شكوك حول إطلاق سراح مُفاجئ لثلاثة سجناء شيعة

استدعى إطلاق سراح ثلاثة سجناء معروفين على صلة بـشكل أو بآخر بـ”حزب الله” في الأسابيع القليلة الماضية، اعتبار بعض الناشطين أن تدخّلاً سياسياً حصل في القضاء، وضغط باتجاه ذلك.

وكان المحكومون الثلاثة – وهم رجل الأعمال الشيعي صلاح عزالدين، ورجلا دين شيعيّان الشيخ حسن مشيمش والسيّد محمد الحسيني- يقضون مدة محكوميتهم في السجن بعد اتهامهم بارتكاب جرائم مختلفة هي: الاحتيال المالي في قضية عزّ الدين، والتعامل مع إسرائيل في القضيتين الباقيتين. ومع ذلك فقد تمّ إطلاق سراحهم جميعاً في الوقت نفسه قبل نهاية فترة أحكامهم، مقابل دفع كفالة وصلت في قضيتي مشيمش وعزّ الدين إلى 5000000 ل.ل (3,333$). وأثار هذا التشابه تساؤل البعض عن احتمال وجود اتفاق سياسي من تحت الطاولة أُجبر القضاة على الالتزام به. “من الواضح أنّ هناك صفقة ما أسفرت عن إطلاق سراح المساجين الثلاثة الذين ينتمون، كما يمكننا القول، الى جهات سياسية مختلفة”، قال لقمان سليم، أحد الناشطين الذي قام لوقتٍ طويل بحملات تُطالب بإطلاق سراح مشيمش والحسيني، اللذين يرى أنهما سُجنا بناءً على “تهمٍ زائفة” فيما السبب الحقيقي باعتقاده “توصيات حزب الله”، الذي لطالما عبّر رجلا الدين عن معارضتهما له.

ولم يتمكّن موقع NOW، في وقت كتابة هذا المقال، من الحصول على تعليق المحاكم المسؤولة عن إطلاق سراح الرجال الثلاثة.

وبرأي سليم، فإنّ الصفقة السياسية المزعومة هي نتيجة جهود موسّعة لتهدئة التوترات الناشئة بين مختلف اللاعبين الإقليميين الذين يتنافسون على كسب نفوذ لهم في لبنان.

“التوقيت مهم […] لأنه على الأقل في قضيتي مشيمش والحسيني إذ كان يمكن أن يتم إطلاق سراحهما قبل أشهر عدة”، قال سليم لـNOW. “أعتقد أنه من السهل جداً شرح الأمر. جميعهم ألقي القبض عليهم خلال القطيعة أو الطلاق السعودي- السوري. وإذ نشهد اليوم شهر عسل جديداً بين “حزب الله” من جهة وخصمه من جهة أخرى، تُعتبر هذه إحدى الطرق للتخلّص من هذه الملفات التي لم تعد مفيدة”.

بالإضافة الى ذلك، تمثّل هذه الصفقة ربحاً صافياً لـ”حزب الله”، كما يرى سليم، “إذا كان ثمن إطلاق سراح عز الدين هو فقط إطلاق سراح مشيمش والحسيني، فهذا ثمن بخس”.

وبالفعل، فقد قال لـNOW، علي الأمين، أحد الذين قادوا حملات من أجل إطلاق سراح مشيمش، إنّ أي تدخلاّت سياسية مورست [على القضاء] جاءت من جهة عز الدين وليس من جهة رجلي الدين. “لدى عز الدين أشخاص يمكنه التواصل معهم والاعتماد على مساعدتهم. أما مشيمش فلم يحصل حتى على أقل حقوقه”.

من جهته، يوافق الحسيني على أنّ قضيته كانت خلفيتها سياسية من البداية حتى النهاية، على الرغم من أنه ينأى بنفسه عن مشيمش، الذي يتهمه بعقد صفقة مع “حزب الله” لكي يتم إطلاق سراحه. “تمّ اعتقالي بسبب مسائل سياسية، وأعتقد بأنه تم إطلاق سراحي للأسباب نفسها أيضاً”، قال الحسيني لـNOW. “لقد قرّر قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا وقف محاكمتي لأنه [لم يكن هناك أي دليل] على أني تعاونتُ مع إسرائيل”.

ويعتقد الحسيني بدل ذلك بأنّ تودّده لبعض مجموعات المعارضة الإيرانية، وبينها منظمة “مجاهدي خلق” المحظورة في إيران هو الذي أدى الى اعتقاله. فإيران هي الدولة الأساسية الراعية لـ”حزب الله” في لبنان.

