الزبداني و معركة المنفذ الأخير إلى لبنان

الزبداني

هي من أكثر المدن الساحرة والآسرة في سورية. هي عروس دمشق وريفها. هي مقصد السائحين وزائري بلاد الشام. تشتهر بمصايفها وينابيعها ومقاهيها. لا ينفصل معنى اسمها المشتق من الآرامية والذي يعني لبّ الخير وخلاصته عن خصال أهلها.
كانت من المدن الأولى التي رفعت البندقية نصرة لأهالي درعا وأطفالها. سيطر «الجيش الحر» في كانون الثاني (يناير) 2012 على معظم المراكز الأمنية والعسكرية فيها وأجبرت قوات النظام على الانسحاب. سقطت أول مدينة في سورية بيد المعارضة.
حاول النظام مراراً إعادة السيطرة عليها، لكنه لم يستطع. شن حملتين عسكريتين كبيرتين، في شهري كانون الثاني وشباط (فبراير) عام 2012 استعاد أجزاء من الزبداني، لكن سهلها ومدينتها القديمة ظلا عصيّين عليه. اكتفى النظام بفرض الحصار، والقصف المدفعي ورمي البراميل المتفجرة.
بعد خسارة المعارضة للقلمون بشكل كامل، تتجه الأنظار إلى الزبداني باعتبارها الهدف التالي. يؤكد أحد المعارضين رصد حشود تابعة للجيش السوري و «حزب الله». يتحدث الزبدانيون عن مفاوضات تجرى مع النظام. فهل ترفع المدينة الراية البيضاء والعلم السوري من دون قتال؟ أم إن لكتائب المعارضة التي خاضت معارك ضارية مع النظام في الغوطة وداريا والقلمون رأي آخر؟

