مدارس الابتدائية والمتوسطة الرسمية في الضاحية.. راسبة

لم يكن ينقص تلامذة المدارس الرسمية الابتدائية والمتوسطة في الضاحية الجنوبية، سوى الإضرابات. فهم يدرسون ضمن شروط تعليم بائسة تنعكس نسب نجاح متدنية، وتنعكس تسرباً مدرسياً مخيفاً.

لا دليل على ذاك البؤس أكثر من العلامات المدرسية لتلامذة الشهادة المتوسطة في تلك المدارس، وقد أمكن الحصول على نموذج منها في «مدرسة الغبيري المتوسطة الثانية». وتبين العلامات تلك أن نسبة قليلة من التلامذة (103) تحصل على علامتي 12 و15 على أربعين في اللغتين الفرنسية والانكليزية، بينما يبلغ معدل علامة الرياضيات 20 على 60، والبيولوجيا 7،30 على عشرين، والكيمياء 8،30 على عشرين، والفيزياء 7،30 على عشرين. أما عدد التلامذة الذين يحصلون على علامات فوق المعدل في اللغات الأجنبية فهو عشرون تلميذاً، وهناك تلميذ أو اثنان يحصلان على علامة 35 و40 على 60 في الرياضيات.

وقد أظهرت دراسة أعدّها «الملتقى النسائي لساحل المتن الجنوبي» أن ستة وثلاثين في المئة فقط من تلامذة البريفيه في الضاحية، ينجحون في الامتحانات الرسمية، فتشكل نسبة النجاح مع نموذج العلامات، إدانة للسلطات الحاكمة، ووزارة التربية والبلديات ومؤسسات التعليم الرسمي، والأهل، وكل من له يد في تهديد مستقبل أطفال ومراهقين.

وقد قرر الملتقى تقديم دعم مدرسي لتلامذة الصفين السابع والتاسع، وبدأ بتقديم دروس إضافية في مواد الرياضيات واللغات الأجنبية، يوم العطلة، السبت، في مدارس «برج البراجنة الأولى المختلطة» و«برج البراجنة الأولى للصبيان» و«العمروسية الثالثة المختلطة». ويتعاون مع بلدية الغبيري التي تولت دعم دروس إضافية في مدرستي «الغبيري المتوسطة الثانية» و«عبد الكريم الخليل المتوسطة»، الواقعتين ضمن نطاقها. وسوف يدعم الملتقى المزيد من المدارس في السنوات المقبلة، في حال توافرت التبرعات وهي ضرورية جداً من أجل إنقاذ ما أمكن من التلامذة.

الغبيري

يتعلم في الصف السابع في «مدرسة الغبيري المتوسطة الثانية»، 144 تلميذاً، ضمن خمس شعب، ثلاثة إنكليزية واثنتان فرنسية. وتقول إحدى المدرِّسات إن الإدارة طلبت من جميع تلامذة صفي البريفيه والسابع المشاركة في ساعات التدريس الإضافية، لأنهم يحتاجون إليها، فمستوى الجيد بينهم وسط، كما تؤكد المدرسة، بينما تصنف غالبية تلامذة الصف السابع في مستوى الصف الرابع أو الثالث الابتدائي.

وتقول مدرّسة أخرى إن تدني مستوى التعليم يترافق مع فقدان المستلزمات المدرسية. تحتاج المدرسة سنوياً إلى استبدال خمس وعشرين طاولة دراسية، على أن يتم تصليح الباقي. لكن وزارة التربية تتعامل مع الطاولات بوصفها أبدية، ولم تقدم منذ سبع سنوات إلا عشرين طاولة، واضطرت الإدارة هذا العام إلى تصليح ست وثلاثين طاولة مكسرة، لأنها غير قادرة على استبدالها بأخرى جديدة. وتوضح المعلمة أن ثمن الطبقة الواحد يبلغ مئة دولار تقريباً، بينما لا يتجاوز سقف الإنفاق خمسئمة ألف ليرة. وعندما تتقدم الإدارة بطلب شراء طاولات من وزارة التربية يأتي الجواب: انتظروا حتى نجري المناقصات.

