عن حقوقي التي هدرتها «الهيئة الصحية الاسلامية»

امرأة تبكي
هذه خلاصة تجربة عمل خضتها لسنوات في "الهيئة الصحية الاسلامية" التابعة لحزب الله. وتمت "إقالتي" بالإجبار على الاستقالة، بعدما ألقيت على كاهلي 3 أو 4 وظائف، بنصف راتب. وحين رحلت قام بعملي أكثر من 3 أشخاص برواتب أكبر. والسبب: أنّ لي "رأيا" في زمن باتت الوظيفة معيارها "الرضوخ" و"منع حرية التعبير"، لا الكفاءة ولا الأداء المهني أو الإخلاص في العمل.

العمل في اية مؤسسة هو حاجة مادية ومعنوية للعمال، وبالتالي فإن الامان المادي يشجع العامل على الانتاج والعطاء. الا ان الكثيرين من العاملين في لبنان، بمختلف القطاعات لا زالوا يعانون من مشكلتين اساسيتين، اولهما: عدم التنسيب الى الضمان الصحي، وبالتالي غياب عقد العمل الرسمي، وثانيهما وجوب الاستزلام لاصحاب المؤسسة.

بدأت مشكلتي مع المؤسسة التي دخلت اليها لأنني لم اكن “زلمة” أحد فيها، باللغة المحكية، و”محسوبة” على أحد النافين باللغة الفصحى.

ففي 20 نيسان من العام 2008، أي قبيل السابع من ايار ببضعة ايام قررت ان اترك عملي في الهيئة الصحية الاسلامية، تاركة وظيفة متعددة الاوجه والاوصاف براتب زهيد عبارة عن 800 الف ليرة لبنانية، وبمهام اولها اعداد وتحرير مجلة الهيئة من الجلدة الى الجلدة، ثم التغطية الاعلامية لأنشطة الهيئة واعداد التقارير ومتابعة المطبوعات والمنشورات في المطبعة، وتغليف هذه المطبوعات، وكل ما يصدر من اجل توزيعها، والتواصل مع المناطق، اضافة الى اعداد كتاب توثيقي عن تاريخ الهيئة حيث انني (نكشت) اساس الهيئة، ومن أسّسها من الجنوب الى البقاع الى بيروت الى الضاحية الجنوبية، الى كل من له يد ومساهمة في وجودها، وحرّرت الكتاب، وتابعت مشتريات المديرية وحسابها.. وهلمّى جرّا!

كل هذه المهام العامة، اضافة الى مسؤوليات متابعة عامل البريد وعاملة التنظيف، هذا كله لم يشفع لي لان اكون مثبتة في عملي او مضمونة صحيّا. بل كنت مديرة براتب عاملة. وربما عاملة التنظيف كانت تتقاضى راتبا اعلى وضمانات اعلى- بالطبع مع احترامي لكلّ عاملات التنظيف. الا ان خبرات ومهام دائرة الاعلام ليست سوى دائرة بنظر المعنيين في الهيئة.

فلماذا قبلت بكل هذه المهام؟ لأنّ القيمين على عملي كانوا يعرفون اني اقدّس العمل، وكنت انتظر تنفيذ وعد ممن اظهرت التجارب انه لايملك القدرة على تنفيذ الوعود.

لم يكن ليقدّر احد ما هذه المهام الا بعد استقالتي التي عرفت انها كانت أُمنية الادارة في الهيئة الصحية الاسلامية، فحقّقتها لهم بعد ضغوطهم بهذا الاتجاه. والسبب أنّني رفضت التوقيع على ورقة تؤكّد أنني لن اتعاطى الكتابة الصحافية إلا بعدد اطلاعهم على النصّ. ولأنهم خافوا من أن أتطرّق الى ملفات تضرّ بسمعة حزب الله او سمعة حلفائه، وأذكر يومها أن النائب وليد جنبلاط كان حليفا لهم.

اللافت في القصّة انه بعد استقالتي “المزيّفة”، التي هي اصلا إقالة بعد تسكير الطرق كلّها بوجهي، تم تقسيم المهام التي كنت اقوم بها إلى أشخاص كثيرين، من مدير تحرير للمجلة، ومسؤولة إعلامية وغيرهم، فبات لكلّ مهمة موظف، برواتب وتحفيزات مالية ومعنوية.

كل هذا يستشف منه الهدف من الضغوطات التي مورست عليّ بهدف طردي بطريقة باردة. كنت قد وصفتها سابقا بعملية “الذبح بالقطنة” التي يشتهر بها السياسيون الإيرانيون. العبرة من تجربتي في هذه القصة انّ من عملت معهم بكل إخلاص كافأوني مرتين على أدائي المهني. إلا أنّ سوسة “الدسّ” قد أخذت مأخذها لدى من يرون أنفسهم “أم الصبي”. وتبيّن أنّه يمنع على الموظف أن يكون له “رأي”. وتبيّن أنّ “الوظيفة” مقابلها “منع” الانتقاد ومنع التعبير عن الرأي والرضوخ لكلّ ما تتطلّبه “عقيدة” ربّ العمل. لم ينظر الحاقدون الى ادائي المهني واخلاصي في العمل عكس الكثيرين ممن يقضون اوقاتهم في التنظير والصلاة والدعاء خلال العمل. بل ان المطلوب فقط ترداد “الشيفرة” المعروفة كاختبار شفهي شبه يومي. والغريب في الامر أن هؤلاء ممن يتحدثون بالاسلام لا يعرفون من الحقّ الا الشعارات. فنائب المدير العام حضر جلسة التشكّي على ادارته بهدف تحصيل حقوقي المادية، وهو قال أمام القاضي، قبل بدء الجلسة الاولى: “يا مولانا هي من كتبت ضدّكم نصّا في المطبوعة الفلانية”، محاولا إثارة المشايخ الاعضاء في اللجنة المعنيّة بإعادة الحقوق المهدورة!!!

فصحّ القول: “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”. فاتخذت اللجنة قرارا بعدم الاستماع لي، بل بالاكتفاء بقراءة نصّ مختصر عن القضية بأكملها.

فهل الحقوق والدين أمران لا يلتقيان؟ وهل إنّ سلطة الدين تتعارض مع النقد والحرية؟ وهل إنّ الطاعة هي من اصول الدين: طاعة وليّ الامر المهني؟

سيبقى الحقّ ينادي مع بداية كل أيّار من كلّ عام الى ان يعود الى اصحابه وتعود حقوقي المالية، التي لن تعوّض الحقوق المعنوية اطلاقا.

السابق
حماس نحذّر من خطورة رفع الحظر عن زيارة الأقصى
التالي
ماذا تركنا وراءنا