لبنان دخل «نفق» تعطيل الاستحقاق الرئاسي وعيْنه على «الوحي» الإقليمي

تصاعدت الشكوك في إمكان انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان ضمن المهلة الدستورية التي تنتهي في 25 مايو المقبل غداة الجلسة الاولى التي عقدها مجلس النواب اول من أمس، وذلك في مفارقة شديدة السلبية بدت معها هذه الجلسة بكل نتائجها وتداعياتها كأنها بمثابة فرْملة قوية لأيّ رهان على وجود فرصة للنفاد بالاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري.

وبصرف النظر عن توزُّع الأصوات التي نالها مرشح قوى 14 آذار رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ومرشّح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وكتلته النائب الوسطي هنري حلو والأوراق البيضاء لقوى «8 آذار»، فان الاتصالات والمشاورات التي انطلقت امس استعداداً للجلسة الثانية الاربعاء المقبل اتجهت نحو محوريْن اساسييْن: الاول القرار الذي ستتخذه قوى «14 آذار» في شأن الاستمرار في دعم جعجع ام الاتجاه الى دعم مرشح آخر مع كل ما يرتّبه ذلك من سلبيات وايجابيات، والثاني القرار الذي ستتخذه قوى «8 آذار» إما بالمضي في التصويت بالأوراق البيضاء او حسْم ترشُّح زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون.

وبالنسبة الى قوى «14 آذار»، رجحت الاوساط المعنية فيها التريّث في الخطوة التالية والبقاء مبدئيا على دعم ترشيح جعجع في الجلسة الثانية على الاقل، نظراً الى اعتبارات عدة بينها استبعاد عقد الجلسة تماماً لان فريق «8 آذار» سيعطّل النصاب (يبقى 86 نائباً لكل الجلسات) مما يرجح معه عدم انعقادها ولا سيما ان الانتخاب بعدما حصلت الدورة الاولى (اول من امس) صار يتم على اساس اكثرية النصف زائد واحد من الآن فصاعداً، كما ان اركان قوى «14 آذار» سيجدون صعوبة في التوافق فوراً على التوجه نحو مرشح آخر ما دام جعجع حاز رقماً معقولاً في الجلسة الاولى هو 48 صوتاً.

ومع ان ثمة قناعة واضحة حيال صعوبة ايصال جعجع الى الفوز بالرئاسة، فان المشاورات الجارية تبدو على وتيرة بطيئة ومتمهلة من الانتقال الى مرشح آخر هو الرئيس امين الجميل باعتبار ان المعطيات التي تحول دون فوز رئيس حزب «القوات» لن تختلف كثيراً في حال ترشيح الجميّل.

اما بالنسبة الى قوى «8 آذار» فان الاوساط نفسها تعتقد ان هذا الفريق سيصبح من الان وصاعداً في «عين العاصفة» لان وضْع العماد عون عند نقطة عالقة بين الترشح غير العلني والتريث في الترشح بحجة انتظار التوافق عليه سيثقل جداً على «8 آذار» التي لن تجد مفراً من المضي في تعطيل النصاب كل مرة الى ان يحسم عون أمره.

واللافت في هذا السياق، ان الاوساط تعتبر ان عون لا يزال يراهن على كلمة خارجية وتحديداً سعودية تأتي به رئيساً مقبلاً، في حين ان كل المعطيات الجدية تستبعد ذلك بل تستبعد اي تدخلات خارجية اخرى في هذا التوقيت.

وفي اعتقاد الاوساط نفسها ان مصير ترشح عون قد لا يختلف ابداً عن مصير ترشيح جعجع في حال طُرح علناً لانه لن ينال الاكثرية في غياب اي توافق محتمل في ما تبقى من المهلة الدستورية. وتالياً فان هذه الاوساط تميل الى الاعتقاد ان لا أفق متاحاً امام اي من الزعماء المرشحين اي الجميل وعون وجعجع وان الوضع ذاهب الى استهلاك مواعيد الجلسات المتعاقبة من دون انتخاب الا في حال واحدة ممكنة ولكنها شديدة الصعوبة وهي الاتجاه الى التوافق على شخصية من خارج نادي الزعماء السياسيين على صورة المرشح الذي طرحه النائب وليد جنبلاط اي هنري حلو ولو كان مسلَّماً بان لا حظوظ للاخير.

وأسبغت الاوساط عيْنها أجواء متشائمة على التوقعات المقبلة اذ لاحظت ان لا شيء يوحي ابداً باهتمام دولي وخارجي بالاستحقاق اللبناني خارج إطار التعبير عن مبدئيات عامة مثل التمسك باستقرار لبنان واجراء الاستحقاق في موعده مع علم الدول المعنية كلها ان الطبقة السياسية اللبنانية ستعجز عن التوصل الى تفاهم على رئيس جديد من دون تدخلات خارجية. ورأت ان التطورات تسير في اتجاه اذكاء الانطباعات عن مرحلة فراغ رئاسي لا يُعرف مداها الزمني من الآن وان هذا الخطر سيصبح شديداً وماثلاً اعتباراً من الاسبوع المقبل اذ ان الفشل في تأمين النصاب لجلسة الاربعاء المقبل سيكون بمثابة انطلاق لمرحلة الفراغ اذا اتُبع نمط تحديد مواعيد للجلسات من دون انعقادها وما لم تحصل «أعجوبة» تحمل توافقاً على رئيس لا تَظهَر معالمه الآن.

وثمة انطباع في بيروت بأنه بعدما انتهت «الجولة اللبنانية» من الاستحقاق الى التعبير عن «التوازن السلبي» المعروف بين 8 و 14 آذار، فان محاولات ستجري لاستثمار «العجز» اللبناني عن انتخاب رئيس جديد لاستدراج تدخلات خارجية يجري ضبط وتيرة حركتها على ايقاع مجموعة استحقاقات في المنطقة وبينها موسم الانتخابات في سورية والعراق ومصر والمفاوضات النهائية حول النووي الايراني، وهو ما يجعل لبنان جزءاً من «بازل» اقليمي تشكل السعودية وايران محوريْ الاستقطاب فيه.

 

السابق
’أجواء الحريري ـ عون’ إلى أين؟!
التالي
حاولت دهس زوجها لأنه انتقد قيادتها للسيارة