تشكل «مدرسة تحويطة الغدير المتوسطة الثانية» واحدة من أصل ثلاث مدارس في الضاحية لا يزال متبعاً فيها نظام الدمج المدرسي، أي التعليم ضمن دوامين، قبل الظهر وبعده. وبالتالي، تنناقص ساعة التعليم إلى خمس وأربعين دقيقة، فيشكل ذلك تمييزاً سلبياً للتلامذة عن أقرانهم.

ويرى المدير ديب العنان أن مستوى التعليم يتراجع عاماً بعد عام، موضحاً أن مئة وثمانية تلامذة يدرسون بعد الظهر، بينما يتعلم في صف البريفية اثنان وثلاثون تلميذاً، «إذا نجح منهم اثنا عشر تلميذاً يكون بيتهم في القلعة». ويقول العنان إن المدرسة لم تكن محظوظة بالحصول على دروس الدعم، وقد تم إلغاء مواد الرياضة والكومبيوتر لتلامذة صف البريفيه واستبدالها بساعات الرياضيات والبيولوجيا من دون اللغات الأجنبية.

واثناء الحديث مع العنان أطلق رجل النار قرب المدرسة، فرد معلقاً: «هذا الشخص سائق تاكسي، كلما خطر بباله إطلاق النار يخرج إلى الشرفة، فيختبئ التلامذة تحت الطاولات خوفاً». يضيف: «الدنيا سائبة والحمد لله».

الشياح

تعتبر «مدرسة الشياح الأولى المختلطة»، صغيرة الحجم والعدد مقارنة بمدارس الضاحية. ويبلغ عدد تلامذتها هذا العام مئة وخمسة عشر تلميذاً، بعدما كانوا مئة وخمسين تلميذاً العام الماضي. وتقول المديرة سعاد الحركة إن المدرسة تتسع لثلاثمئة تلميذ، لكن يتقدم إليها سنوياً نحو ألف تلميذ. لذا، قررت الحركة عدم استقبال تلامذة من خارج المدرسة، إلا بأعداد قليلة، بعد إجراء امتحانات دخول لهم. وتؤكد أن ضغط الأهالي لإدخال أولادهم المدرسة (بناء سكني مستأجر) كبير، لكنها غير قادرة على استيعابهم، وتوضح أنها جدية في التعليم ومن يتغيب من التلامذة لا يعود إلا بتقرير طبي.

يبلغ عدد تلامذة البريفيه في المدرسة خمسين، ضمن شعبتين، ثلاثة وثلاثون تلميذاً في الإنكليزية، وسبعة عشر تلميذاً في الفرنسية. وقد اعتمدت لهم الإدارة نظاماً تعليمياً إضافياً، بدل حصص الرياضة والكومبيوتر، فأصبحوا يدرسون ست ساعات رياضيات بدل خمس، وثلاث ساعات فيزياء بدل ساعتين، وثلاث ساعات بيولوجيا بدل ساعتين.

حارة حريك

تضم «مدرسة حارة حريك الأولى المتوسطة» أربعين تلميذاً في صف البريفيه، ضمن شعبتين، فرنسية وإنكليزية. ولكن لا يتوفر فيها برنامج تعليم إضافي، لذا يدرس نحو عشرين تلميذاً يوم الأحد ضمن برنامج المساعدة المدرسية الذي تقدمه التعبئة التربوية في «حزب الله».

ويقول مدير المدرسة عدنان حمادة إنه من بين كل ألف تلميذ يصل مئة إلى صف البريفيه، لكنه مع ذلك يعتبر مستوى التعليم مقبولاً، وهناك تلامذة يحصلون على علامة 55 على 60 في الرياضيات.

العمروسية

تصنف «مدرسة العمروسية الثانية المتوسطة» من أكبر مدارس التعليم المتوسط في لبنان. تضم ألفاً ومئتي تلميذ قبل الظهر، وتسعمئة وعشرين تلميذاً بعد الظهر. لكن، وفق الناظرة ديانا الحاج، لا يصل إلى صف البريفيه إلا طويل العمر، فهو يضم بشعبتيه تسعة وثلاثين تلميذاً، ثلاثون في الإنكليزية، وتسعة في الفرنسية.
تضيف الحاج: «نحن ننتج تلامذة من العدم، وندرس صف البريفيه أيام الاضرابات ونهارات السبت وبدل ساعات الرياضة، وليس لدينا أصلا أساتذة رياضة».

