سمير جعجع اعتذر ولم يندم.. وخصومه لم يعتذروا

خرج جعجع من السجن مع هالة قداسة وبقي اعتذاره هشّاً. لم ينظر في عيني أحد من أقارب ضحاياه ويعتذر ويبرّر ما فعله. ويقول معظم مناصريه إنّ الظرف آنذاك والأحوال كانت تحتّم ما حدث أيّ أنّهم يبرّرون ضمنياً كلّ ما جرى في لبنان. والآن يحاولون أن يطرحوه كالمخلّص الّذي سينهي أزمة البلاد. وترشّح جعجع في لبنان أمر طبيعي لأنّ شرعية الدولة لا تزال مفقودة ومن ويشعر مناصروه بأحقيّته في ترؤس جمهورية هشّة فيها فريق يتصرّف على هواه.

أثار ترشّح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الى رئاسة الجمهورية، ردود فعل متباينة في أوساط اللّبنانيين بين مؤيّد ومعارض ومناصر ومهاجم. لكنّ “الحكيم” لا يلعب ويكرّر أنّه جدّيّ بترشحه وماضي في الخطوة إلى النهاية. قد يكون سمير جعجع الوحيد الّذي اعترف بأخطائه في الحرب والّذي أمضى سنوات في السجن حوّلته إلى “إنسان مختلف”. وهو لم يكن الوحيد الّذي شارك في الحرب. معظم من هم في السلطة الآن هم أنفسهم من تسبّبوا بخراب البلاد سابقاً، وعلى رأسهم رئيس المجلس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. لكلّ منهم جرائمه الّتي لا تزال غير موثقة رسمياً من السلطات اللبنانية كما ينبغي أن تكون.

خرج جعجع من السجن مع هالة قداسة وبقي اعتذاره هشّاً. لم ينظر في عيني أحد من أقارب ضحاياه ويعتذر ويبرّر ما فعله. ويقول معظم مناصريه إنّ الظرف آنذاك والأحوال كانت تحتّم ما حدث أيّ أنّهم يبرّرون ضمنياً كلّ ما جرى في لبنان. والآن يحاولون أن يطرحوه كالمخلّص الّذي سينهي أزمة البلاد.

ترشّح جعجع في لبنان أمر طبيعي، ليس لأنّه فعلاً حدث طبيعي، بل لأنّ شرعية الدولة لا تزال مفقودة ومن العوامل الّتي تفاهم هذا الشعور عند مناصريه بأحقيّته في ترؤس جمهورية لبنان الهشّة هو وجود فريق مقابل له يتصرّف على هواه. عدم الشرعية يعطي مبرّراً لشرعية مقابلة. والدليل على ذلك أنّ أحداً لم يأتِ ليقول إنّ لجعجع حيثية اجتماعية أو صفات استثنائية أو شهادات عليا تخوّله أن يكون رئيساً. قالوا إنّه هو “الرئيس القوي” الذي سيحارب حزي الله ويخلّصهم من شبحه وشبح تدخّله في سوريا.

اعتذار جعجع بقي هشّاً وغير مقنع كأنّ الأيّام فقط هي ما تكفي لمعالجة الجراح. لم يبدُ يوماً مقنعاً كفاية وعكس انسحاباً أكثر من الشعور بالندم. ولكن المرفوض طبعاً هو تصوير جعجع كالوحش الكاسر.. كأنّه يتحمّل وحده وزر الحرب الأهلية.. كأنّ أيدي باقي الزعماء غير ملوّثة بالدم. لكن جميعهم في الوحل سواسية.

الحقيقة أو الواقع الذي يستنزفنا كلبنانيين ونأبى أن نعترف به هو أنّ الحرب الأهلية أنتجت لنا زعماء ارتضيناهم حكّاماً علينا. بقينا بعد الحرب منقسمين. لم نفهم أنّهم كانوا يلعبون بنا لمصالحم الشخصية والحزبية. بقينا نفضّل الانتماء إلى القوات اللبنانية والتيار العوني وحركة أمل وبعدها حزب الله وتيار المستقبل، على أن نحاول أن نصنع بلداً.

بقيت أنظارنا معلّقة على أمراء الحرب القدامى كأنّهم هم من سينتشلنا ممّا رمونا فيه. انتهينا من صراع “مسيحي – مسلم” لندخل “بعزم” إلى صراع “سنّي – شيعي”. لا المسلم كان فعلياً يوماً ما كارهاً للمسيحي، أقلّه في البنية الاجتماعية والنفسية لمعظم الأفراد، ولا السنّي يكره الشيعي. فهم لا يعرفون بعضهم حتّى ليتكارهوا. الكراهية هذه هي “كراهية هوية” وكراهية عبثية لا نريد أن نستفيق منها.ترشّح جعجع الّذي أثار صدمة الكثير يكاد يكون الحقيقة الوحيدة لواقعنا وهو ليس أكثر من انعكاس في المرآة لجرائم نقترفها بحق وطننا وأنفسنا، كذلك وجود نبيه برّي كرئيس مجلس لسنوات طويلة.

وفي انتظار أجيال جديدة ربما تكون أكثر وعياً لغسل وطننا من غمامة الماضي، لنتابع أحداث مهزلة لبنان الرئاسية اليوم والانتخابية غداً.

السابق
مزارعو برعشيت يحددون مشاكل الشمام
التالي
هيفاء وهبي في ‘حلاوة روح’ إغراء واقعي وفن افتراضي