العابثون بالمحكمة عسس أمنيّ وغوغاء لا صحافيين

المحكمة الدولية
تعودنا في لبنان على رؤية دكاكين إعلامية تولد من رحم السياسات الإقليمية وتمّول من جهات وأحزاب عقائدية فاعلة هدفها الأول أن تكون أداة مساعدة ومعاضدة للعمل الأمني. ومن عسس هذا النوع مقالات رؤساء تحريرها تضج بالقدح والذمّ والشتم والتحقير والكذب والإفتراء، وأيضا بالتهديد والوعيد والإساءة المباشرة وتبني سياسات تحريرية تعتمد على الإثارة. فبتنا فعلا بأمس الحاجة إلى أدوات جزائية دولية تقوم بمعاقبة هؤلاء الغوغاء المرتزقة الصحافة الحرة والمسؤولة براء منهم ومن أفعالهم الدنيئة.

درجت العادة في لبنان على استسهال خوض بعض المؤسسات الإعلامية بأمور تتعلق بقضايا قانونية وجزائية حساسة، وبشكل أدق كل ما يخضع لقانون السرية القضائية والتي قد يترتب على إفشاء مضامينها وتفاصيلها أذية مادية ومعنوية لأشخاص وهيئات ومجموعات تكفل لها القوانين المحلية والدولية الحماية المطلقة من عمليات التشهير والدس والإفتراء ومس الكرامات. كما أن قانون المطبوعات اللبناني يشير بوضوح إلى ما يسميه “جرائم المطبوعات” وبشكل أساسي المادة 56 منه التي تنص على ما يلي: يحظر على جميع المطبوعات ان تنشر:

1 –  وقائع التحقيقات والمحاكمات السرية والمحاكمات التي تتعلق بالطلاق والهجر والبنوة الطبيعية ووقائع ومناقشات جلسات اللجان البرلمانية، ويجوز نشر مقرراتها، كذلك تقاريرها بعد إيداعها مكتب المجلس ما لم تقرر اللجنة خلاف ذلك.

2 –  وقائع تحقيقات إدارة التفتيش المركزي العدلي ما خلا القرارات والبلاغات الصادرة عنها.

3 –  الرسائل والأوراق والملفات او شيئا من الملفات العائدة لإحدى الإدارات العامة والموسومة بطابع عبارة “سري” والتي من شأنها إذا نشرت ان تعرض سلامة الدولة وأمنها الداخلي والخارجي، إذا تضرر من جراء النشر أشخاص او هيئات، فلها الحق بملاحقة الصحيفة أمام القضاء.

4 –  وقائع دعاوى القدح والذم في الحالات التي لا يجوز فيها الإثبات.

5 – وقائع الدعاوى الحقوقية التي تحظر المحكمة نشرها.

6 –  التقارير والكتب والرسائل والمقالات والصور والأنباء المنافية للاخلاق والآداب العامة.

وكلّ مخالفة لأحكام هذه المادة يعاقب مرتكبها بالحبس من أسبوع الى شهرين وبالغرامة من 500 إلى 2000 ليرة لبنانية او بإحدى هاتين العقوبتين ولا يجوز ان تقلّ العقوبة عن الحد الأدنى للغرامة. للمدعي العام الإستئنافي حقّ توقيف المطبوعة حتى خمسة أيام ومصادرة أعدادها. لكن مع وضوح المادة 56 من قانون المطبوعات أعلاه وبخاصة النقاط 1، 3، 4، و5… تعودنا في لبنان على رؤية دكاكين إعلامية تولد من رحم السياسات الإقليمية وتمّول من جهات وأحزاب عقائدية فاعلة هدفها الأول أن تكون أداة مساعدة ومعاضدة للعمل الأمني والإستخباراتي والذي يقوم مبدئيا على العبث المنهجي بالصحافة وبمبادئها السامية والضرب بعرض الحائط لكل ما يمت للسلطة الرابعة من أخلاق مهنية ومبادىء وقيم عامة. ومن عسس هذا النوع من الإعلام الأمني والإستخباراتي أن تكون مقالات رؤساء تحريرها تضج بالقدح والذمّ والشتم والتحقير والكذب والإفتراء، وأيضا بالتهديد والوعيد والإساءة المباشرة وغير المباشرة لشخصيات وجهات وطنية معروفة وتبني سياسات تحريرية تعتمد على الإثارة والبروباغندا الموجهة إلى عقول جمهور حديدي. جمهور يجب العمل دوما وأبدا على تصليب مواقفه ورفدها بإشاعات وأخبار وسرديات تساعد مموليها على المضي بمشاريعهم التدميرية لما تبقى من دولة لبنانية وتعميم ثقافة “نفّذ وأيّاك أن تفكر لنفسك”.

لكنّ المسألة لا تقف عند حد مقالات الرأي السياسي وجرائم التهديد والوعيد وقطع الأيادي وتحسس الرقاب بل تتعداها إلى نشر إحدى الدكاكين الإعلامية المعروفة بتمويلها الإقليمي وبنهجها التحريري الفاشي – الذي حدا بعدد لا بأس به من موظفيها بالإستقالة من مناصبهم إحتجاجا على تصّفرها وتصّحرها – إلى نشر صور وتفاصيل شخصية لمواطنين مفترض أنهم شهود في المحكمة الخاصة بلبنان، والتي تنظر في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وثلة من رفاقة في ما بات يعرف بـ”تجمع 14 آذار”.

خطورة نشر الصور والتفاصيل تلك يعتبر جريمة موصوفة مكتملة المعالم والعناصر تهدف إلى تحقيق عدد من المكتسبات لأعداء المحكمة الخاصة والمتضررين الأساسيين من نجاحها في كشف المجرمين ومن يقف وراءهم. قد تهدف تلك المحاولات إلى، مبدئيا، منعهم من المثول أمام المحكمة عبر “فضح تعاملهم” معها. كما أنّ الشاهد المفترض سيتعرّض حتما إلى سيل من الإتهامات من محيطه المباشر، خصوصا إذا كان من البيئة المحسوبة على المتهمين بالإغتيالات. وهذا ما قد حصل فعلا مع شاهد مفترض معروف من قبل كاتب هذا المقال كان قد تم ترهيبه والإساءة إليه وفقد جراء ذلك وظيفته الرسمية بعد نشر إسمه وصورته وتفاصيله الشخصية في الصحيفة الصفراء عينها. إذن، كلّ ما تقدم يشير إلى أننا بتنا نعيش في عالم متغوّل صار فيه بعض الإعلام أداة حربية تستعمل للترهيب والتهديد والوعيد ونشر الأضاليل وفبركة أخبار كاذبة وخلق إشاعات لغرض الدس والتحريض وإثارة الفتن. نحن بتنا فعلا بأمس الحاجة إلى أدوات جزائية دولية تقوم بمعاقبة كل من تسّول له نفسه العبث بأمن الوطن والمواطنين والإساءة إليهم تحت مسميات حرية الصحافة وحق كتّابها في التعبير عن آرائهم السياسية. هؤلاء لا يعدوا كونهم مجموعة من الغوغاء المرتزقة الصحافة الحرة والمسؤولة براء منهم ومن أفعالهم الدنيئة.

السابق
دلال: أراد قتلي بعد ثلاثة أشهر من زواجنا
التالي
سفيرة كندا جالت على مراكز عامل