هل يتحوّل عون من مرشّح إلى ناخب؟

المطّلعون على الموقف السعودي يختصرونه بالآتي: المملكة التي تعطي وزناً كبيراً للالتزامات والعلاقات الشخصية لم تغفر للنائب وليد جنبلاط انقلابه على التفاهم معها على رغم العلاقة التاريخية التي تربطه بها. وبالتالي، لن تضحّي بعلاقتها مع الدكتور سمير جعجع لمصلحة النائب ميشال عون على رغم أنها لم تتجاوز إساءاته إليها.

يرجّح ألّا يؤدي إبلاغ الرئيس سعد الحريري الوزير جبران باسيل عدم تبنّي ترشيح العماد عون إلى انفراط العلاقة المستجدة بين «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، وذلك لسببين أساسيين:

أولاً، لن يفرّط «المستقبل» بالمكتسبات التي حققها بالانفتاح المتبادل مع «التيار الحر»، وفي طليعتها تعطيل جبهة سياسية كانت مفتوحة في وجهه. وبالتالي، سيعزو قرار عدم تبنّي عون إلى ظروف موضوعية لا ذاتية تتعلّق بـ»المستقبل» نفسه، وهذه الظروف تبدأ من موقف الرياض الذي لم ينجح الحريري في تليينه ولا تنتهي بالمناخات الدولية التي رأت أنّ مواصفات عون لا تتناسب مع طبيعة المرحلة، فضلاً عن أنّ توقيت زيارة باسيل إلى موسكو في لحظة اشتباك الأخيرة مع السعودية في الملف السوري، ومع أميركا والاتحاد الأوروبي في الملف الأوكراني، قطعت الطريق الدولية أمام وصوله إلى قصر بعبدا.

ثانياً، لن يفرّط عون بالعلاقة المستجدة مع «المستقبل» التي وسّعت من هامش حركته السياسية ووضعته على تقاطع الانقسامات الوطنية وأدخلته في صميم المعادلة الفئوية التي تبدّي الاعتبارات المصلحية على المبدئية، فضلاً عن أنه يدرك ضمناً أنّ تراكم 8 سنوات من المواجهة المفتوحة لا يمكن تبديدها وتبديل الصورة المأخوذة عنه بأشهر معدودة. وبالتالي، لن يعود إلى الوراء، إنما سيتفهّم موقف «المستقبل» ويميّز بين العلاقة معه والموقف من الرئاسة.

وفي حال صحّت التوقعات أعلاه تبقى معرفة طبيعة ردّ فعل عون، بمعنى هل سيتمسّك بترشيحه مراهناً على تبدّل المعطيات الخارجية لمصلحته ولو تطلّب الأمر الدخول في صحراء الفراغ، أم أنّ الاندفاعة الدولية والعربية لن تتيح له هذه الفرصة وستدفعه إلى التسليم بالوقائع السياسية والانتقال من صفة المرشح إلى الناخب؟ وهل التنقّل بين الضفتين سهل بالنسبة إلى عون في ظل فرصته الرئاسية الأخيرة؟

وفي هذا السياق يبرز احتمالان: الاحتمال الأول والمتصِل بحجز عون للاستحقاق وتضامن «حزب الله» معه والذي سيؤدي إلى الفراغ. والاحتمال الثاني المرتبط بدخول عون في التسوية الرئاسية والثمن الذي سيضعه كتعويض لتخلّيه عن الرئاسة الأولى.

وإذا كانت مشكلة الاحتمال الأوّل تكمن في تفريغ أبرز موقع مسيحي-وطني، كما في المنطق الاستئثاري والشخصاني الذي يتعامل مع الاستحقاقات على قاعدة «إمّا أنا أو الفراغ»، فإنّ المشكلة في الاحتمال الثاني تكمن في الانزلاق إلى تسوية مع عون من دون الأخذ في الاعتبار الآتي:

أ- التنازل لم يقدم عليه عون منّة منه، إنما جاء نتيجة تعثّر حظوظه. وبالتالي، لا يصحّ الكلام عن مكافآت وتعويضات، لأنّ ما ينطبق على عون ينسحب على جعجع الذي باستطاعته أيضاً رفض الانسحاب من المعركة ما لم يحصل على مكافأة. ولذلك، منطق المكافآت مرفوض، خصوصاً في اختيار الرئيس المقبل.

