هل يَسحب الأسد ترشيحه في اللحظة الأخيرة للمقايضة؟

بمجرّد أن أعلن الرئيس السوري بشار الأسد ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية في سوريا، كثرت التساؤلات ما إذا كان هذا الترشيح يهدف إلى الفوز بولاية ثالثة، أم أنه سيُستخدم كورقة تفاوض ومساومة قد تصل إلى درجة سحب هذا الترشيح في اللحظة الأخيرة.

بحسب المعطيات المتوفّرة، والتي كنا ذكرناها في أكثر من مقال سابق، إنّ قرار خوض الأسد للإنتخابات الرئاسية قد إتخذ منذ مدّة غير قصيرة ومن قبل أعلى المراجع السورية، ولا نيّة للتراجع عنه أيّا تكن الظروف والضغوط. وبالتالي، هذا الترشيح ليس للمناورة أو للمقايضة مع الغرب في المستقبل، والسبب أنّ القيادة السورية تعتبر أنّ التشكيك بصحّة وبشرعيّة وبدستوريّة أيّ إنتخابات يبقى أقلّ ضرراً وتأثيراً من عدم إجراء هذه الإنتخابات بالمُطلق، وانّ تنحّي الرئيس الأسد غير وارد بعد التحوّلات السياسية والعسكرية التي صبّت بأغلبيتها في مصلحته. من هنا، تعمل القيادة السورية حالياً، وبجهد كبير، على تنظيم جلسة إنتخاب تُوحي بمعركة ديمقراطية مع مرشّحين آخرين، علماً أنّ النتيجة معروفة سلفاً، حيث ستنتهي “المواجهة الإنتخابية” بفوز الرئيس الأسد بولاية ثالثة من دون أدنى شك. وتعمل هذه القيادة على خطّ مواز على توسيع بقعة إنتشار وسيطرة الجيش السوري، لتشمل الإنتخابات المُرتقبة أكبر مساحة جُغرافية ممكنة. من هنا، يُنتظر أن تشهد الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة، المزيد من الهجمات الواسعة للجيش السوري على أكثر من محور.
في المقابل، تُعَوّل المعارضة السورية على الحصول على إجماع من الدول الغربية بعدم صحّة وشرعيّة الإنتخابات الرئاسية السورية المنتظرة، لتستخدمها كورقة ضغط في المستقبل، طالما أنها عاجزة عن فرض منع إجراء هذه الإنتخابات. وتُخطّط المعارضة لتصعيد أمني كبير على أكثر من جبهة عشيّة الإنتخابات، ليس عبر شنّ هجمات ميدانية غير فعّالة، بل عبر القصف من بعيد، وذلك بهدف التسبب بأجواء أمنيّة ضاغطة وغير مناسبة إطلاقاً لإجراء إنتخابات هادئة، في إطار المساعي الرامية إلى سحب الشرعيّة من هذه الإنتخابات التي لا أمل للمعارضة بالنجاح فيها أو حتى بإحداث تغيير في نتائجها. تذكير أنّ الدستور السوري الجديد، والذي جرى إقراره في خضمّ الحرب في العام 2012، يَستوجب على أيّ مرشّح للرئاسة أن يكون قد أمضى السنوات العشر الأخيرة من حياته داخل سوريا، وأن يحظى بتوقيع 35 نائباً من مجلس الشعب، ليحظى ترشيحه بالقانونيّة، الأمر الذي قطع الطريق على ترشّح أيّ معارض جدّي للنظام. كما أنّ كل اللاجئين السوريّين الذين فرّوا من البلاد عبر معابر لم تكن خاضعة للسلطات الرسمية، ولا يملكون أختاماً شرعية على جوازاتهم، ممنوعون من التصويت، الأمر الذي قطع الطريق على أعداد كبيرة من المعارضين السوريّين أمام المشاركة في عمليّة الاقتراع في الإنتخابات.
ومن المُتوقّع أن تزداد وتيرة الضغوط السياسية المُتبادلة بين النظام ومن يدعمه، ومعارضيه ومن يدعمهم، وذلك بالنسبة إلى مدى قانونية وشرعية ودستورية إجراء إنتخابات رئاسية في ظلّ الظروف الراهنة، من حيث إستمرار المعارك، وعدم سيطرة السلطة على كامل الأراضي السورية، ووجود ملايين النازحين الداخليّين واللاجئين إلى الخارج، وعدم إعتراف المعارضين بالدستور الجديد. وبعد تجاوز محطّة الإنتخابات ستدخل سوريا مرحلة جديدة، تُصبح فيها فرصة تحقيق أيّ تقدّم عبر المفاوضات أقلّ إحتمالاً، وتصبح الكلمة للمعارك الميدانية أكثر فأكثر!

السابق
تحية إلى دلال مغربي
التالي
راغب علامة: أنا مع حرية الاعلام لأنها «مقدسة»