أهميّة الزبداني
تعرف المناطق الحدودية بأن معظم سكانها يعتمدون على تهريب البضائع. تجري بين الحين والآخر مناوشات واشتباكات بين المهرّبين والهجّانة. اعتاد كثير من الشباب على مواجهة الجيش، وأن يعيشوا مطاردين خارجين عن القانون. لهذا لم يكن مستغرباً أن يكون هؤلاء أول من تجرأوا على رفع السلاح في وجه الجيش السوري، وأن تتصدر بلدتهم قائمة المدن الثائرة في سورية.
في الزبداني دمرت أول دبابة، وأنشئ أول مجلس ثوري في كل سورية، تفرّع منه مجلسان، مدني وعسكري. اختير قائد كتائب حمزة بن عبد المطلب ليكون على رأس «تجمع أنصار الإسلام»، أول جبهة تأسست في سورية، وضمت الكثير من الكتائب والألوية وفي مقدمهم لواء الإسلام.
لم يكتف أهل الزبداني بإخراج النظام من مدينتهم. كان لهم، وخصوصاً «كتيبة حمزة بن عبد المطلب» التابعة لـ «أحرار الشام» دور فعّال في معارك الغوطة وداريا ومسرابا. يدرك النظام شراستهم، سيطروا على مستودعات دنحة في القلمون، وساهموا في إسقاط أكثر من موقع للنظام في رنكوس. سقطت يبرود ولم تسقط جبهة السحل التي كان يتمركز عليها مقاتلو الزبداني.
تعتبر منطقة الزبداني استراتيجية جداً للطرفين، لوقوعها على الحدود اللبنانية. تشكل خط إمداد مهم من لبنان وإليه. وتعدّ أيضاً ممراً رئيساً من وادي بردى إلى الغوطة الغربية (قدسيا والهامة). لا تتبع الزبداني للقلمون جغرافياً وإدارياً، إلا أنها تدرج ضمن معاركه، لأنها تعتبر الدرع الذي تتحصن به مناطق وسط القلمون من الجهة الشرقية.
تحدُّ الزبداني سلسلتان جبليتان، هما الجبل الشرقي (تسيطر على معظمه كتائب تابعة لأحرار الشام) والغربي (تسيطر المعارضة على جزء بسيط منه)، ويتوسَّط الجبلين بساط أخضر يشكل سهل الزبداني. ويُرجح أحد قادة «كتائب حمزة بن عبد المطلب» أن تُبرم تسوية مع النظام في البلدة القديمة وسهل الزبداني. ويعزو ذلك لاعتبارات عدة:
1- لا جدوى عسكرية حقيقية للمعركة حتى وإن سيطر الجيش السوري على المدينة القديمة، فطريق النظام من دمشق إلى لبنان مروراً بالزبداني مؤمّن بشكل كامل، والمكان الذي تسيطر عليه كتائب المعارضة لا يؤثر عسكرياً على الطريق.
2- المدينة القديمة ساقطة عسكرياً (لأنها تقع بين جبلين يسيطر على معظمهما النظام)، ومنهكة من الحصار، وقد تحولت إلى ركام، وما عادت تصلح للحياة. فالنظام يقصفها بشكل شبه يومي على مدى سنتين وشهرين.
3- المعارضة تسيطر على سهل الزبداني جغرافياً، لكن النظام يسيطر عليه بالنار. هناك 106 نقاط مرتفعة تراقب السهل وتقصف على أي شيء يتحرك فيه.
4- آليات النظام لا تستطيع الدخول بالآليات إلى المدينة القديمة، بسبب طرقها الضيّقة، والدمار الهائل الذي لحق بها. لذا لا بد من التقدم عن طريق المشاة. وهذا الأمر سيؤدي إلى تكبيد القوة المقتحمة خسائر فادحة. لأن أهل المنطقة أدرى بزواريبها وأزقتها، ولأن قتال المعارضين حتى الرمق الأخير لا فرار منه، بعد إغلاق الجيش السوري كل المنافذ.
5- سيدخل النظام إلى مدينة الزبداني من محورين. الأول الطريق العام والثاني طريق السهل وهما طريقان متوازيان. المعركة الأشرس ستكون في السهل. فقدرة المسلحين على المناورة أكبر، بسبب كثافة الأشجار. حاول النظام في شباط عام 2012 شنّ هجوم عن طريق السهل من خلال المشاة، فقتل له في معركة واحدة، أكثر من مئة قتيل، واضطر إلى التراجع.
المعركة التي لا مناص منها كما يتوقع قيادي بارز في «أحرار الشام»، ستكون على بعض النقاط والمواقع والتلال المحسوبة على الزبداني. وأهم هذه النقاط موقع البرج في الجبل الشرقي. فالجيش السوري يسعى لقتل المسلحين الذين يتحصنون فيه كي لا ينسحبوا إلى أماكن أخرى ويقاتلوه فيها. فهؤلاء المعارضون كبّدوا قوات النظام خسائر كبيرة في أكثر من موقعة، وأسقطوا العديد من المراكز العسكرية المهمة، وخصوصاً مطار مرج السلطان في الغوطة.
البرج هو أعلى نقطة في الزبداني والقلمون، يصل ارتفاعه إلى 1850 متراً. يكشف سهل البقاع بشكل كامل. ويطل على سرغايا وبلودان ومضايا والزبداني وهريرة. والأهم من هذا كله، أن هذه النقطة تؤمّن آخر منفذ للمعارضة في الزبداني والقلمون إلى لبنان عبر حام ومعربون.
في هذه المعركة سيتقدم «حزب الله» من الجهة الشمالية للبرج من الخريبة والنبي شيت وحام وجرود بريتال. في الطريق هناك نقطة جبلية تسمى الصفر (المنطقة الفاصلة بين لبنان وسورية). إذا سيطر عليها «حزب الله» يتمكن من قطع الطريق نهائياً إلى لبنان، ويغلق أمام المقاتلين كل طرق الانسحاب.
أما الجيش السوري فسيتقدم من مواقع الفرقة الرابعة الموجودة على الجبل الشرقي، وبالتحديد من الجهة الجنوبية من بلدة هريرة. تشير جغرافية المنطقة إلى أن السلاح الفعّال سيكون سلاح الطيران، بسبب وعورة الجبال، وبُعد المسافات بين الطرفين. أهم قوة في الزبداني هي «كتائب حمزة بن عبد المطلب»، اندمجت منذ نحو عام في لواء «أحرار الشام». هناك أيضاً ثلاث كتائب أخرى هي «شهداء الحق» و «شهداء الزبداني» و «محمد بن مسلمة»، هذه الفصائل الثلاث توحّدت في ما بينها تحت اسم «لواء الفرسان» لتعود وتندمج في ما بعد تحت راية «لواء أحرار الشام». يقود اللواء في الزبداني والقلمون أبو عدنان، وإلى جانبه قائد بارز يدعى أبو مصعب.