في المقابل، يتعلم ثلاثمئة طفل ضمن صفوف الروضة فقط، ولا تستقبل المدرسة إلا عدداً محدوداً من التلامذة من خارجها لأن عدداً من تلامذة الخارج، كما وصفتهم الحاج، من المشاغبين أو ممن يعيدون صفوفهم. وفي حال أراد التلميذ التعلم في المدرسة فإنه يخضع لامتحان دخول، ويمكن قبوله إذا حصل على معدل تسعة أو ثمانية على عشرة.

في «مدرسة العمروسية الثالثة المختلطة»، يلحظ الناظر نديم علاء الدين تقدماً لدى تلامذة صف البريفيه عن العام الماضي. ويوضح أنه يوجد حالياً ثلاثة واربعون تلميذاً ضمن شعبتين، ثمانية وعشرون في الإنكليزية وخمسة عشر في الفرنسية. ويقول إن التلامذة يحضرون ساعات التعليم الإضافي ولا يتغيب منهم سوى أربعة أو خمسة تلامذة، مضيفاً أنه عقد جلستين مع أساتذة التعليم الإضافي، وأخبروه أن التلامذة أكثر انتباهاً للشروح من ساعات التعليم العادية. وبرز التحسن في نجاح تلميذين كانا من الراسبين، بينما لن يتمكن الملتقى النسائي من تقديم الدعم لتلامذة الصف السابع.

ولا يزال وضع مدرسة العمروسية مزرياً، إذ يتعلم التلامذة بين أبواب مخلعة وجدران تدلف منها المياه على أرض الغرف، بينما اكتفت وزارة التربية لدى طرح جريدة «السفير» مشكلة المدرسة بإصدار بيان توضيحي، من دون القيام بأي إجراء فعلي لتحسين وضعها، أو نقل التلامذة إلى أمكنة أخرى.

المدارس الخاصة

كلما طُرحت مشكلة التعليم في المدارس الرسمية، تطرح مسألة افتقار التلامذة إلى التعليم الجيد في المراحل الأساسية، أي الابتدائية. ويرغب مديرو المدارس دائماً في عدم إلقاء اللوم على أساتذتهم، ويعيدون أسباب ضعف التلامذة إلى مجيئهم من المدارس الخاصة، سواء كانت مجانية أم تلك التي تطرد التلامذة الضعفاء.

وقد أفاد عدد من الأساتذة أن ظاهرة ترفيع التلامذة في المدارس الخاصة المجانية، وعدد من المدارس الخاصة الأخرى، من الصف الأدنى إلى الأعلى، تنعكس سلباً على التلامذة، لأن ذلك يتم من دون أن يكون لدى التلامذة القدرة على النجاح فعلياً. وعندما يصلون إلى صف البريفيه، يكتشفون تقصيرهم في استيعاب الدروس. ويساهم نظام الترفيع الآلي حتى الصف الثالث الابتدائي، في ظهور الرسوب لدى الوصول إلى الصف الرابع.

ويقول عدد من الأساتذة إن المدارس الخاصة ترغب في اظهار نسب النجاح العالية أمام الأهل على حساب التلامذة، بهدف جذبهم، واستفادتها من الأقساط المدرسية، في ظل غياب هيئات الرقابة في المدارس الخاصة أو الرسمية.

ويكشف مدير «مدرسة حارة حريك الأولى» عدنان حمادة أن المدارس الخاصة تطرد التلامذة الضعفاء فيأتون إلى الرسمية، فيقول بعض الأهل بصراحة لدى تسجيل أولادهم: «ولدنا كسول نريد تسجيله في المدرسة الرسمية». وتحصل وساطات لاستيعاب الضعفاء. وبالتالي، فإن التلميذ لم يؤسس بشكل سليم، ولا أعرف ما إذا كان الحق على الأهل أم على المدرسة؟

السابق
أي مسؤول غير نتنياهو كان سيستفيد من مبادرة عباس
التالي
دلال: أراد قتلي بعد ثلاثة أشهر من زواجنا