أبو الفكر.. جامع وجوه الشقراويين وحكاياتهم

«من لا يحفظ تراثه لا يستحق مستقبله»، هكذا انطلق محمد العلي أو كما يعرف منذ شبابه باسم أبي الفكر، ابن بلدة شقرا الجنوبية الموغلة في العلم وموئل العلماء، حاملاً لواء جمع تاريخ الناس في هذه البلدة الذين فرّقتهم بلاد الغربة وكاد يأكلهم النسيان. عشر سنوات من التعب والبحث والجمع ذاق خلالها مرارة الاستهزاء حينا والتطنيش أحياناً أخرى حتى استطاع أن يجمع أكثر من خمسة وثلاثين ألف صورة لوجوه من شقراء ومحيطها حتى صار المرجع الأول لذلك.
يشير العلي إلى أن الفكرة بدأت تتبلور لديه منذ العام 2004، وهو العام الذي بدأ فيه بجمع الصور، ولا يخفي أن الكثيرين حاولوا ثنيه عن مشروعه حتى وصل الحال بالبعض إلى الاستهزاء، لكنه مع مرور الوقت وبدء اكتشاف أهمية عمله من قبل هؤلاء تحول الأمر إلى تشجيع ودعم ومساندة.
يعتبر أبو الفكر أن عمله هو رحلة لاستكشاف التراث الإنساني في بلدته، محاولاً نبش الذكريات ممن أراد دفن تراثه عمداً أو عن غير عمد ونقله إلى الذين لم يدركوه.
كرس أبو الفكر، منذ العام 2004 وقته في جمع آلاف الصور، التي تشع ببريق زمن قد مضى، تنوعت بين الوجوه القديمة والأماكن والحرف والمناسبات ليهندسها في إطارات، ثم ليعرضها في العديد من المناسبات إلى أن ابتدع مؤخراً أسلوباً آخر للعرض، بالذهاب إلى الناس بدلا من انتظارهم ليأتوا اليه. فحوّل حيطان البلدة إلى معرض دائم للصور والوجوه، نقلها بين حيطان البلدة القديمة ليحكي حكاية كل بيت مع بانيه.
يعتبر أبو الفكر حارساً لتراث شقرا، فيشير إلى أنه يريد أن يحكي «حكايا جبل عامل، لأن حكايا شقرا مثل حكايا هذا الجبل»، فجمع صورها وخزنها ثم انتقل إلى مرحلة أخرى ليقيم أول معرض صور له «مواويل الزمن المسافر» الذي ضم 275 صورة جماعية و500 صورة فردية، ثم كان مهرجان «أبو الفكر للتراث الإنساني»، الذي يضم 1200 لوحة متنوعة الأفكار، ليطور جهده بعد ذلك نحو جمع حكايا تلك الوجوه.
يعتبر ابو الفكر أنه قدم نموذجا جديدا من العمل الإنساني، عبر مد جسور التعارف بين ماضي شقرا وحاضرها، عبر صورة كانت لتبقى مجرد رسم معلق على الجدران، فحوّل هذه الصور المرصوفة على جدران البلدة إلى مداميك لبناء جسر من التواصل بين الأجيال، شاكراً كل من دعمه معنويا ومادياً، لا سيما عبر آلاف الصور التي وصلت اليه من المغتربين الذين كانوا يملكون كاميرات تلك الأيام بخلاف أهالي البلدة المقيمين.
في باله العديد من المشاريع، لعل أكثرها نضجاً، البدء بجمع طرائف ونوادر من تاريخ المنطقة يروي خلالها أيضا بداية الاغتراب وحكايا من جبل عامل، كذلك عمل آخر تحت اسم «شقراء في قرن 1913 ـ 2013» يشمل كتابات عن تاريخ البلدة «شقراء تكتب والعالم يقرأ». ويهدف إلى تسليط الضوء على التاريخ العاملي منذ كانت شقرا تابعة لقضاء مرجعيون إلى سنة 1954 إلى حين استحداث قضاء بنت جبيل.

السابق
الرسم مادة إبداع في مدارس الجنوب
التالي
رجل دين يتحرش بفتاة فقُطع انفه واذنيه