“كل ما فعلته كان خلق معارضة داخل الطائفة الشيعية […] ضد ولاية الفقية [إحدى الإديولوجيات الدينية والسياسية التي يؤمن بها “حزب الله” والدولة الإيرانية]”، قال الحسيني. “لقد تواصلت مع شيعة المعارضة الإيرانية وحركة مجاهدي خلق، وذلك كان السبب. والمنظمة في إيران، وليس في لبنان أو في إسرائيل”.

ومن العوامل التي أدّت الى تفاقم الوضع كانت معارضته للتدخّل العسكري لـ”حزب الله” في سوريا، على حد ما يرى الحسيني، وأضاف: “قلتُ أيضاً إنّ للشعب السوري الحق في تحديد سياساته تجاه بشار الأسد ولا يجب أن نتدخّل في ذلك. هذه القضايا الثلاث- تعاملي مع المعارضة الإيرانية بشكل عام، ومع مجاهدي خلق بشكل خاص، وما قلته حول سوريا- كانت السبب وراء اعتقالي”.

ولم يتمكن موقع NOW من الوصول الى مشيمش وعزالدين، أو الى محاميهما، على الرغم من أنّ محامي مشيمش سبق أن قال لـNOW إنّ كافة تهم التعامل الموجهّة الى موكّله كانت تقوم على وثائق مزوّرة. وعلى العكس من ذلك فإنّ التهم التي وجهت لعز الدين لم تكن موضع خلاف.

وفي حين أنّ الفساد على كافة مستويات الدولة اللبنانية تقريباً أمر مفضوح، يبقى من الاستحالة تقريباً التحقّق من صحة المزاعم المحدّدة التي يتحدّث عنها سليم، حيث قال لـ NOW المحامي والخبير القانوني مروان صقر إنّه وجد هذه المزاعم “مستبعدة”، مضيفاً أنّه ليس بالأمر غير المعتاد بأن يطلب القضاة قيمة الكفالة نفسها في قضيتين منفصلتين. ولكن في ظل طبيعة المحاكمات العسكرية السرية، قلة من الناس بالإضافة الى القضاة أنفسهم يمكن أن يعرفوا الحقائق كما هي.

من هُم

الشيخ حسن مشيمش: رجل دين شيعي وعضو سابق في “حزب الله” حتى أواخر التسعينات، ليصبح مشيمش بعد ذلك من أبرز منتقدي الحزب وإديولوجيته حول ولاية الفقيه علناً.

عام 2010، اعتُقل في سوريا بناءً على تهم لم تكشف، ليحظى اعتقاله بانتقاد مجموعات حقوق الانسان وبينها منظمة العفو الدولية. ومن ثم نُقل الى لبنان عام 2011 وصدر عام 2013 بحقه حكم بالسجن خمس سنوات لتعامله مع إسرائيل. وقد أطلق سراحه في نيسان 2014 مقابل كفالة قيمتها 5 ملايين ليرة لبنانية (ما يساوي 3.333 دولاراً).

صلاح عز الدين: كان من أبرز رجال الأعمال اللبنانيين وتربطه علاقات وثيقة بـ حزب الله”. أطلق عليه لقب “مادوف اللبناني” بعد أن اكتُشف عام 2009 بأنه احتال على مستثمرين وسلبهم مئات ملايين الدولارات من خلال أموال غير حقيقية، لم تكن في الحقيقة سوى عملية نصب كبيرة كالتي تدعى بـ “سلسلة بونزي”. وكان من بين ضحاياه العديد من كبار مسؤولي “حزب الله”.

وبعد اعتقاله عام 2009، أطلق سراحه في نيسان 2014 مقابل كفالة قيمتها 5 ملايين ليرة لبنانية (3333 دولاراً).

السيد محمد علي الحسيني: هو رجل دين شيعي، كان كما مشيمش، عضواً سابقاً في “حزب الله”. يدّعي أنه كان الصديق الشخصي لأمين عام الحزب حسن نصرالله. أصبح الحسيني معارضاً للحزب منذ منتصف سنة ألفين. وتفاصيل بداية حياته غير واضحة، على الرغم من تداول خبر اعتقاله في الماضي في إيران.

قال إنه كان ضحية محاولة اغتيال على يد الحرس الثوري الإيراني في صور. وثم عام 2009، قال لـ NOW إنّه شكّل ميليشيا مستقلة، هي المقاومة الإسلامية العربية، لمنافسة “حزب الله” على قتال إسرائيل. وكما قال لـ NOW فهو يعتبر بأنّ السبب الحقيقي وراء سجنه عام 2011 بتهمة التعامل مع إسرائيل هو تودّده علناً لمنظمة مجاهدي خلق في المعارضة الإيرانية. تمّ إطلاق سراحه عام 2014.

 

السابق
تظاهرة هيئة التنسيق تنطلق من امام مصرف لبنان
التالي
الترشّح إلى الرئاسة بين أسد سويّ وآخر هجين