شهادات ووقائع عند ضفة السنة التاسعة للملك عبدالله

تعيش الأجواء الخليجية الملتهبة هذه الأيام، موجة ارتياح حذرة، بعد المصالحة الحديثة الولادة، التي تمّت في الرياض في الأسبوع الماضي، لرأب الصدع بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة ثانية، بعدما كادت المواقف القطرية تطيح بمجلس التعاون الخليجي، آخر معاقل العمل العربي المشترك والفاعل.

الحذر مردّه إلى مرحلة الانتظار، السائدة حالياً في عواصم المنطقة، للتأكد من جدّية الالتزامات القطرية بما تمّ الاتفاق عليه في الرياض، حتى يتم البناء على الشيء مقتضاه، ويصبح بالإمكان فتح صفحة أكثر نقاوة، في سجل دول مجلس التعاون.
وثمة قناعة عند النُخب الخليجية، من مسؤولين وأصحاب رأي، أن السعودية أثبتت من جديد، أنها الشقيق الأكبر القادر على استيعاب الشقيق الأصغر، والحدّ من مشاكساته، وأن حكمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز  انتصرت مرّة أخرى، على بعض التصرفات الانفصالية، والمواقف الارتدادية، التي صدرت عن الدوحة في الفترة الأخيرة، حول بعض الملفات الحسّاسة، وأساءت إلى صورة القرار الخليجي، الذي طالما حافظ على وحدته، وعلى تماسك أطرافه في أشد الأزمات تعقيداً.
وترافقت مناخات الانفراج الخليجي، مع إطلالة الذكرى التاسعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، التي استطاعت أن تتصدّى للتحدّيات والمخاطر المحدقة، ليس بدول مجلس التعاون وحسب بل وأيضاً بعدد من الدول العربية والإسلامية.
* * *
الواقع أن الذكرى التاسعة لتولي «أبو متعب» سدّة القيادة السعودية، تشكّل محطة مهمة، تستحق الوقوف عندها لاستعراض أهم الإنجازات الدبلوماسية التي حققتها المملكة في السنوات التسع الأخيرة، خليجياً وعربياً، إقليمياً ودولياً، وانعكاساتها على الوضع العربي المتأزم.
{{ خليجياً: تصدّت الرياض، وبشجاعة مشهودة من الملك عبدالله، لمحاولات التمدّد الإيراني إلى داخل البيت الخليجي. وتجـلّى هذا التصدّي بأوضح صوره، وبأكثر الخطوات حسماً، في مساعدة مملكة البحرين على إحباط محاولات إسقاط النظام، من خلال إطلاق حركة أمنية فوضوية في الشارع، وإضفاء اللون المذهبي على حراكها!
وأصبح معروفاً أنه لولا تدخل قوات «درع الجزيرة» العاجل، وبقرار من الملك عبدالله وإصراره، لكانت البحرين تعرّضت لمحنة مدمرة، أين منها مِحَن «خريف» بعض الدول العربية الأخرى.
{{ عربياً: بقيت القضية الفلسطينية، محور تحرّك الدبلوماسية السعودية، رغم مرارة الظروف الصعبة التي تتخبّط فيها السلطة الفلسطينية. وأدت الضغوط التي مارسها شخصياً خادم الحرمين الشريفين على عواصم القرار الدولي، وما رافقها من اتصالات مع البيت الأبيض مباشرة، إلى استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية، العام الماضي. ولكن التعنت الصهيوني المعهود ما زال يعرقل الوصول إلى النتائج المتوخاة من هذه المفاوضات.
وانشغال الدبلوماسية السعودية بالقضية الأم، لم يصرف القيادة السعودية عن متابعة تداعيات ما عُرف بـ «الربيع العربي»، في أكثر من دولة عربية، وخاصة في مصر، حيث بادر الملك عبدالله إلى مدّ يد العون للشقيقة الكبيرة، لمساعدتها على استعادة توازنها الداخلي، وتصحيح مسار الانتفاضات بقيادة الجيش المصري والأكثرية الساحقة من المصريين.
ويبقى الهدف الأساس للسياسة السعودية في هذه المرحلة العمل على استعادة فعالية النظام العربي، وإعادة ترميم مسيرة العمل العربي المشترك، لمواجهة المخاطر والتحدّيات المتفاقمة على أكثر من صعيد.
{{ إقليمياً ودولياً: تعاملت المملكة بكثير من الحذر مع السياسة الأميركية في المنطقة، واعترضت على العديد من التوجهات الأميركية في الإقليم، بدءاً من السياسات الأميركية التي اتُبعت إثر إسقاط نظام صدام حسين في العراق، وجماعة طالبان في أفغانستان، مروراً بالتلكؤ الأميركي في الحد من التمدّد الإيراني في بعض دول المنطقة، وصولاً إلى انتقاد إدارة المفاوضات النووية مع إيران، والنتائج التي توصلت إليها، بمعزل عن الملفات العربية العالقة مع طهران.
وأثار قرار الملك عبدالله الجريء برفض المقعد المؤقت في مجلس الأمن، وإلغاء خطاب المملكة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبعدها الانتقاد العلني والصريح للسياسة الأميركية تجاه إيران، أثارت هذه الخطوات، ردود فعل عنيفة في دوائر القرار في واشنطن، سواء في الكونغرس أو لدى مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية، التي طالبت بضرورة تحرّك الإدارة الأوبامية باتجاه الرياض، استدراكاً لمزيد من التدهور في العلاقات التاريخية بين البلدين، وإنقاذاً للمصالح الأميركية في المنطقة.
وجاءت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض، ولقائه المشهود بالملك عبدالله، لتؤكد مكانة المملكة العربية السعودية الدولية أولاً، ولتشهد على صوابية القرارات الشُجاعة التي اتخذها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز  في الحد من الاندفاعة الأميركية، بعيداً عن سياسة التعاون والتنسيق التي سادت العلاقات الوثيقة بين البلدين.
* * *
الذكرى التاسعة لتولي «أبو متعب» مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، ليست مناسبة وطنية سعودية وخليجية وحسب، بل هي فرحة عربية عامة، ولبنانية خاصة، تقديراً ووفاءً لمبادرات الملك عبدالله بن عبدالعزيز  العديدة والمستمرة، لبلسمة الجراح اللبنانية، ودعم مشاريع التنمية والإعمار، ومدّ يد العون والمساعدة لتخفيف مِحَن وآلام الشعوب العربية الشقيقة، والتي تتجلى أبرز صورها حالياً في الدعم السعودي لمصر، لمساعدتها على تخطي الأزمة الحالية بأسرع ما يمكن، وبأقل قدر ممكن من الخسائر!

السابق
’الرجل الفيل’!
التالي
22 قتيلاً لمنظمة اطباء بلا حدود في افريقيا الوسطى