين في جرود عرسال

كتبت السفير: لم يكن الحدث أمس في مجلس النواب، لاسيما أن أحدا لم يتوقع أصلاً اكتمال نصاب جلسة الانتخاب. كان ما يجري خارج القاعة العامة للمجلس أهم من السيناريو الممل داخلها، وأشد تأثيرا على مسار الاستحقاق الرئاسي.

الخبر كان في مكان آخر. جزء منه صنعه الاتصال العابر للبروتوكول الذي أجراه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالنائب وليد جنبلاط. ليس أمراً بسيطاً أن يتصل رئيس دولة غربية كبرى برئيس حزب لبناني ليناقش معه واقع الاستحقاق الرئاسي. وبمعزل عن مضمون الاتصال، فإن مجرد حصوله يعكس الاهتمام الفرنسي المتزايد بملف رئاسة الجمهورية، على وقع الكلام القائل بأن باريس ستؤدي دوراً محورياً في هذا الملف بالتنسيق مع واشنطن.
وقد أكد الرئيس الفرنسي لجنبلاط أهمية حصول الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، وأن يكون مدخلا لمزيد منن الاستقرار والتفاهم بين اللبنانيين.

جزء آخر من “الخبر”، بقي مقيماً في باريس أيضاً، حيث ظلّ اللقاء بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل مادة للتشريح والتحليل، أضيفت اليها مادة جديدة مساء أمس، مع استقبال الحريري في دارته الباريسية البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي.

وإذا كان كل من الحريري وعون قد تركا الأبواب مفتوحة على مزيد من الحوار، فإن المعطيات تفيد بأن المهلة الزمنية الممنوحة لفرصة التفاهم تنتهي على عتبة 25 أيار، كحد أقصى، وهو الأمر الذي يتيح للحريري أن يربح بعض الوقت الإضافي، قبل أن يحسم خياره علناً، بعدما ربط موافقته على انتخاب عون بموافقة حلفائه المسيحيين في “14 آذار”.

جرود عرسال

خبر أمني استقطب الاهتمام كذلك، وتمثّل في اشتباكات دارت لساعات عدة، بين الجيش اللبناني ومسلحين سوريين في جرود عرسال، فيما قصف الطيران الحربي السوري مواقع حدودية للمجموعات المسلحة. وأسفرت هذه الاشتباكات عن إصابة عدد من العسكريين اللبنانيين بجروح، فيما ترددت معلومات عن مقتل نحو 17 مسلحاً سورياً، وإصابة آخرين بجروح.

وبدأت الاشتباكات بعد تعرض دورية تابعة للواء السادس في الجيش، إلى إطلاق نار من مسلحين في محلة الرهوة في جرود عرسال، ما أدّى إلى إصابة خمسة عسكريين، وذلك أثناء قيام الدورية بمداهمة مقر يحوي على عدد من السيارات المسروقة والمفخخة، بلغ عددها تسعة.

وعلم أن الدورية تعرضت لإطلاق نار بأنواع عدة من الاسلحة من عدد كبير من المسلحين، ما استدعى دعمها بقوات إضافية من الفوج المجوقل واللواء الثاني. وعلى الأثر، لاحق الجيش المسلحين حتى عمق جرود عرسال، حيث دارت اشتباكات عنيفة، شاركت فيها طوافتان للجيش عملتا على تمشيط المرتفعات والأماكن الوعرة.

تجدر الإشارة الى أنّ المنطقة التي دارت فيها الاشتباكات هي منطقة شاسعة ووعرة جداً وقريبة من الحدود، ويتحصن فيها عدد من المسلحين السوريين وبعض اللبنانيين الذين فرّوا من معارك القلمون.

وقال مصدر عسكري لـ”السفير” أن الجيش أنهى عمليته عند الرابعة بعد الظهر، مشيراً الى أنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد القتلى والجرحى في صفوف المسلحين الذين أجلوا. وأكد أن معظم أهالي عرسال متضامنون ومتعاطفون مع الجيش، أما المجموعات المسلحة التي اعتدت على العسكريين فهي جسم غريب، موضحاً أن قصف الطيران السوري طال نقاطاً حدودية، ولا يندرج في سياق العملية التي نفّذها الجيش.

حراك لبناني في باريس

أما على الصعيد السياسي، فقد رفع الرئيس نبيه بري الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية الى الاربعاء المقبل، في السابع من ايار، لعدم اكتمال نصاب الثلثين (86 نائبا)، وهو نصاب سيظل مفقوداً الى حين العثور على تسوية تأتي برئيس متوافق عليه من الجميع أو من أكثرية القوى السياسية المؤثرة.