التسوية أم المواجهة
لم تنقطع خيوط التواصل بين النظام وأهالي الزبداني منذ بداية الأحداث حتى الآن. حدثت هُدن عديدة. تجدّد التواصل بين الطرفين أثناء معركة يبرود. جرى حديث جدّي عن تسوية نهائية. تتضمن تسوية أوضاع المسلحين إما بالتوقيع على تعهّد بعدم رفع السلاح أو الخروج من المدينة. كما يطالب النظام برفع علم الجيش السوري، وخروج تظاهرة مؤيدة للرئيس بشار الأسد، وتسليم قادة الكتائب. منذ نحو شهر ونصف ذهب عشرون شاباً إلى دمشق وسلموا أسلحتهم، على أن يوقف النظام إطلاق النار كبادرة حسن نية، ويطلق سراح عدد من معتقلي الزبداني. بالفعل، أوقف النظام قصف المدينة، وخفف الحصار عنها، لكنه لم يطلق أحداً من المعتقلين. ارتاب أهل الزبداني، بسبب غياب أي ضمانات حقيقية.
منذ نحو شهر طلب النظام أن تكون المجموعة الجديدة التي ستسلم نفسها، أكبر عدداً وعدة. اختلف أهل الزبداني في ما بينهم، بين مؤيد لتسليم السلاح، ولا سيما الثقيل، وآخرين مشككين بنيات النظام.
تأخر الرد، فعاد القصف المكثف والحصار الخانق على المدينة. ومنع النظام حتى سائقي الباصات الزبدانيين الذين نزحوا إلى مضايا وبلودان من الخروج إلى عملهم. احتدم الخلاف فاستقال المفاوضون. بعد أيام شكلت لجنة جديدة تواصلت مع النظام. طلب منهم تسليم كل الأسلحة الثقيلة ومئتي مقاتل على رأسهم أبو عدنان. أكدت اللجنة أن معظم هؤلاء المقاتلين ليسوا موجودين أصلاً في مدينة الزبداني.
في 14-4-2014 ذهب سبعون مسلحاً لتسوية أوضاعهم. رفض النظام، واستمر في القصف والحصار. يوم الإثنين في 21-4-2014 توجه وفد إلى دمشق. أبرمت هدنة قصيرة لمدة أسبوع يوقف الطرفان خلالها إطلاق النار لحين الانتهاء من بحث كل النقاط.
لا مناص من إسقاط الزبداني إن بالحرب أو بالمفاوضات. فالنظام السوري يسعى للسيطرة على أكبر عدد من المدن والبلدات قبل الانتخابات الرئاسية. فيما يهدف «حزب الله» إلى تأمين حدود القرى البقاعية المؤيدة له قبل خروجه من سورية.

السابق
تسفيه الديموقراطية: نُبكيكم على أنفسكم و… نضحك
التالي
‘خيبة أمل’ أميركية من الفلسطينيين: عن أي أمل نتكلم؟