ب- تسمية أيّ رئيس لا يجوز أن تتمّ انطلاقاً من حسابات فئوية، إنما يجب أن تراعي المعايير والمواصفات التي وضعت في بكركي بدءاً من الوثيقة الصادرة عن هذا الصرح التي تفرض على الرئيس العتيد الالتزام بعناوينها وخطوطها لا الالتزام بالمواصفات التي يضعها «حزب الله» والتي من حقه وَضعها، إنما على مستوى الرئاسة الثانية لا الأولى ولا الثالثة، وصولاً إلى الحيثية التمثيلية التي يجب أن يتمتع بها أساساً الرئيس العتيد أو يكتسبها من خلال مباركة القيادات الأربعة له في بكركي.

ج- كلّ السلوك العوني يدلّ أنّ العماد عون يرفض الإقرار بأيّ حيثية مسيحية غيره، ولذلك يحاول ضرب هذه الحيثيات للتفرّد بالزعامة المسيحية كما فعل في انتخابات العام 2005 ومن ثم في الانتخابات الفرعية في المتن على أثر استشهاد النائب بيار الجميل وتقصّده تسديد ضربة للكتائب وعائلة الجميل خلافاً للأعراف، فيما كان يجب أن يؤول المقعد تلقائياً إلى آل الجميل، وأخيراً في المشروع الأرثوذكسي الذي كان كلّ الهدف من تأييده فك تحالف «المستقبل»-»القوات» وإضعاف الأخيرة داخل الشارع المسيحي.

ولا شك أنّ عون لن يفوّت مناسبة انتقاله من موقع المرشح إلى الناخب بغية تسجيل النقاط على خصومه المسيحيين، حيث سيحاول الالتفاف على جعجع ومسيحيي 14 آذار من خلال تخريج التسوية الرئاسية مع الثنائية الحزبية الشيعية و»المستقبل» على حسابهم في خطوة تعويضية مثلثة الأضلاع: الظهور أمام الشارع المسيحي بمظهر المُمسِك بتسمية خلف الرئيس ميشال سليمان، فكّ التحالف بين «المستقبل» ومسيحيي 14 آذار، الحصول على مكاسب سلطوية وزارية وعسكرية وإدارية.

لكنّ حرص «المستقبل» على التبريد مع «التيار الحر»، كما مع «حزب الله»، وتنظيم الخلاف معهما، لا يعني أنه في وارد أن يُبرم أي تسوية رئاسية على حساب حلفائه عبر تحالف خماسي يُقصي مسيحيي 14 آذار، خصوصاً أنّ أيّ تسوية من هذا النوع تؤدي إلى إضعافهم، واستطراداً إضعاف «المستقبل» ونهاية 14 آذار، فضلاً عن أنّ «المستقبل» يدرك جيداً أن كلّ الهدف من التبريد ترييح الساحة السنية، وهذا حقه.

وبالتالي لا يمكن أن يوظّف هذا التبريد مسيحياً لإرباك حلفائه، فيما يفترض أن تشكّل المحطة الرئاسية مناسبة لتعزيز وجهة نظر 14 آذار بمسيحيّيها ومسلميها عبر الإتيان برئيس يجسّد عناوين انتفاضة الاستقلال.

وأمّا الذريعة بأنّ الترتيب الذي قضى بإبعاد عون عن الرئاسة الأولى يقابله ترتيب آخر يقضي بإبعاد مسيحيّي 14 آذار عن تسمية الرئيس العتيد فهي مرفوضة جملة وتفصيلاً بالنسبة لهذا الفريق.

السابق
انقلاب شاحنة على طريق ملتقى النهرين
التالي
بالصور: النساء الأجمل في الشرق الأوسط