وبعد ساعات من اللقاء بين الحريري وباسيل، التقى الحريري البطريرك الراعي، بحضور مطران باريس للموارنة المونسنيور مارون ناصر الجميل ونادر الحريري ومدير مكتب الإعلام والبروتوكول في البطريركية المارونية وليد غياض.

وأكد الحريري خلال اللقاء، كما أفاد مكتبه الاعلامي، رفضه المطلق لحصول الفراغ في منصب الرئاسة الأولى، مشدداً على ضرورة تضافر الجهود المطلوبة بين جميع اللبنانيين لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري. وتوجه الى البطريرك قائلا: “إذا كان صحيحاً ما تؤكده كل القوى السياسية من رفضها للفراغ وحرصها على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، فهذا يعني أن ينجز الاستحقاق الرئاسي، وأنه بإمكان لبنان واللبنانيين تفادي الوقوع بالفراغ”.

وبينما يرى البعض أن الموقف النهائي للحريري من خيار عون أو غيره يرتبط بـ”كلمة سر” سعودية، أكدت مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع لـ”السفير” أن القيادة السعودية متمسكة بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وأن الرياض شجّعت وتشجع أية خطوة وفاقية، وتنصح باعتماد خيارات رئاسية وفاقية تكون مقبولة من أغلبية اللبنانيين، ولا تشكل عنصر استفزاز لأحد.

وشدّدت المصادر الديبلوماسية على أن السعودية لا تحبّذ اعتماد خيارات رئاسية حادة من شأنها أن تدخل لبنان في مطبات أو محاذير معينة، مشددة على أن لسان حال المسؤولين السعوديين أمام كل من راجعهم في الآونة الأخيرة هو أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأنه على اللبنانيين التفاهم في ما بينهم على رئيسهم الجديد “وعندها سنبارك لهم خيارهم، وفي كل الأحوال لا يتوقع أحد أن نسمي مرشحاً رئاسياً معينا”
.
وفيما زار الوزير الياس أبو صعب أمس كلا من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، قالت مصادر بارزة في “التيار الوطني الحر”” لـ”السفير” إن الاجواء التشاؤمية التي سرّبتها بعض الأوساط السياسية والإعلامية حول نتائج لقاء باريس ليست صحيحة، مشيرة الى أن هذا اللقاء حقق تقدما يكفي للبناء عليه، ومواصلة الحوار.

ولكن المصادر أشارت في الوقت ذاته الى أنه “لا شيء محسوماً بعد، والنقاش يمكن أن ينتهي الى خواتيم سعيدة وربما لا، إنما ما دمنا نتقدم، لا نستطيع أن نتوقف الآن، ولا بد من استمرار المحاولة”.

وأكدت المصادر أنه “لو لم تكن لدى الرئيس الحريري قابلية للبحث في التوافق على انتخاب العماد عون رئيساً، لما حصل الحوار من أساسه، ولما جرى الاتفاق على مواصلته”.

ولفتت مصادر “التيار الوطني الحر” الانتباه الى أن المفاوضات مع الحريري ليست مفتوحة، وهي محكومة بسقف زمني محدد، لا يتجاوز حدود اليوم الأخير من المهلة الدستورية في 25 أيار الجاري، خصوصا أن الطرفين تفاهما على رفض الفراغ وضرورة تجنّبه، الأمر الذي يعني أنه لا بد من الوصول قبل منتصف ليل 25 أيار الى اتفاق أو خلاف، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه.

وتعليقاً على قول رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إن سعي عون الى الحصول على تأييد الحريري لبلوغ رئاسة الجمهورية يشبه من يلحّ على التقرب من فتاة مخطوبة، قالت المصادر أن جعجع يشبه من جهته حال عريس وافق هو وأهله على الزواج من فتاة، لكن بقي أن العروس ليست في وارد الزواج.

وغداة لقاء باريس، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق في مقابلة مع “تلفزيون المستقبل” إن “تيار المستقبل” لن يتخلى عن ترشيح جعجع إلا بموافقته وقبوله. وأضاف: لن نتخلى عن حلفائنا، فنحن خضنا الاستحقاقات سوياً منذ الـ2005 وليُقنع العماد عون مسيحيي 14 آذار بترشيحه.

وأشار الى أن الرئيس الحريري حريص على أن يكون الرئيس المقبل ممثلا للجزء الأكبر من المسيحيين في لبنان عكس ما كان يجري سابقا. وأوضح أن مرشّحه المفضّل والدائم هو جان عبيد.

السابق
«الحريريون»: نريد الانتهاء من ابتزاز جنبلاط!
التالي
فتوى دولية يجري العمل عليها لإدخال مساعدات لشمال سوريا