المشنوق وحزب الله

كان يمكن البدء بعنوان “المستقبل وحزب الله” لهذا المقال لو كان الأمر بسيطاً لكنه ليس كذلك، بل على العكس فهو معقّد. والعلاقات ما بين التيار الازرق و”حزب الله” يمكن وصفها بأنها بالغة الدقة بعد مسار طويل من التناقضات بين الفريقين بلغت ذروتها في الانقلاب السياسي الذي قاده الحزب للإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري أوائل العام 2011. وكان لا بد من انتظار طويل لإزالة مفاعيل هذا الانقلاب انتهى قبل اسابيع عندما نالت حكومة الرئيس تمام سلام الثقة وضمّت وزراء من الجانبين على قاعدة وصفها الحريري بـ”ربط نزاع”. توقع كثيرون ان تُنصب متاريس داخل الحكومة الجديدة فلم يحصل ذلك. وفي الوقت نفسه توالت من خارج الحكومة “المفاجآت” التي حدثت تباعاً بين وزيرين وُصفا بأنهما “صقران” من “المستقبل” هما نهاد المشنوق وأشرف ريفي وبين “صقر” فعلي من الحزب هو مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق المركزية في “حزب الله” وفيق صفا. فبعد لقاءات علنية بين الجانبين اتخذت العلاقات بينهما بعدا ميدانيا أثمر خطة أمنية في طرابلس وتحضير الأرض لخطة مماثلة في البقاع وصولاً الى إنهاء محنة بلدة الطفيل اللبنانية المقطوعة عن الوطن داخل الاراضي السورية. وبرزت الى الواجهة صورة المشنوق وصفا التي أحدثت جدلاً منذ ظهورها في مسرح الانفجار الانتحاري قرب مقر المستشارية الثقافية الإيرانية ببئر حسن وبلغت ذروتها في جلوس صفا الى طاولة الاجتماع الأمني الذي ترأسه المشنوق تحضيراً لخطة الطفيل. الذين ذهبوا الى انتقاد المشنوق بنوا انتقادهم على الصورة. ومن ذهبوا الى مدحه بنوا مديحهم على الانجازات. وكان لافتاً ان الانتقاد والمديح انحصرا ضمن قوم “المستقبل” وأقربائه مما تسبب بجدل داخله فيما كان الصمت مطبقاً على قوم الحزب وأقربائه. وكأن الجدل في ساحة “المستقبل” تعبير عن الخلاف على تفسير قاعدة “ربط نزاع” فيما رأى البعض في صمت الحزب تعبيراً عن حالة انتصارية في الحرب السورية عبّر عنها السيد حسن نصرالله في الحديث الأخير الى الزميلة “السفير”. لكن التعمّق في هذين المشهدين سيفضي الى ان الجدل والصمت على حد سواء يعكسان طبيعة المرحلة التي يعيشها لبنان الذي لا يزال فيها منذ عام 2005 التي شطرت الوطن ولا تزال بين 8 و14 آذار.
في حصيلة أولية منذ تشكيل الحكومة الجديدة يتبين ان الانجازات الامنية التي حققتها وزارة الداخلية تحديدا تتفوق على كل انجازات حكومة كانت توصف بأنها حكومة “حزب الله”. وفي ظل الجدل على صورة المشنوق وصفا يمكن المرء ان يتوقع انجازات جديدة يستطيع ان يدافع عنها المواطنون الذين يأكلون عنبها. وربما يكون الغوص في تفسير ما يحدث وكأنه عملية قراءة في الفنجان في حين لا يزال الوطن في مهبّ الحرب السورية التي تأكل الأخضر واليابس في أرضها وتحرك رياح السموم في بلدان الجوار وفي مقدمها لبنان. من هنا ليس قليلاً على الاطلاق ان يصمت الأنين في طرابلس والبقاع الشمالي وقريباً في أماكن أخرى.

السابق
أي تأثير للحرب على الإرهاب في اختيار الرئيس؟
التالي
لو كنت رئيس مجلس النوّاب